المعادلة في هذه المرحلة أكدت في استطلاعات الرأي العام على فوز بايدن بالتصويت الشعبي، وبفارق يتراوح بين 3% و8%.
لا يوجد في انتخابات العالم مثل الانتخابات الرئاسية الأمريكية رغم وجود انتخابات أخرى في دول "ديمقراطية" أخرى حتى قبل الأزمات الراهنة التي تمر بها المجتمعات الديمقراطية بشكل عام.
الاهتمام العالمي الكبير بهذه الانتخابات لا يعود فقط لأهمية الولايات المتحدة في النظام الدولي والعالمي؛ وهناك فارق بينهما، في الأول تكون توازنات القوى بين الدولة الأمريكية والدول الأخرى، أما في الثاني فيقاس فيها درجة الاختراق الأمريكي للعالم بالاقتصاد والعملة والتجارة والقوة الناعمة بشكل عام.
ولكن الاهتمام يعود أكثر من ذلك إلى العملية الانتخابية نفسها التي تتميز بدرجة كبيرة من الإثارة والدراما أحيانا كما جرى عندما تم اغتيال روبرت كنيدي المرشح الديمقراطي أثناء الحملة الانتخابية ومن ثم جرت إزاحة "كنيدي آخر" من أمام ريتشارد نيكسون الجمهوري.
انتهت أسطورة عائلة كنيدي في لحظة جنون وبدأ باب كبير من رئاسات الفترة الواحدة، فبعد اغتيال جون كنيدي وهو يشترك في الانتخابات التمهيدية الحزبية قرر الرئيس ليندون جونسون ألا يشترك في الانتخابات الخاصة بفترة رئاسية ثانية؛ وعندما قرر نيكسون الدخول في انتخابات الفترة الثانية فإنه أجبر على الاستقالة في منتصفها بسبب فضيحة وترجيت؛ ولم يكن أمام الرئيس جيرالد فورد إلا أن يكون رئيسا لعامين فقط؛ أما جيمي كارتر فلم يقض في الرئاسة إلا فترة واحدة بسبب ما عرف بأزمة الرهائن الأمريكيين في إيران.
دونالد ريجان كان أول من استعاد فترتين رئاسيتين في البيت الأبيض رغم أنه بدأ يعاني من مرض الزهايمر في النصف الثاني من فترته الثانية. وعلى أية حال لم يتمكن نائبه لثمانية سنوات جورج هربرت بوش من البقاء في السلطة أكثر من فترة واحدة؛ وبدأ بيل كلينتون مسيرة السنوات الثمانية التي تحققت مع جورج دبليو بوش، وباراك أوباما، السؤال الآن هو: هل يستمر دونالد ترامب في البيت الأبيض لفترة ثانية أم أنه سوف يبدأ سلسلة أخرى من رؤساء الفترة الواحدة؟
انتظام الانتخابات الرئاسية الأمريكية وتواترها جعلها مثيرة بفعل أولا طول مدتها فعادة ما تبدأ المعركة الانتخابية في العام الثالث من رئاسة الرئيس من خلال ما بات يعرف بالانتخابات التمهيدية للحزبين الديمقراطي والجمهوري.
السباق إلى البيت الأبيض الآن يبدو فريدا من نوعه وله خصائص تاريخية مميزة ليس لأن ترامب لم يواجه منافسة جمهورية فبات المرشح الوحيد للحزب الجمهوري منذ وقت مبكر. وحتى جو بايدن نائب الرئيس الأسبق أثناء إدارة باراك أوباما فإنه لم يتعرض لاختبار صعب.
وبعد أن دخلت "المناظرات التلفزيونية" إلى العملية الانتخابية مع منافسة السيناتور جون كنيدي ونائب الرئيس ريتشارد نيكسون فإنها باتت جزءا هاما من إيقاع سريع ومثير يتوالى فيه سقوط المرشحين حتى يبقى مرشحين فقط للحزبين الرئيسيين تكون بينهما عدة مناظرات –حسب الاتفاق بينهما- وبعد ذلك يأتي اليوم الموعود في الثلاثاء الأول من شهر نوفمبر ليتقرر الرئيس الذي سوف يدخل البيت الأبيض. الفكرة الأصلية في كل ذلك أن المرشح للرئاسة تختبر قدراته السياسية ويعرف جمهور المصوتين أفكاره وبرامجه وما سوف يسعى إليه في مقعد القيادة. ولكن ما بدا كنوع من الفائدة للخيار الديمقراطي فإنه سرعان ما انتابته أمراض "صناعة الرئيس" من قبل جماعات متخصصة في "التسويق" السياسي التي تنفق أموالا طائلة للإعلانات وما شابهها من أساليب.
وفي وقت من الأوقات كانت الصحافة الأمريكية في مقدمة صناعة الرئيس (نيويورك تايمز وواشنطن بوست وبوسطن جلوب وشيكاغو تريبيون ولوس أنجلوس تايمز)، فإن التلفزيون بات هو النافذة التي تنقل المناظرات وتمتحن المرشحين في صالات خاصة ومقابلات منفردة (شبكات سي بي إس، وإيه بي سي، وإن بي سي، وسي إن إن وفوكس). ولكن العقدين الأخيرين شهدا مولد الإعلام الإلكتروني، ويحسب للرئيس أوباما أن فوزه كان أول العلامات الفارقة في هذا النوع من الفنون الصحفية.
دونالد ترامب أخذ هذا الفن من خلال تغريدات "التويتر" إلى قمم جديدة أتاحت له الفوز أمام هيلاري كلينتون، السياسية المخضرمة وطويلة التجربة السياسية كسيدة أولى وسيناتور ووزيرة خارجية.
السباق إلى البيت الأبيض الآن يبدو فريدا من نوعه وله خصائص تاريخية مميزة ليس لأن ترامب لم يواجه منافسة جمهورية فبات المرشح الوحيد للحزب الجمهوري منذ وقت مبكر.
وحتى جو بايدن نائب الرئيس الأسبق أثناء إدارة باراك أوباما فإنه لم يتعرض لاختبار صعب، فبعد تعثر قصير دانت له الانتخابات التمهيدية في وقت مبكر، وانسحب المنافسون الديمقراطيون الواحد بعد الآخر، وبقي الرجل منفردا في المقدمة. الأصل في مثل هذه الحالة أن ساكن البيت الأبيض يكون في وضع صعب لأنه سيكون الطرف المسؤول عن الدولة الأمريكية، وعليه أن يدافع عن سجله خلال السنوات الماضية.
ومن سوء حظ الرئيس ترامب أنه يدخل إلى صيف ما قبل الانتخابات والولايات المتحدة تعيش فترة عصيبة بسبب أزمة كورونا التي تجاوزت فيها الإصابات حتى الآن المليون وربع المليون، والوفيات باتت تقترب من 100 ألف، أما عدد العاطلين فتجاوز 15% من القوة العاملة الأمريكية، وهؤلاء الذين يطالبون بإعانات البطالة فقد بلغوا 33 مليونا.
وفي مقال سابق في "العين الإخبارية" الغراء تحدثنا عن "الشروخ" في الدولة العظمى الأمريكية. ولكن مثل ذلك لن يكون حاكما بالضرورة في السباق نحو البيت الأبيض لأن الولايات المتحدة لا تزال تعيش فترة ما تعتبره ظروفا "استثنائية" مر بها العالم، وربما لم تكن المسؤولية فيها تقع على رئيس الدولة الأمريكية.
الأمر أعمق من ذلك بالطبع، ولكن ما يحكم السباق إلى البيت ليس بالضرورة توصيف الحالة الأمريكية، خاصة أن المنافس "جو بايدن" له تاريخه وسجله هو الآخر، وربما لا يقل أهمية عن السجل شخصية الرجل نفسه الذي رغم أنه كان عضوا مرموقا في مجلس الشيوخ إلا أنه فشل في كل محاولاته السابقة للفوز بترشيح حزبه للانتخابات الرئاسية. السباق الشخصي بين ترامب وبايدن يعطي للأول تفوقا ملحوظا في القدرة على جذب الولاء التصويتي الذي حافظ دوما على ولاء 42% من الناخبين مهما كانت أخطاء وفضائح مرشحهم المفضل.
ترامب جذب أجهزة الإعلام حتى وهي تعاديه وتنتقد سياساته الخارجية والداخلية، وأكثر من ذلك يخوض أمامها حربا مباشرة يضعها في مكانة "أعداء" الدولة، في سابقة غير مسبوقة في التاريخ الأمريكي رغم مرارة الكثيرين من أدوات الإعلام المختلفة. الرجل لديه مهارة فائقة في استخدام ليس فقط "التويتر" على مدار الساعة، وإنما في تحويل وتحوير المواقف السياسية لصالحه. وعلى مدى الثلاث سنوات السابقة نجح في أن يرسخ في ذهن الأمريكيين أنه قادر على تحقيق معجزة اقتصادية حتى ولو قامت على كتف الإنجاز الذي حققه باراك أوباما في الخروج من الأزمة المالية للعام 2008.
وثانيا أنه شخصيا هو الذي يقف بينهم والغزو الخارجي من قبل المهاجرين واللاجئين. وثالثا أنه شخصيا يقف بينهم وبين محاولات العالم المختلفة، بما فيها حلفاء أمريكا، لاستغلال الولايات المتحدة وقدراتها العسكرية والاقتصادية من خلال اتفاقيات غير متكافئة.
"جو بايدن" ليس لديه الكثير في هذا المجال إلا أن قطاعا واسعا من الشعب الأمريكي بات تواقا إلى الاستقرار والخروج من الأزمة الراهنة خروجا حقيقيا، وأكثر من ذلك العودة إلى ما اعتادت عليه الولايات المتحدة من مكانة وقيادة وعلاقات وثيقة مع حلفاء الولايات المتحدة التقليديين.
المعادلة في هذه المرحلة أكدت في استطلاعات الرأي العام على فوز بايدن بالتصويت الشعبي، وبفارق يتراوح بين 3% و8%، ولكن النسبة بعد ذلك تهبط إلى أقل من ذلك وداخل احتمالات الخطأ فيما يسمي بالولايات المرجحة وهي ميتشجان وبنسلفانيا وأوهايو وفلوريدا ووسكنسن. هذه الولايات أعطت أغلبيتها لترامب في الانتخابات الماضية وبفارق ضئيل؛ فهل يتكرر ذلك مرة أخرى رغم النتائج غير المرضية لأزمة كورونا؟ لا يزال في الزمن وقت للانتظار والمتابعة!
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة