"البوقالة" في الجزائر.. سهرات رمضانية للنساء فقط
طقوس وعادات وتقاليد فريدة يتميز بها الشعب الجزائري في شهر رمضان، وتختلف من منطقة لأخرى.
والعاصمة الجزائرية واحدة من مدن هذا البلد العربي التي ما زالت تحتفظ بموروث ثقافي وشعبي يميزها عن بقية مناطق الجزائر خلال شهر رمضان المبارك، يعود تاريخها إلى مئات السنين.
- رمضان في الجزائر.. عادات وطقوس من وحي تراث وهوية
- جزائريون يستقبلون رمضان بـ"التشعبينة".. ما علاقتها بعادات قريش؟
ومن أبرز العادات المتجذرة عن أهل العاصمة الجزائرية "البوقالة"، ويرتبط اسمها مباشرة بشهر رمضان، وبقيت عادة قائمة في عدد من أحياء العاصمة خصوصاً القديمة منها مثل حي القصبة العتيق وباب الوادي وبلكور.
معنى البوقالة
"البوقالة" كلمة أصلها من الأمازيغية، وتسمى أيضا "بوقال"، وهو إناء مصنوع من الفخار يستعمل لشرب الماء أو الحليب.
أما "البوقالة"، فهي "لعبة نسوية بامتياز"، لكنها ليست للتسلية فقط، بل كما تقول نساء العاصمة الجزائرية لعبة "فتح الفأل" أو ما "يشبه قراءة المستقبل" بحسب ما يراه البعض.
ولم تتوصل الأبحاث التاريخية بعد إلى جذور هذه اللعبة التقليدية، أو أول من قالها، وبقي الأمر مجهولاً إلى يومنا هذا.
وفيما يتعلق بمضمون اللعبة التراثية، فهي تدور حول الحب العفيف والحزن وفراق الأحباب، والأمل في عودتهم من خلال أبيات شعرية أو خواطر، تكون أقرب منها للأمنيات والأمل والأحلام التي لم تتحقق.
ومن أساسيات "البوقالة" الجزائرية أيضا، أنه لا يمكن الاسترسال في الأبيات الشعرية أو الخواطر إلا بعد البدء بالصلاة على الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، وتقول فيها: "باسم الله بديت (بدأت)، وعلى النبي صليت، وعلى الصحابة رضيت، وعيّطت يا خالقي (وصرخت داعية يا خالقي)، يا مغيث كل مغيث، يا رب السماء العالي".
تعتبرها نساء العاصمة الجزائرية خاصة العازبات منهن "زينة القعدة الرمضانية" أو التي تعني "السهرة الرمضانية"، تقول بعض المصادر التاريخية إن أصلها من "موشحات أندلسية"، قبل أن تتطور إلى أشعار وخواطر شفهية ثم تحولت إلى مكتوبة.
فهي منذ مئات السنين عادة تختص بها العاصمة الجزائر عن بقية مدن البلاد، إذ تتأهب النساء كل سهرة رمضانية بتحضير صينية من القهوة والشاي والحلويات التقليدية مثل "قلب اللوز" و"الزلابية" وغيرها.
يكون ذلك الإناء الفخاري المعروف باسم "البوقالة" سيد الجلسة، حيث يتم ملؤه بقليل من الماء، مع "كانون" أو "موقد" مخصص للبخور الذي يسمى في الجزائر "الجاوي والعنبر" وغيرهما.
وخلال ذلك، تحضر النسوة مقاطع شعرية خاصة وهو ما يسمى "عقدة النساء"، وهي المقاطع التي تسمى أيضا بـ"الفال" أو "الفأل" في أجواء حميمية.
ويعني ذلك أن تعقد المرأة النية في قلبها عبر التفكير في شخص ما في حياتها، سواء كان زوجاً مستقبلياً أو زوجاً أو ابناً أو أباً أو أخاً بعيدا، أو حتى أماً، ويمتد ذلك حتى إلى "الأعداء والخصوم".
وتحاول كل واحدة منهن إسقاط معاني تلك الأبيات الشعرية الموجهة لها على شأن وحال اسم الشخص الذي نوته، مع أمل أن يتحقق رجائها.
ومن قواعد هذه اللعبة التراثية (البوقالة) أن لا يتحقق مراد أو أمنية المرأة أو الفتاة من الأبيات الشعرية إلا بعد "إمساكها بجزء من خمارها أو تنورتها أو أي قطعة قماش تكون أمامها، وتصنع منها عقدة صغيرة مرة واحدة، ثم تقوم بالنفخ فيها بعد الاستماع إلى البوقالة"، ولها الحق أيضا أن تكشف عن اسم الشخص الذي أسقطت عليه تلك الأبيات الشعرية التي تسمى "الفال".
عادة تراثية قديمة
وبأحد المنازل التقليدية القديمة بحي القصبة العتيق، التقت "العين الإخبارية" ياسمين وهي مرشدة سياحية، كانت مشرفة أيضا على "البوقالة" مع بعض نساء وفتيات قدمن من العاصمة ومدن جزائرية أخرى.
ياسمين ذكرت لـ"العين الإخبارية" أن "البوقالة" واحدة من العادات القديمة المعروفة في الجزائر العاصمة.
أما عن توقيتها أو أسبابها، فقد ذكرت بأنها تكون في مناسبات مختلفة وتحديدا في "مجمع نسائي" مثل الأعراس، وهناك يقومون بـ"الفأل" أو "ينوون"، والمرأة عندما تبدأ البوقالة تقول "أعقد وأنوي" و"باسم الله بديب (بدأت) وعلى النبي صليت وعلى هذه البوقالة نويت".
وأضافت "وكل واحدة تعقد أو تنوي البوقالة على شخص معين أو على نفسها، ويتم قراءة تلك البوقالة بطابع عاصمي (بلهجة سكان العاصمة) وتكون بحسب نيتها، وكثيرون يقولون تصدق البوقالة على حسب النوايا".
أما من يكتب تلك الكلمات على الأوراق فقد أوضحت أن من يتكفل بذلك هن النساء الكبيرات في السن أو المختصين في ذلك ممكن يملكون القدرة على كتابتها وفق الجلسة التي يكونون فيها، وهي عبارة عن خواطر وليست مسجلة أو مكتوبة".
وعن طبيعة الخط العربي الذي تكتب بها البوقالات، كشفت المرشدة السياحية عن أنه لم يكن يشترط أي نوع من الخط، "لكن في الفترة الأخيرة أصبحت كتابتها بالخط الكوفي حتى يعطونها طابعاً خاصاً، لكن في القدم لم تكن تُكتب تلك البوقالات، بل في اللحظة ذاتها تخطر على بال كل واحدة كلمات عفوية تلقيها على الحاضرات".