اجتماع «الرباعية» في واشنطن.. «حراك» لضبط «انفلات» حرب السودان

دعوة من دولة الإمارات والمملكة العربية السعودية ومصر وأمريكا لأطراف الصراع في السودان إلى وقف القتال والتوصل إلى حل تفاوضي.
جاء ذلك في اجتماع عقد، اليوم الأربعاء، بمقر الخارجية الأمريكية في واشنطن، شارك فيه نائب وزير الخارجية كريستوفر لاندو، والمستشار الأول لشؤون أفريقيا مسعد بولس مع سفراء أعضاء الرباعية العرب لدى الولايات المتحدة.
والسفراء هم: سفير دولة الإمارات يوسف العتيبة، والسفيرة السعودية ريما بنت بندر آل سعود، والسفير المصري معتز زهران.
ونقل المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية الأمريكية، تامي بروس، عن نائب الوزير لاندو تأكيده أن الصراع في السودان يهدد المصالح المشتركة في المنطقة ويُفاقم الأزمة الإنسانية.
وأوضح لاندو أن واشنطن لا ترى حلاً عسكريًا للنزاع، داعيًا اللجنة الرباعية إلى تكثيف الجهود لإقناع الأطراف المتحاربة بوقف الأعمال العدائية والانخراط في مفاوضات جادة من أجل التوصل إلى حل سياسي دائم.
وأكد نائب الوزير التزام الولايات المتحدة بالعمل الوثيق مع شركائها في الرباعية لمعالجة تداعيات الأزمة السودانية على المستويين الإقليمي والدولي، مشيرًا إلى أهمية تنسيق الخطوات التالية بشكل جماعي لدفع مسار السلام في السودان.
رسالة أمريكية واضحة
يرى مراقبون وخبراء في السودان أن التحرك الأمريكي الجديد ضمن "الرباعية" هو محاولة أخيرة لتثبيت السودان كدولة قابلة للحكم لا كساحة "تصفية حسابات".
ويعتبرون أن الرباعية وحدها لا تملك مفاتيح الحل لكنها تملك القدرة على منع الانهيار الكامل، وأن الشرط الأول للنجاح في ذلك هو إرغام طرفي الحرب في السودان على الاعتراف بأن لا أحد سينتصر وحده.
وفي قراءته للتطورات، يرى الدكتور عبدالناصر سُلم حامد، مدير برنامج شرق أفريقيا والسودان في "فوكس" السويد، وهو أيضا باحث في إدارة الأزمات ومكافحة الإرهاب، أنه "بدخول نائب وزير الخارجية الأمريكي على خط الرباعية، فإن هذا الأمر يحمل دلالة على تغيّر المزاج في واشنطن".
وأضاف أن "هذا التحرك يشير إلى أن أمريكا شعرت بأن الفراغ الدبلوماسي يتم ملؤه من لاعبين آخرين".
وتابع: "التحرك الأمريكي ليس فقط لتحريك السلام، بل لضبط الإيقاع الإقليمي في لحظة انفلات".
واعتبر أن "أمريكا تحاول وضع الورقة السودانية على طاولة مفاوضات تُدار تحت إشرافها المباشر".
وأوضح الباحث في إدارة الأزمات ومكافحة الإرهاب أن ما يحدث الآن هو سباق بين مسارين، إما أن تفرض الرباعية إطاراً تفاوضياً مع ضمانات وضغوط، قبل أن تغلق قيادات الجيش السوداني باب الحلول السياسية تمامًا، وإما أن "يُترك السودان لمعادلة المنتصر والمهزوم، مع ما تحمله من احتمالات تمرد لاحقة وتقسيم فعلي للبلاد".
تحول نوعي
من جانبه، يقول عروة الصادق، القيادي في "التحالف المدني الديمقراطي لقوى الثورة السودانية" (صمود)، أن "هذا الاجتماع الذي عُقد في قلب المؤسسة الدبلوماسية الأمريكية، يمثل أول تحرك مباشر وموثق لإدارة الرئيس دونالد ترامب بشأن النزاع السوداني"،
واعتبر الصادق، في تصريح لـ"العين الإخبارية"، أن الاجتماع "يعكس تحوّلاً نوعياً في موقع الأزمة ضمن أولويات السياسة الخارجية الأمريكية".
وقال إن "البيان الأمريكي وإن جاء مقتضباً، إلا أنه حمل رسائل استراتيجية صريحة لا تحتمل التأويل، أهمها التأكيد بأن واشنطن لا ترى في الحسم العسكري حلاً ممكناً، وهو ما يعكس رغبة أمريكية واضحة في إعادة ضبط بوصلة المسار السياسي في السودان".
ولفت إلى أن هذا الأمر "هو ما ظلت تردده القوى المدنية طوال سنوات الحرب العجاف"، مضيفاً أن الحديث عن ضرورة إقناع الأطراف المتحاربة بوقف إطلاق النار والتفاوض لا يعني فقط دعوة إلى الحوار، بل هو عملياً إعلان موقف أمريكي مضاد لأي مشروع عسكري من الطرفين، ويمهّد لتوجه دبلوماسي أكثر حزماً في المرحلة المقبلة.
وأوضح عروة أن "اختيار الرباعية بصيغتها الحالية، دول الإمارات والسعودية ومصر، يؤكد أن واشنطن تراهن على الشركاء الإقليميين ذوي النفوذ الفعلي، دون الاعتماد على المسارات الغربية التقليدية".
كما رأى أنه "يعكس براغماتية أمريكية في إدارة الأزمات عبر أدوات الضغط الإقليمي المباشر".
دلالات التوقيت وغياب بريطانيا
التحرك الأمريكي الذي اعتبره مراقبون في السودان أنه ليس مجرد مناسبة "بروتوكولية"، بل يمثل تحركاً مركزياً يعيد التموضع الأمريكي في الملف السوداني، حمل توقيته الراهن دلالات سياسية.
ويرى القيادي بـ"صمود" عروة الصادق أن توقيت التحرك الأمريكي قبيل الإعلان المتوقع عن عقوبات جديدة ضد قيادات عسكرية سودانية يمثل رسالة ذات شقين، أولها؛ "إتاحة الفرصة الأخيرة أمام الحل السياسي قبل تصعيد الضغوط، وثانياً؛ التحضير لخلق إجماع إقليمي حول مشروعية تلك العقوبات حال فشل الأطراف المحلية في الانخراط الجاد بمسار تفاوضي".
أما الباحث في إدارة الأزمات ومكافحة الإرهاب، عبدالناصر سُلم، فيعتبر أن توقيت التحرك الأمريكي مثالياً من الناحية السياسية.
ويقول في حديث لـ"العين الإخبارية"، إن "هذا المستوى من التمثيل الأمريكي الرفيع يعكس إدراكًا بأن الأزمة السودانية لم تعد مجرد نزاع داخلي، بل باتت تمثل تهديداً إقليمياً يعيد تشكيل الأمن في القرن الأفريقي".
وفي ما يتعلق بغياب بريطانيا كأحد أطراف الرباعية في السابق عن اجتماع واشنطن، يوضح سُلم أن "غياب بريطانيا رغم تاريخها الاستعماري ونفوذها السابق في السودان يحمل دلالتين"، أولها، "تحول مركز القرار الدولي من أوروبا إلى التحالف العربي-الأمريكي في الملفات الأفريقية، وثانيها تراجع الاهتمام البريطاني بالسودان لصالح ملفات أكثر إلحاحًا كأوكرانيا والهجرة والاقتصاد".
ولفت إلى أن "غياب بريطانيا عن هذه الرباعية قد يكون مقصودًا أو نتيجة تضاؤل نفوذها ما بعد البريكست (خروجها من الاتحاد الأوروبي)".
لكن الخبير عاد وأكد أن "غياب بريطانيا عن اجتماع واشنطن يسمح للرباعية بأن تتحرك ككتلة غير استعمارية، وهو ما يمنحها شرعية أكبر في عيون بعض القوى السودانية".
أما عروة الصادق فيعود ليقول إنه "رغم تصلّب مواقف طرفي النزاع على الأرض وخاصة الجيش السوداني، فإن هذا التحرك الأمريكي يفتح نافذة محتملة لإعادة إحياء مسار تفاوضي تدعمه أطراف لها ثقل حقيقي في معادلات الداخل السوداني".
وشدد على أن "العامل الحاسم لن يكون فقط في حجم الضغط السياسي، بل في القدرة على فرض ترتيب تفاوضي جديد تضمن فيه الدول الثلاث (الإمارات السعودية ومصر) التزامات محددة من الطرفين، مقابل ضمانات إقليمية ودولية لمرحلة انتقالية جديدة".
aXA6IDIxNi43My4yMTYuMTc1IA== جزيرة ام اند امز