الجزيرة جاءت في سياق صراع عربي على صناعة الرأي والفكر، فهي كيان سياسي منذ نشأتها.
تمثل قناة الجزيرة نقطة فارقة في التاريخ العربي الحديث والمعاصر، فقد ولدت في إطار اتفاق استراتيجي بين “الإيباك” -المنظمة الصهيونية النافذة في واشنطن- والحاكم السابق لقطر، حين أراد خلع والده الشيخ خليفة في منتصف التسعينيات من القرن الماضي، وكانت البوابة العربية الأولى والرائدة في التطبيع الثقافي مع الكيان الصهيوني في فلسطين، فمن شاشتها تعرف الجمهور العربي ولأول مرة في تاريخه على السياسيين والكتاب والصحفيين الصهاينة، إلى الحد أن الجزيرة أسهمت في تعريب النخبة السياسية والثقافية الصهيونية من كثرة ظهورهم عليها، وكانت صاحبة الريادة في ذلك، لأنها أول وسيلة إعلام في الجغرافيا العربية تسمح لمغتصبي أرض فلسطين بالظهور وتبرير أفعالهم، والتعامل معهم كطرف في حوار وليس كعدو مغتصب.
كل من يعمل في الجزيرة أو يتعامل معها هو يعمل لصالح دولة معادية في حال حرب مع السعودية ومصر، وأقترح هنا أن تستعير السعودية ومصر القوانين الأمريكية المتعلقة بتعامل مواطني الولايات المتحدة مع الدول المعادية مثل إيران، ويتم تطبيقها مع المتعاملين مع دولة الجزيرة
والجزيرة جاءت في سياق صراع عربي على صناعة الرأي والفكر، تغلبت فيه وسائل الإعلام السعودية على نظيرتها المصرية، ثم جاءت الجزيرة لتنافس الجميع، فكانت قناة العربية محاولة لإعادة الكرة إلى ملعب أكبر دولة في جزيرة العرب، فالجزيرة كيان سياسي منذ نشأتها.
الجزيرة قدمت نفسها على أنها ناقلة للرأي والرأي الآخر، أي أنها تنقل الخبر بكل صدق وأمانة، ولكن تغلبت عليها جيناتها السياسية، فأصبحت تهفو -وبكل ما أوتيت من قوة- إلى صناعة الخبر، أي بدلا من أن تقف عند حدود نقل الحدث للمشاهد أصبحت ترنو إلى صناعة الحدث، وتضخم هذا الدور في المؤسسة وفي عقول أفرادها بعد ما عرف بثورات الربيع العربي، حيث أصبح مذيعو الجزيرة ومعدو برامجها يرون في أنفسهم صناعاً لهذه الثورات، يملكون حق توجيهها ولو عن بعد، ويحددون من يقودها وكيف يقودها، أصبحوا أصحاب الشرعية الأولى في تحديد مصير هذه الثورات ومصير دولها، وهنا تحولت الجزيرة إلى دولة عظمى في العالم العربي الآيل للسقوط.
وليس غريبا أن تكون الجزيرة دولة، فمثلها دول أعضاء في الأمم المتحدة ولها سفارات في العالم، فدولة فرسان مالطة أو فرسان القديس يوحنا عضو في الأمم المتحدة، وهي لا تختلف عن الجزيرة حجما، إذ أنها لا تزيد عن مساحة دير في روما، وعدد سكانها أقل من عدد العاملين في الجزيرة، فلماذا تكون لفرسان القديس يوحنا دولة ولا يكون لقناة الجزيرة مثلها؟
وكون الجزيرة دولة مستقلة حقيقة يرددها دائما المسؤولون القطريون في كل مناسبة، دائما يكون رد حكومة قطر؛ أن الجزيرة مستقلة، على أي احتجاج تقدمة دولة من الدول على ما تقوم به الجزيرة من تدخل مباشر في شؤونها، والتحريض على العنف والإرهاب، والتشكيك في شرعية النظام القائم، والدعوة إلى تغييره بالعنف، والاحتفاء بكل مواطن الفشل والخلل فيها، لدفع الشعب إلى تغيير النظام بالقوة أو بالعنف والإرهاب، وفي كل مرة تطالب دولة من الدول حكومة قطر بوقف هذه الحملات الإعلامية المنظمة التي لم يسبق لها مثيل، إلا ما كانت تقوم به "صوت إسرائيل من أورشليم القدس" في فترة حرب الاستنزاف من ١٩٦٧ وحتى ١٩٧٣، يأتي الرد الحكومي القطري من جميع المسؤولين القطريين بأن الجزيرة مستقلة، ولا تتدخل حكومة قطر في شؤونها.
وهذا أمر مقنع جداً، لأن الجزيرة أكبر سياسياً من دولة قطر، هي فعلا دولة مستقلة، ويجب أن نأخذ تصريحات حكام قطر الذين صاروا يقلدون المندوب السامي البريطاني في القرن التاسع عشر بصدق وجدية واقتناع، وأنا شخصيا مقتنع به، لذلك أطالب حكومات الدول الأربع الداعية لمكافحة الإرهاب إلى أن تتعامل مع الجزيرة كدولة مستقلة، وألا تخلط بينها وبين حكومة قطر الصديقة والشقيقة، أن تفهم أن الجزيرة غير قطر وأنها دولة مستقلة، وهنا نكون أمام حقيقة أخرى ترتب علينا الآتي:
1- أن دولة الجزيرة أعلنت الحرب على المملكة العربية السعودية بعد اختفاء المواطن السعودي الأستاذ جمال خاشقجي، وأنها تستخدم أقصى ما لديها من أسلحة لدفع العالم لاستهداف السعودية بأقصى أنواع الضرر السياسي والاقتصادي والعسكري، وقبلها أعلنت الحرب على مصر، وسعت لتدمير مؤسساتها وإفشال حكوماتها وإشعال حرب أهلية فيها، وتشجيع كل أنواع الإرهاب من سيناء إلى مختلف بقاع مصر.
2- أن كل من يعمل في الجزيرة أو يتعامل معها هو يعمل لصالح دولة معادية في حال حرب مع السعودية ومصر، وأقترح هنا أن تستعير السعودية ومصر القوانين الأمريكية المتعلقة بتعامل مواطني الولايات المتحدة مع الدول المعادية مثل إيران، ويتم تطبيقها مع المتعاملين مع دولة الجزيرة.
3- أن مواطني دولة الجزيرة لا يحق لهم دخول الدول التي أعلنت دولتهم الحرب عليها أو المرور بها، أو أن يكون لهم أملاك فيها مثل أي دولة في حالة حرب.
4- أنه لا يحق لدولة قطر أن تتدخل في العلاقة بين أي دولة أخرى ودولة الجزيرة، لأن دولة قطر أعلنت الحياد منذ البداية ورفضت التدخل لدى دولة الجزيرة لمنع عدائياتها ضد السعودية ومصر.
وحيث إن الجزيرة ليست عضواً في الأمم المتحدة أو في الجامعة العربية فلا ينطبق عليها ميثاق أي من المنظمتين، ولا يمكن تقديم شكوى ضدها أمام أي من المنظمتين، ولذلك فمن حق كل من السعودية ومصر أن تتعاملا معها كدولة معادية في حال حرب، وأن تستخدما ضدها كل ما تملك من وسائل الدفاع عن النفس.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة