سنوات لم تحمل الخير أبدا بل كل الشر الذي حاكته حماس لفلسطين وأبنائها.
واسطة ومحسوبية وتلاعب بالقوائم والكشوفات.. رشاوى بآلاف الدولارات، واعتداء وإهانة لكرامة البشر والأمهات..
مفردات تطول ولا تنتهي في تعداد مآسي معبر رفح أو ما يصلح تسميته بـ"معبر العذاب"، كتبتها مليشيات حمساوية، تاريخها الدموي والانقلابي مشهود له في قطاع يئن تحت سطوتها وإرهابها منذ أكثر من 10 سنوات.
معبرٌ سيبقى شاهدا أبد الدهر على معاناة شعب أعزل، وإرهاب حركةٍ لم تتعلم أبجديات الإنسانية ولا الكرامة ولا مفردات الوطن، بل تفننت في وأد أحلام فقراء غزة، وارتوت على مدار عقود كل أنواع الترهيب والتخويف والتنكيل والتعذيب والتلفيق.
ممارسات وفظاعات لا يكفي جردها في كلمات بل في مجلدات، وحتى هذه المجلدات قد تضيق بمذكرات ويوميات بطعم الحنظل، صنعتها حماس الإرهابية بحق شعب محاصر.
مسلسل عذاب المعبر الذي أنتجته حركة حماس ومليشياتها منذ انقلابها على مؤسسات السلطة الفلسطينية في قطاع غزة منتصف عام 2007 يبدأ بـ"برومو" الإعلان عن فتح المعبر، الذي عادة ما يكون من طرف الجانب المصري.
إعلانٌ ترويجي يُسدل إثره الستار على أوّل مشهد تجسّده حالة ترقب وحيرة وخوف تنتاب المسافرين الذين كانت أروقة مبنى "أبوخضرة" الحكومي قد عجّت بأقدامهم قبل الموعد بأشهر، من أجل التسجيل في كشوفات السفر، والحصول على أرقامهم التي يطول انتظارها.
وفي خضم هذا المشهد تكون ماكينات حماس البشرية قد تأهبت لاستنزاف جيب المريض والتاجر والطالب والسائح والمغترب، ليبدأ مزاد أو بورصة السفر، حيث يتراوح سعر التنسيق للفرد الواحد ما بين 1500 إلى 3000 آلاف دولار، على الرغم من أن كلفة السفر الحقيقية لا تتجاوز 80 شيقلا لشيك العبور من الصالة الفلسطينية (حوالي 25 دولارا).
الفصل الثاني للمسلسل يبدأ من أمام صالة أبويوسف النجار في خانيونس، المدينة القريبة من المعبر.
صالةٌ أشبه بقبر للبشر الأحياء في مثل هذه الظروف، حيث آلاف المواطنين أطفالا ونساء وشبابا وشيوخا ممن تدفقوا، بل قضوا سواد الليل أمام البوابة، أملا لمن لا يجد له مكانا، في متسع للوقوف ساعات بانتظار مصيره المجهول.
تدق الساعة التاسعة صباحا بتوقيت غزة المحاصرة فتبدأ الجموع الغفيرة أمام صالة أبويوسف النجار بالتدافع، والعربات بالتسابق، والأقدام بالتزاحم، والحقائب بالتناثر.. يأتي المنادي ينادي على من اتبع خطى حركته أكثر ودفع دولارات أعلى، فتجد العيون تترقب، والقلوب تخفق، والدموع تنهمر مع كل اسم يُنطَق.
يصعد من حالفه الحظ إلى الحافلات الرابضة بالخارج، يسير الباص في شوارع تآكل معظمها.. وسجالات المسافرين بالداخل سيلٌ لا يتوقف، هذا يشكو وذاك يتذمر، وهنا من يبكي وداع الأحبة وهناك من يلعن المكان والزمان، وثالث يرفع عينيه إلى السماء طلبا لرحمة العلي العظيم.
تصل الحافلات بوابة المعبر، وتنتظر داخل مكان محاط بالأسوار، إلى أن يأتي دورها للتوجه إلى صالة المغادرة في الجانب الفلسطيني، وهناك تُمارَس العنجهية في لعب دور الضابط والمحقق من قبل مليشيات حماس، فتبدأ باستجواب من يروق لها من خصومها في القطاع الذي ما زال يرزح تحت احتلال الحركة منذ سنوات.
سنوات لم يختبر فيها الشعب الفلسطيني في غزة سوى مذاق الذل والحصار الذي جنته حماس بأيديها.
سنوات لم تحمل الخير أبدا بل كل الشر الذي حاكته حماس لفلسطين وألبسته لأبنائها.
سنوات لم تأتِ إلا بالدم الذي أسالته آلة الحرب الإسرائيلية في صراع وظفته حماس لأجندات شخصية وخارجية أقرب لإيران وأخواتها.
سنوات لم تفلح في كسر الحصار المطبَق برا وجوا وبحرا على 360 كلم مربع يعيش فيه أكثر من مليوني فلسطيني.
سنوات لم تداوِ جروح المصابين الذين سقطوا يوم انقلبت حماس على مؤسسات السلطة عام 2007.
سنوات لم تُهدّئ من روع الأطفال الذين فقدوا آباءهم تحت ناظريهم، أو أزهقت أرواحهم فداء لأطماع المليشيا، أو باتوا في المنطقة الوسطى بين الحياة والموت.
سنوات لم تُسكت آهات الأمهات الثكلى، ولم تُعد إليهن أملا ودّعْنَه للأبد، ودفنّه إلى جانب فلذات أكبادهن ممن قدمتهم حماس قربانا لأطماعها وأجنداتها.
سنوات لم تُطعم الرافض لحكم حماس، ولم تعد من غيبتهم من معارضيها في حركة فتح، ومن وأدته في سبيل إحياء مخططاتها.
سنوات أعادت غزة إلى عصور التخلف، عبر سياسات لم يعهدها أهل القطاع من قبل، ولم تألفها أجياله المتعاقبة عبر السنين.
سنوات قتلت روح التعليم حين أقصت الجيل الأول من المعلمين واستبدلته بآخرين على المقاس، خاضعين لإملاءات المليشيا ودروسها المدونة بأحرف من دم.. دروس جلبت العار لسكان القطاع الأبي.
سنوات قضت على أحلام آلاف الشباب، خاصة الخريجين منهم أو من ولاؤه لغير حماس..
سنوات قضت على المساحة البيضاء في أحلام السكان، لتسلط عليها هالة قاتمة حالكة حوّلت شمس النهار إلى ستار دائم من الظلام.
سنوات تتالى محمّلة بندوب تتجدد كلما غرست فيها حماس سكينها من جديد، لتذكر القطاع بأن ليله لن ينجلي وأن شمسه لن تبزغ.
ممارسات وفظاعات لا يكفي جردها في كلمات بل في مجلدات، وحتى هذه المجلدات قد تضيق بمذكرات ويوميات بطعم الحنظل، صنعتها حماس الإرهابية بحق شعب محاصر.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة