هل تنقذ قطر الألمان من إدمان الغاز الروسي؟.. أرقام لا تكذب لكنها تتجمل
لقي إعلان ألمانيا وقطر، توقيعهما اتفاقية شراء الغاز الطبيعي اعتبارا من عام 2026 ولمدة 15 عاما اهتماما واسعا في برلين.
بينما لم يرد سوى خبر على وسائل الإعلام الروسية الحكومية.
وتنص الاتفاقية على قيام قطر للطاقة بتزويد ألمانيا سنويا بمليوني طن من الغاز الطبيعي المسال، والذي سيتم تسليمه إلى محطات الغاز الجاري إنشاؤها حاليا.
والاتفاقية الموقعة اليوم، هي الأولى التي توقعها ألمانيا على شكل عقد طويل الأجل، خلال السنوات الثلاثين الماضية، وهو تحول فريد من نوعه من جانب واحدة من أكبر دول الاتحاد الأوروبي ومنطقة اليورو، من حيث الناتج المحلي الإجمالي.
كمية ضئيلة
وتحت مظلة أن الأرقام لا تكذب لكنها قد تتجمل، الواقع يشير إلى أن الاتفاقية الموقعة بين ألمانيا وقطر، هي ضئيلة نسبيا، إذ لا تتجاوز الكميات الواصلة إلى ألمانيا من الغاز القطري 5% من إجمالي الاستهلاك السنوي من الغاز الطبيعي في ألمانيا.
وعند تحويل كمية مليوني طن من الغاز الطبيعي المسال إلى المليار متر مكعب، فإنه لا تساوي أكثر من 4.56 مليارات متر مكعب من الغاز الطبيعي المسال سنويا، ستتجه من حقل الشمال الشرقي في قطر إلى ألمانيا.
ووفق بيانات حكومية ألمانيا، بلغ إجمالي استهلاكها من الغاز الطبيعي خلال العام الماضي 90.5 مليار متر مكعب، صعودا من 87.1 مليار متر مكعب في عام 2020، بينما بلغ الاستهلاك 89.3 مليار متر مكعب في 2019.
ونظرا لزيادة الطلب وانخفاض الإنتاج، تعتمد ألمانيا اعتمادا كبيرا على واردات الطاقة، حيث ارتفع معدل الاعتماد عليها إلى 63.6% في عام 2018.
في عام 2021، استوردت ألمانيا 102 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي، وهو أعلى معدل في جميع أنحاء أوروبا. ومن المتوقع أن تزداد الواردات أكثر مع التخلص التدريجي من الفحم والطاقة النووية.
المعطيات أعلاه، تؤشر إلى أن الغاز الروسي سيبقى ضمن مزيج الطاقة لدى ألمانيا، وقد يعود إلى مستوياته السابقة ضمن شروط جديدة وعقود تأخذ بالاعتبار التطورات الجيوسياسية الحالية، بعد انتهاء الحرب في أوكرانيا.
والسبب في ذلك، إلى أن الاستثمارات الهائلة في أنبوبي الغاز "نورد ستريم 1 و نورد ستريم 2"، يجب أن يقابلها استغلال وعائدات وقيمة مضافة، ولن تبقى في البحر فارغة دون عبور الغاز.
إلا أن حصة الغاز الروسي من مزيج الطاقة في ألمانيا قد يتراجع من مستوى 50% في عام 2021 أقل من 25% خلال الفترة المقبلة، والذي سيتم تحديده بناء على شروط العقود الجديدة في حال تم التوصل إلى اتفاق ينهي الحرب.
أحلام اليقظة
المسألة الأهم، أن ألمانيا التي طالما كانت تحلم بالتحول السريع إلى مصادر الطاقة المتجددة بصدارة الشمس والرياح، تعيش اليوم واقعا جديدا بتوقيع الاتفاقية مع قطر.
لطالما دعت ألمانيا دول الاتحاد الأوروبي إلى سرعة التحول للطاقة المتجددة، إلا أن توقيع الاتفاقية مع قطر، يرسل رسالة مفادها بأن التحول للطاقة المتجددة، لن يتم بمعزل عن الوقود الأحفوري والغاز الطبيعي.
أرقام لافتة
يستورد الاتحاد الأوروبي حوالي 60% من احتياجاته من الطاقة، بينما تعتمد ألمانيا على إمدادات الطاقة من الخارج بنحو 65%، مقارنة بحوالي 44% بالنسبة لفرنسا، وذلك وفقاً لتقديرات رسمية لعام 2020.
هذه الأرقام تدلل على حجم التبعية للخارج؛ في الوقت ذاته، يستهدف الاتحاد الأوروبي الوصول إلى "صفر انبعاثات كربونية" بحلول عام 2045، لذلك، تم تقليل استخراج الوقود الأحفوري بنسبة 45% في السنوات الأخيرة.
بالتالي، باتت برلين تستورد نحو 98% من احتياجاتها النفطية، و93% من احتياجاتها من الغاز الطبيعي، بالإضافة إلى 100% من احتياجاتها من الفحم والذي يعد مصدراً بديلاً أقل تكلفة ولكن أكثر تلويثاً للبيئة.
ومع ذلك، فإن الواردات من روسيا هي الأهم على الإطلاق. لذا، مثَّلت الحرب الروسية الأوكرانية وعواقبها الجيوسياسية تداعيات كارثية على الصناعة الألمانية، التي كانت تعتمد بشكلٍ خاص على هذه الواردات لتعويض النقص الذي حدث بعد إغلاق مناجم الفحم منذ عام 2018 وآخر ثلاث محطات للطاقة النووية في عام 2022.
تراوحت نسبة واردات الغاز الروسي خلال السنوات الثلاث الماضية بين 55% و57% من واردات الغاز.