حملة عالمية لإنقاذ 60 ألفا من الموت بـ"داء الكلب"
هل تعتقد أن الكلب هو الحيوان الوحيد الذي يمكن أن يصيبك بالسعار؟ وما الذي ينبغي عليك فعله بعد العضة للبقاء على قيد الحياة؟
تحيي منظمة الصحة العالمية، في 28 سبتمبر من كل عام، اليوم العالمي لـ"داء الكلب" 2016 تحت شعار "التثقيف بالداء والتلقيح ضده والتخلص منه".
ويشدد موضوع الاحتفال هذا العام على إجراءين من الإجراءات الحاسمة التي يمكن أن تتخذها المجتمعات المحلية للوقاية من داء الكلب، كما يجسد الغاية العالمية بشأن القضاء على جميع الوفيات البشرية من الداء المنقول بواسطة الكلاب بحلول عام 2030.
وتشير التقديرات إلى أن "داء الكلب" الكلبي يتهدد حياة أكثر من 3 بلايين نسمة في آسيا وأفريقيا، ويعيش أكثر الناس أخطارا في المناطق الريفية حيث لا يسهل الحصول على اللقاحات البشرية والغلوبولين المناعي بسرعة.
وكانت منظمة الصحة العالمية والمنظمة العالمية للصحة الحيوانية قد أقرتا الاحتفال بيوم داء الكلب في 28 سبتمبر عام 2006، للتوعية به وتخليدا لذكرى وفاة العلامة الفرنسي لويس باستور المتخصص في الكيمياء وعلم الأحياء الدقيقة، الذي طور أول لقاح مضاد للداء.
و"داء الكلب" مرض حيواني المنشأ، ينتقل من الحيوانات إلى البشر، يسببه فيروس، وهو مرض فيروسي معدٍ مميت يصيب الجهاز العصبي، وهو من الأمراض المشتركة بين الإنسان والحيوان ويصيب كل ذوات الدم الحار، مثل الكلاب، القطط، الثعالب، الذئاب، الأبقار، الجمال، الخيول، الماعز، الضأن، الغزال.. الخ، بالإضافة الى الخفافيش (الوطواط) والإنسان.
وأكثر الحيوانات عرضة للإصابة بالمرض هي فصيلة ذات الناب مثل الذئاب والكلاب والثعالب.
وتنتقل العدوى عن طريق العض، حيث ينتقل الفيروس من لعاب المريض العاقر إلى المعضوض؛ أو الخدش بمخالب الحيوان الملوثة بلعابه عندما يخدش بها كائنا آخر؛ أو تلوث الجروح أو الخدوش أو الأغشية المخاطية للعين بأي مواد ملوثة بالفيروس من اللعاب أو أنسجة الجرح الناتج عن العضة؛ أو استنشاق الهواء المحمل بالفيروسات بكهوف الوطاويط.
وعندما يصل فيروس السعار إلى الخلايا يبدأ بالتكاثر ويتوجه إلى الجهاز العصبي المركزي حتى يصل إلى المخ ويبدأ بتدمير خلايا المخ.
الجدير بالذكر أن المرض بات منتشرا في جميع قارات العالم تقريبا، باستثناء القطب الجنوبي، غير أن أكثر من 95% من الوفيات البشرية تحدث في آسيا وأفريقيا.
وتقف الخفافيش وراء معظم الوفيات البشرية الناجمة عن داء الكلب في الولايات المتحدة الأمريكية وكندا، كما ظهر كلب الخفافيش في الآونة الأخيرة، كخطر صحي عمومي في أستراليا وأمريكا اللاتينية وأوروبا الغربية. على أن عدد وفيات البشر بسبب داء كلب الخفافيش في هذه الأقاليم يظل ضئيلا مقارنة بمن يلقوا مصرعهم عقب تعرضهم لعضة كلب.
ومن النادر جدا حدوث وفيات في صفوف البشر بسبب داء الكلب جراء التعرض لعضات الثعالب وحيوانات الراكون والظربان الأمريكي وابن آوى والنمس، وغير ذلك من أنواع الحيوانات البرية.
ويبدأ ظهور أعراض السعار، بعد فترة حضانة المرض التي تتراوح بين عدة أيام إلى عدة أسابيع أو عدة شهور وقد تصل إلى عدة سنوات، ويعتمد ذلك على موقع العضة وبعدها عن الرأس، وعلى كثرة الأعصاب بمنطقة العضة، وكمية الفيروسات التي وصلت الجرح.
ومن أهم الأعراض تغير سلوك وتصرف الحيوان المريض. ويوجد مظهران للسعار (السعار الهائج والسعار الصامت) وكلاهما ينتهي بالشلل والموت.
وتبدأ الأعراض بالشعور بألم في منطقة العضة، كثرة التبول، مع عدم القدرة على البلع وهو ما يسمى (الخوف من الماء) وذلك بسبب شلل عضلات البلع؛ وظهور لعاب كثيف وغزير؛ زيادة الدموع؛ عدم التوازن.
وفي السعار الصامت، ينزوي الحيوان المريض في مكان هادئ مظلم، مع سيولة اللعاب، لكنه يعض كل من يقترب منه، ثم يصاب بالشلل، ويبدأ الشلل بالعضلات انطلاقا من موضع العضة أو الخدش وتتطور الأعراض ببطء حتى الموت.
ومع غياب حالة الهياج قد يلتبس تشخيص مسبب الشلل مما يؤدي إلى عدم الإبلاغ عن المرض، وهذا النوع يسبب 30% من الإصابات البشرية.
أما في السعار الهائج فيلاحظ على الحيوان التهيج والإثارة ومهاجمة كل شيء مع عض أي مواد غير معتادة كالحديد أو الخشب أو الزجاج أو الأحجار، مما يؤدي إلى جروح بالفم وتكسر الأسنان.
ويتخلى الكلب أو الثعلب المصاب بالسعار (وكذلك كل الحيوانات البرية) عن الحرص المعروف عن الحيوانات البرية ويقترب من البشر ويدخل البيوت ويهاجم الحيوانات والطيور؛ أما في حالة الخيول فتعض نفسها وتصاب بالمغص وعدم التوازن؛ أما الأبقار فتصدر صوتا عاليا، وكذلك الجمال مع ارتعاش العضلات والهياج.
ومن أكثر الفئات عرضة للإصابة: العاملون بالعيادات البيطرية لأنهم يتعاملون مع الحيوان المسعور، ويأخذون منه عينات للفحص المختبري، كما يقومون بتحصين باقي الحيوانات المخالطة للحيوان المريض، وربما يكون بعض هذه الحيوانات في مرحلة الحضانة للمرض، وهناك أيضا العاملون بالمختبرات من أطباء بيطريين أو أخصائيين ومساعديهم؛ وكذلك الأطفال الذين يلعبون مع القطط والكلاب؛ ومربو الثروة الحيوانية الذين يجهلون أعراض المرض ويحاولون فتح فم الحيوان عندما يسيل اللعاب بحثا عن شيء في فمه يعوق البلع.
ولا توجد أي اختبارات لتشخيص عدوى الإنسان بـ"داء الكلب" قبل ظهور أعراضه المرضية عليه، ويتم تشخيص مرض السعار من خلال الأعراض المرضية السابق ذكرها، ولكن يجب الانتباه للتشخيص التفريقي مع بعض الأمراض التي تسبب أعراضا عصبية أو الشلل؛ وكذلك الفحص المختبري المعروف وهو فحص أنسجة المخ بعد الوفاة؛ التشخيص بفحص بصمة العين في الحيوان الحي، حيث يتم أخذ مسحة شريحية من القرنية.
ويموت حوالي 60 ألف شخص كل عام على مستوي العالم جراء مرض السعار، منهم 10 إلي 40% من الأطفال دون سن 15 سنة بسبب لعبهم مع القطط والكلاب، وما يقدر بنحو 160 شخصا يموتون يوميا بسبب هذا المرض، والأغلبية العظمى من هؤلاء في آسيا التي تمثل 60% من الوفيات بينما سجلت أفريقيا 36%.
ويتلقى كل عام أكثر من 10 ملايين إنسان على مستوى العالم العلاج الوقائي نتيجة لتعرضهم لحيوانات يشتبه في إصابتها بالسعار، ويتم إنفاق حوالي 560 مليون دولار عالميا للوقاية من المرض.
والجدير بالذكر أن تكلفة المعالجة الوقائية التي تعقب التعرض لحيوان مشتبه في إصابته بالمرض تناهز 40 دولارا أمريكيا في أفريقيا و49 دولارا في آسيا، حيث يتراوح معدل الأجور بين دولار أمريكي واحد ودولارين للفرد الواحد في اليوم.
وقد تصدرت الهند دول العالم من حيث الوفيات البشرية جراء داء الكلب، إذ سجلت بمفردها 35% من الوفيات البشرية بسبب المرض، وتمكنت معظم الدول المتقدمة من بينها بريطانيا من القضاء على هذا المرض في الكلاب لديها.
وأظهرت الدراسة التي أجراها التحالف العالمي للسيطرة على "داء الكلب" أن هذا المرض يكلف العالم 8.6 مليار دولار أمريكي بسبب حالات الوفاة المبكرة وفقدان الدخل لضحايا عضات الكلاب والإنفاق على اللقاحات البشرية.
وأشار الباحثون إلى أن داء الكلب قاتل بنسبة 100% تقريبا، لكن يمكن الوقاية منه بنسبة 100% أيضا وأن أفضل وسيلة من حيث التكلفة لمنع انتشاره هى تطعيم الكلاب، وتوفير اللقاحات البشرية المضادة للمرض.
ولفت الباحثون إلى أن تطهير الجروح فوريا وإعطاء التطعيمات اللازمة في غضون الساعات القليلة الأولى التي تعقب مخالطة حيوان يشتبه في إصابته بداء الكلب، من الأمور الكفيلة بالحيلولة دون الإصابة بالمرض وحدوث الوفاة.
ويقول الدكتور برنارد فيليت، المدير العام للمنظمة العالمية للصحة الحيوانية، إن تحصين 70% من الكلاب في المناطق الموبوءة بداء الكلب كاف للقضاء على هذا المرض في العالم أجمع بكلفة أقل بكثير من عمليات العلاج بعد العقر.
وقد تم القضاء على داء الكلب في كثير من بلدان أمريكا اللاتينية، بما في ذلك تشيلي، كوستاريكا، وبنما، وأوروغواي، ومعظم الأرجنتين وفي مدن ساو باولو وريو دي جانيرو في البرازيل، وأجزاء كبيرة من المكسيك وبيرو. كما شرعت العديد من البلدان في إقليم جنوب شرق آسيا في حملات القضاء تمشيا مع الهدف المتمثل في القضاء الإقليمي من خلال إطلاق 2020.