لقد تعدى الفساد حقول نهب المال العام، ليشمل أنماطا من الفساد الديني والأخلاقي والإداري والسياسي، جعلت الانحطاط عاما، والفقر شاملا
عندما يُقتل المئات من المتظاهرين السلميين في العراق، هل هناك من يعتقد، بين المسؤولين العراقيين أنه سوف ينجو من العاقبة؟
الانتهاكات الأخرى التي رافقت الاحتجاجات كبيرة أيضا. والاعتقالات وأعمال التعذيب التي طالت آلاف المتظاهرين، تجاوزت كل الحدود. أما الجرحى فقد تجاوزت أعدادهم العشرة آلاف، كثير منهم بإصابات مباشرة كانت بقصد القتل.
الضحايا لن يغفروا. ولن ينسوا. والقضاء العادل، حتى ولو بدا غائبا اليوم، فإنه سيقام في آخر المطاف. دولة الظلم لا تدوم. ودولة الفساد لا تدوم. ولقد أفسدوا وخربوا وأفقروا وقتلوا وهجروا وعذبوا وشنّعوا، بما يثير الاستغراب حقا، كيف أنهم يجرؤون على المماحكة فيما ظلوا يفعلون
وفي المقابل، فإن فساد الحكومة ومليشياتها مكشوف ومعروف، ولا جدال فيه. ومن فساد الفساد نفسه، بات الفاسدون أنفسهم يطالبون بمكافحته على سبيل الخداع والتقية.
ومثلما عمدت الأحزاب والمليشيات التابعة لإيران، على سحب المال العام لحسابها الخاص، فإن الشركات الوهمية التابعة للحرس الثوري أتت على الباقي من الأعمال والمشاريع الوهمية التي كانت تبدأ ولا تصل ربع الطريق في التنفيذ، ويفر مالكوها بالمال إلى إيران.
هذا كله مكشوف. ولو جاز لقضاء مستقل أن يحقق في جرائم الفساد، فإنه سوف يكشف عن حقائق مهولة توضح كيف أمكن لجماعات النصب والنهب والتقية، أن تستولي على نحو تريليون دولار من عائدات النفط في غضون السنوات الـ16 الماضية.
وعلى طول الطريق، فقد ارتكبت جماعات إيران جرائم تفوق كل حصر. وتكاد الحصيلة تبدو عسيرة على الإحصاء لفرط تفشيها وتعدد أنماطها وشمولها. إذ إنها لم تقتصر على انتهاكات يقع ضحيتها أفراد، بل جرائم منظمة ومنهجية تقع ضحيتها قرى وبلدات ومدن بكل ما فيها من سكان. وبطبيعة الحال، فقد أسفرت تلك الأعمال عن تهجير ملايين الناس، بل اقتلاعهم من منازلهم وتشريدهم خارج بلادهم، أو بقائهم مشردين لسنوات مديدة داخل بلادهم أيضا.
إن الأوجاع والآلام التي تسبب بها النظام الإيراني الحاكم في العراق مريرة إلى درجة يعجز الأدب عن سردها كما تعجز الوثائق عن إحصائها، عجز القضاء أن يحاكم كل المتورطين فيها.
ولقد تعدى الفساد حقول نهب المال العام، ليشمل أنماطا من الفساد الديني والأخلاقي والإداري والسياسي، جعلت الانحطاط عاما، والفقر شاملا. وكثير من أركان الفساد شاع بينهم التزوير لكي يتخرجوا بشهادات مزورة، أو جامعات هي الأخرى شكل من أشكال التزوير.
الكل يعرف طبعا أن قائمة المسؤولين عن هذه الجرائم تطول إلى درجة تصعب على الجمع والتصنيف. ولكن قائمة الكبار واضحة تماما، ويعرفها العراقيون. بل إن عامة الناس يستطيعون أن يقدموا فيهم الأدلة والبيانات والوثائق التي تثبت مدى تورطهم المباشر في تلك الأعمال التي حولت هذا البلد إلى حطام.
والكل يعرف أيضا، أن الفاسدين لن يبقوا لو حدث التغيير. فهم سيهربون بما خف حمله، إلى حيث يحميهم وليهم الفقيه. ولن يبقوا لمواجهة المحاكمات. لأنهم أقل شجاعة من ذلك بكثير. ولسوف يظلون يبررون لأنفسهم ما ارتكبوا، رغم أنهم يعرفون أن التبرير نفسه وقح.
إحصاء بعض ما ارتكب من تلك الجرائم على مدى العهد الذي تلا غزو العراق في عام 2003، وحصر كبار مسؤوليه يظل ممكنا، ولسوف يظل مسؤولية تاريخية على أي عهد يليه. بل إن عهدا جديدا لن يبدأ إلا إذا شهد العالم بأسره كيف يمكن لقضاء نزيه، مخلص ومستقيم، أن يفصل في حقوق الضحايا ويرد لهم الاعتبار. ساعتها سوف تعود ساحة التحرير في بغداد، لتمتلئ بالشهود. الملايين منهم. وهم إذ يتظاهرون كل يوم، فإنهم يقدمون الشهادة الجنائية تلو الأخرى على ما ظلوا يتعرضون له.
وما من أحد فيهم غافل عن أحابيل المنافقين. ولا القتلة، الذين يُزعم أنهم "طرف ثالث"، غامضون. ولا الذين يرتدون رداء البراءة مُبرؤون.
الضحايا لن يغفروا. ولن ينسوا. والقضاء العادل، حتى ولو بدا غائبا اليوم، فإنه سيقام في آخر المطاف.
دولة الظلم لا تدوم. ودولة الفساد لا تدوم. ولقد أفسدوا وخربوا وأفقروا وقتلوا وهجروا وعذبوا وشنّعوا، بما يثير الاستغراب حقا، كيف أنهم يجرؤون على المماحكة فيما ظلوا يفعلون.
بإسلامهم الطائفي، سقوا البلاد كأس الدم، في كل ركن من أركانها. فهل يُعقل ألا يشربوه؟ السؤال الأهم من بعد المماحكة: أليس من الأنسب لهم أن يهربوا بما نهبوا، أم أنهم مجبرون على البقاء دفاعا عن نفوذ إيران؟
لو كان بينهم عاقل، لما بقي يوما واحدا، بدلا من أن ينتظر مصيره المحتوم. ولعمري أنهم يرغبون بالهرب في أسرع وقت، إلا أنهم لا يجرؤون، حتى لكأن وليهم الفقيه يريد أن يرى رؤوسهم وقد أينعت، وبأعمالهم يُحاصرون.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة