المؤسسات الإعلامية القطرية والتركية حاولت تحويل اختفاء خاشقجي إلى قضية تشغل بها الرأي العام في بلدانها جراء الإخفاقات المحلية.
في المواقف الصعبة لطالما تظهر شخصية القيادة السعودية، بصلابتها وقدرتها على تجاوز المنعطفات الصعبة، وكلما استعدنا قراءة التاريخ السعودي وجدنا هذه القدرة على تطويع الظروف لمصلحتها، يقول التاريخ إن السعوديين تعرضوا لأكبر عملية إرهابية على الإطلاق، عندما اقتحم الإرهابي جيهمان الحرم المكي في عام 1979م، دون تلك الحادثة الكبيرة يبدو أن كل الحوادث الأخرى التي تستهدف السعودية أصغر وأقل حجماً.. مهما تعاظمت، فتلك الحادثة كانت وستبقى أخطر ما يمكن أن يتهدد أمن السعودية وسيادتها، ولم تكن القيادة السعودية لتخسر تلك المعركة لولا إيمانها في قدرتها على الانتصار فيها، وهذا ما جرى مع كل الحوادث التالية لها.
لا يتجاوز التاريخ السعودي غزو العراق للكويت، فهي واحدة من الحوادث التي يمكن دائماً الاستدلال بها على قدرات القيادة السعودية، فلقد أظهر الملك الراحل فهد بن عبدالعزيز صبراً وحكمة في احتواء الحادثة وتعاملاً صارماً، أكدت فيه القيادة السعودية أنها لا يمكن أن تتزحزح عن ثوابتها، خاضت معركة شرسة، وتعرضت لأصناف شتى من الهجوم على المستويات كافة، فلقد غدر بها الأصدقاء وثبت معها الأوفياء، وخرجت منتصرة بعودة الكويت إلى أهلها وحكامها.
ابتزاز السعودية سياسياً، عبر اختلاق قضية قتل مفترضة، واختطاف مفترضة، وشهادات مفترضة، لن تحقق أهداف قوى الشر المتربصة بالسعودية، وهذه واحدة من المعارك التي تتطلب شجاعة في مواجهتها، وقدرة غير عادية في التعامل معها
ما بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 خاضت السعودية واحدة من المعارك الواسعة، لم تنتهِ حتى وهي تخوض معركة على أرضها، وهي تواجه هجوماً إرهابياً كبيراً من تنظيم القاعدة، تكررت العمليات الإرهابية في مختلف المدن السعودية، وتعاملت القيادة السعودية بما تمتلك من الصبر والثبات والتعامل الأمني والتحشيد الوطني الداخلي، ولم تتوقف تلك المعركة بغير انتصار القيادة السعودية، وبهزيمة الفئة الضالة التي راهنت عليها قوى الشر في أن تهزم قيادة سعودية أثبتت مرة أخرى أنها على مستوى التحديات، حتى وإن كانت تحديات عسيرة وصعبة.
ولم تكن مرحلة الرئيس الأمريكي باراك أوباما بمرحلة اعتيادية، عندما غيرت الولايات المتحدة تحالفاتها، ودعمت تيارات الإسلام السياسي، سنّية وشيعية، على حد سواء، ففيما دعمت ما يسمى بـ«الربيع العربي» في 2011، الذي استهدف إسقاط الأنظمة العربية، عقدت مع إيران الاتفاق النووي، ومنحتها مليارات الدولارات، والتي سخرها النظام الإيراني في الهجوم على السعودية، وإسقاط العواصم العربية.. الواحدة بعد الأخرى.
حسمت القيادة السعودية أمرها، واتخذت القرارات الكبيرة، فتدخلت لدعم مملكة البحرين، وخاضت المعركة الأشرس، عندما قررت استعادة الدولة الوطنية المصرية، فكان الدعم المطلق لثورة الثلاثين من يونيو 2013 المصرية، معركة لا تقبل القسمة على اثنين، فما تمثله استعادة مصر من قبضة الإخوان المسلمين والقوى الداعمة لها، وإن كانت الولايات المتحدة نفسها، فهذه معركة مصير، ليس للسعودية وحدها بل للعالم العربي، الذي كانت أركانه تهتز، والنيران تشتعل في زواياه كافة.
ليس من المستغرب أن تقف القيادة السعودية في مواجهة الحملة الشرسة التي انطلقت في حادثة اختفاء الصحفي جمال خاشقجي، بالقدر ذاته من الثبات والصبر والقوة، فهذا ما اعتاد عليه السعوديون في تاريخهم، فحادثة اختفاء خاشقجي -التي قامت على أدلة افتراضية، وبتوجيه اتهامات باطلة، عبر اختلاق روايات لا تملك أرضية مادية، في محاولة لتسييس قضية إنسانية- عملت عليها قناة الجزيرة القطرية، إضافة لعدد كبير من الوسائل الإعلامية التي كرست الافتراضات على أنها أدلة قاطعة، وقد اتضح من خلال قضية خاشقجي، بما لا يدع مجالاً للشك ما ظل يحدث منذ سنوات من غياب المهنية، والأجندة المسبقة في وسائل الإعلام التي تدار من قبل جماعة الإخوان المسلمين.
ووظفت المؤسسات الطواقم العاملة بها لبث التغريدات المزيفة، التي يُسرعون أنفسهم لحذفها، بعد أن يكتشفوا أن الكذبة لم يتم حبكها بالشكل السليم.
وحاولت المؤسسات الإعلامية القطرية والتركية تحويل اختفاء خاشقجي إلى قضية تشغل بها الرأي العام في بلدانها، جراء الإخفاقات المحلية التي تمر بها، سواء في قطر أو تركيا.
ابتزاز السعودية سياسياً، عبر اختلاق قضية قتل مفترضة، واختطاف مفترضة، وشهادات مفترضة، لن تحقق أهداف قوى الشر المتربصة بالسعودية، وهذه واحدة من المعارك التي تتطلب شجاعة في مواجهتها، وقدرة غير عادية في التعامل معها، حتى وإن تم تسخير كل الفضاء الإعلامي لبث السموم، وتلبيد الأجواء بغيوم سوداء، فكل ما يحدثه الإعلام المأجور يبقى مجرداً من أدلة، ويبقى فارغاً متى ما غابت تلك الأدلة المادية القاطعة.
ستتجاوز القيادة السعودية أزمة خاشقجي، وستنجح في تحقيق مكاسب سياسية منها، كما فعلت في محطات تاريخية أقدم، والأهم في هذا النطاق أن تدرك القوى المعادية أن عمود الخيمة العربية سيبقى ثابتاً، لن يهتز أبداً، ففي هذه الصحراء دولة لها وزنها السياسي، ورصيدها الكبير من المؤمنين بأن السعودية، ملكاً وشعباً، لن يكونوا وحدهم وهم يواجهون المأزومين والمريدين بها شراً، ففي معيتهم سيقف الأوفياء الذين يحفظون لهذه البلاد أنها كانت وستبقى ملاذاً للخائفين، والذين أمنتهم من خوفهم، وأطعمتهم عند جوعهم.
نقلا عن "البيان"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة