حدث في رمضان.. فتح أنطاكية بقيادة الظاهر بيبرس
في مثل هذا اليوم 4 رمضان من عام 666هـ تمكن الظاهر بيبرس من الانتصار على الفرنجة في أنطاكية بعد بسط سيطرته على الدولة المملوكية في مصر
في مثل هذا اليوم 4 رمضان من عام 666هـ سطر التاريخ الإسلامي موقفا عظيما لأسطورة من الأبطال وهو الملك الظاهر بيبرس، الذي تولى سلطنة المماليك سنة 658هـ، وتمكن من الانتصار على الفرنجة في أنطاكية بعد بسط سيطرته على الدولة المملوكية في مصر.
إنه الملك الذي أبدع في السلم إبداعه في الحرب، فأنشأ اتحادا بين اثنين من أعظم أقاليم الإسلام هما الشام ومصر، قامة لا نظير لها في الحكم والسياسة، لم تأته السلطة على طبق من ذهب، بل تسلم زمام الحكم والمسلمون في أشد محنهم وضعفهم، فبلغ بهم أعلى ذرى المجد والتمكين، وتغلب على أعظم عملاقين عاثا في بلاد الإسلام فسادا هما المغول والحملات الصليبية، وأبى إلا أن يسطر اسمه في صفحات التاريخ المشرقة.
وأخذ على عاتقه استرجاع البلاد الإسلامية، فقام بطرد التتار من الشام إلى العراق ليتفرغ لقتال الصليبيين، وبدأ يفتح المدن، الواحدة تلو الأخرى؛ ففتح قيسارية وأرسوف وصفد، ثم أخذ الكرك ويافا، وضرب قلعة عكا، ثم نزل على حصن الأكراد فحمل إليه أهله من الفرنج الأعطيات فأبى أن يقبلها وقال: "أنتم قتلتم جنديّا من جيشي وأريد ديته 100 ألف دينار"، وبذلك مهّد الطريق لفتح أنطاكية، واستطاع عزلها عن المدن المجاورة، وقَطَع كل الإمدادات عنها.
كانت أنطاكية من مدن الشام التي شملها الفتح الإسلامي في عهد الخلافة الراشدة أيام عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وقد فتحها المسلمون عقب معركة اليرموك بقيادة أبي عبيدة بن الجراح، وظلت بأيدي المسلمين إلى أن بدأت الحملات الصليبية 4911هـ، وبقيت في ظلال الحكم الإسلامي حتى سقطت سنة 491 للهجرة في أيدي الصليبيين، وكان الصليبيون راغبين في دخولها لبالغ أهميتها، وذلك بحكم موقعها وكونها صلة وصل بين الشام وبلاد الروم، فضلاً عن أهميتها الدينية عندهم.
أزال الصليبيون كل الآثار الإسلامية التي فيها، حتى أنهم حولوا مساجدها إلى كنائس، وكان حاكمها أشد الحكام أذى للمسلمين، حيث وجدوا منه من الأذى ما لم يجدوه من قبل، واهتموا بتحصينها غاية الاهتمام، حتى بنوا عليها سورا طوله 12 ميلا، وعلى هذا السور ما يقارب 136 برجا، وفي هذه الأبراج 24 ألف شرفة، يطوف عليها الحراس كل يوم وليلة بالتناوب، فغدت من أعظم المدن في ذلك الحين مناعة وحصانة.
ظلت أنطاكية مستعمرة نحو 170 سنة، إلى أن جاء الظاهر بيبرس، الذي تجهز لاستعادة ما سلبه الصليبيون من بلاد المسلمين، ومهد الطريق للتوجه إلى أنطاكية بأن فتح كل المدن التي في طريقه إليها، فعمل على عزلها عما جاورها من المدن وقطع عنها الإمدادات.
خرج ركن الدين بيبرس بجيشه من مصر إلى فلسطين، وكانت المعاهدة مع الحاكم الصليبي في يافا قد انتهت ولم تجدد، وظن الصليبيون أنه أمير كغيره من الأمراء الذين يتنازلون عن كل شيء في سبيل مصالحهم الشخصية، ولم يعلموا أنهم أمام عبقري من عباقرة التاريخ وقامة من القامات العسكرية التي قل لها نظير؛ ففتح يافا وتلتها طرابلس ثم توجه إلى أنطاكية.
وفي عام 666هـ خرج بيبرس من طرابلس، دون أن يخبر أحدا من قادته عن وجهته، وأوهم أنه يريد بلداً آخر غير أنطاكية، فنزل على حمص، ومنها إلى حماة، ثم إلى فامية، وكان يسير بالليل وينزل على البلاد بالنهار، حتى لا يتمكن الصليبيون من معرفة هدفه، وعمل على تقسيم جيشه إلى 3 فرق، اتجهت فرقة منها إلى ميناء السويدية لتقطع الصلة بين أنطاكية والبحر، وفرقة أخرى اتجهت إلى الشمال لسد الممرات بين قلقلية والشام، ومنع وصول الإمدادات من أرمينية الصغرى.
أما الفرقة الرئيسية التي كانت بقيادته فتوجهت مباشرة إلى أنطاكية، وضرب حولها حصارا محكما في أول رمضان سنة 666هـ.
وبعد أن فرض عليها الحصار طلب أهلُها الأمان، وأرسلوا وفدا للتفاوض معه، ولكنهم اشترطوا شروطا كثيرة رفضها بيبرس، فشدّد في حصارهم حتى فتحها، وأطلق من فيها من أسرى المسلمين، وعادت هذه المدينة إلى المسلمين بعد أن سيطر عليها الصليبيون 170 عاما.
aXA6IDMuMTM5LjcyLjE1MiA=
جزيرة ام اند امز