موشحات اليمن في رمضان.. ابتهالات تنشر المحبة
في أعالي الجبال يبتهل يمنيون بالموشحات الصوفية في مدح الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، وتعظيم شهر رمضان المبارك بصوت عتيق ولحن شجي على وقع الدفوف.
وتعد الموشحات الصوفية أحد مظاهر الاحتفاء بشهر رمضان في اليمن، والتي تقام في دواوين عامة والمساجد، حيث يردد الحاضرون عدة أناشيد دينية بألحان تنشر المحبة والعشق الإلهي ومدح الرسول أو الوحدانية والملكوت.
وتشتهر محافظة تعز(جنوب)، بإقامة مثل هذه التواشيح الصوفية في مناطق كثيرة ريفا ومدينة، لعل أبرزها "جبل صبر" و"الجند"، و"الحجرية" وجامع "أحمد بن علوان" في جبل حبشي، أحد أهم معاقل الصوفية باليمن.
والشيخ أحمد بن علوان، إمام الصوفية في عصر الدولة الرسولية في اليمن واشتهر بحب الوعظ، وعلت شهرته الدينية بداية القرن السادس والقرن السابع الهجري.
وانتشرت الموشحات مع ازدهار الحركة الصوفية باليمن في القرن السابع والثامن من الهجرة النبوية لاعتماده في السماع الصوفي وخروجه من المساجد إلى عامة المناسبات المجتمعية والدينية بما فيه الموالد والأذكار والمدائح النبوية، وذلك في مدينة زبيد التاريخية على يد الصوفي الكبير إسماعيل الجبرتي (توفي 806 هـ).
وطار الموشح والإنشاد الديني من زبيد غربا إلى عدن جنوبا أبان الدولة الطاهرية (923 هـ) ليصعد إلى أعالي جبال تعز وصنعاء في القرن العاشر الهجري، فيما عرفت حضرموت هذه الموشحات في القرن الحادي عشر.
وفي القرن العاشر الهجري انتشرت الموشحات في معظم مناطق اليمن، منها "الموشح الحميني" مع "الإنشاد والشعر الحميني"، وقد استخدم الصوفيون في محور "السمَّاع" آلات موسيقية مع الغناء مثل الطار والدف والطبول وغيرها، وفق كتاب "الموشح-الشعر الحميني والإنشاد"، لصاحبه عبدالله العُمري.
ويعرف شاعر اليمن الكبير الدكتور عبدالعزيز المقالح الموشح الصوفي أنه قصيدة متعددة القوافي والأوزان.
غذاء روحي في رمضان
لم يعد يقتصر إقامة هذا الموشحات على محافظة يمنية معينة، لكنها تركزت مؤخرا بمدينة تريم في محافظة حضرموت، حيث أهم مدارس الصوفية التي تعد واجهة لآلاف الطلاب من أتباع الصوفية من اليمن وخارجه.
وتوفر هذه الابتهالات الدينية التي تقام طيلة أيام الشهر الكريم، جانبا روحيا للصائمين، كما أنها تعد أحد مظاهر الاحتفال بالشهر الكريم كغناء شعبي تنطوي تحته العشرات من الألوان بحسب تنوع وتعدد مناطق اليمن.
ووفقا للباحث والإعلامي اليمني صلاح الجندي لـ"العين الإخبارية": فإن الجلسات الصوفية والموشحات الدينية تبعث الأثر الروحي الجميل في النفوس وتشعر الحاضرين بروحانية رمضان
ويرى الجندي أن الأهازيج لها أثر إيجابي، وأن ترديد تلك الأناشيد الروحية تعيد البهجة إلى النفوس وتعيد التذكير بعظمة الشهر الكريم ومدح الرسول صلى الله عليه وسلم وتجدد الابتهالات لله.
ويعتقد الباحث الاجتماعي أن الطقوس الصوفية، هي طقوس بدأت نشأتها في تعز منذ قرون زمنية لتنتشر في بقية مناطق اليمن، كطقوس مجتمعية يحتفي بها كل أبناء المجتمع، تعظيما للشهر الكريم.
أشهر الموشحات الصوفية
في إحدى قرى الحجرية بتعز، يجتمع الأهالي في أحد دواوين المنطقة مرددين مع قرع الدفوف "رحبو يا صائمين.. شهر رب العالمين.. أعاده الله علينا وعليكم أجمعينا، يا تواب توب علينا.. وارحمنا وانظر إلينا".
وهذه الأبيات الإنشادية مقتطفات من قصائد صوفية كـ"الوترية" و"التحميدة" و"الجلالة"، ذات النظم الخماسي، أي خماسية الأبيات، حيث يقرأها أحد المنشدين ويردد بعده الحاضرين، احتفاء بشهر الصوم خلال جلسات "السمر" في ليال رمضان.
وللذكر المسموع الحسن الجميل، الكثير من القصائد الصوفية أشهرها شعبيا، كما يقول الأهالي في الحجرية تواشيح مطلعها "ربي صلي على النبي الأجلا.. من رقى للعلا فتدلى.. ربي صلي على النبي التهامي.. صاحب الحوض واللواء والمقامي"، ومنها أيضا، "مولاي صلي وسلم دائما أبدا.. على حبيبك خير الخلق كلهم".
وبحسب الجندي لـ"العين الإخبارية"، فإن القصائد التوشيحية في حضرموت (شرق) تتشابه مع تلك الموجودة في تعز (جنوب)، من حيث الأبيات، لكنها تختلف بالسياق واللحن الإنشادي.
وأشار إلى أن الموالد والتواشيح الصوفية المهمة، تقام بشكل أساسي يوم الخميس من كل أسبوع، حيث تُقرأ على الحاضرين سيرة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم مع ترديد تلك القصائد بنظم أحد العلماء، ممن يجيدون ترديدها، وفق سياق إنشادي جميل.
ومن الموالد المشهور إقامتها في اليمن، مولد الحبيب عمرو، والحبيب أبوبكر المشهور، والإمام الديبعي، في حضرموت ضمن رصيد ضخم تراكب في الموروث الفني الصوفي واليمن خاصة.
ويرجع كثير من الباحثين اليمنيين المتخصصين، جذور الموشحات الأندلسية المعروفة إلى الشعر الحميني الصوفي الذي نشأ في اليمن وأن أول من قال الموشح الشعري هو "مقدم بن معافر" الذي يعود لبلدة "المعافر"، أحد مناطق الحجرية التاريخية في تعز.
aXA6IDE4LjIxOC43MS4yMSA= جزيرة ام اند امز