مؤسس "أطفال مفقودة" لـ"العين الإخبارية": أم دعت علينا بعد العثور على طفلها (حوار)
قبل أيام، انقلبت مواقع التواصل الاجتماعي رأسا على عقب، بعد نجاح إحدى الصفحات في إعادة شاب لحضن والدته بعد فراق أكثر من 43 عاما.
الشاب الأردني "وسام" الذي التقى والدته بعد أكثر من 4 عقود عاشتهم وهي تعتقد أنه توفي وقت ولادته لم يكن حالة نادرة أو وحيدة، إذ هناك أكثر من 3000 مفقود نجح مجموعة من المتطوعين في إعادتهم لذويهم خلال آخر 8 سنوات.
وهؤلاء المفقودون ليسوا من مصر وحدها بل طال الأمل دولا عربية أخرى، كما لم يقتصر الأمر على مفقودين اتخذوا من الشارع مسكنا، بل تطور لأطفال وشباب أودعوا دور رعاية لينعموا أخيرا بحضن والديهم بفضل جهود المتطوعين.
المهندس رامي الجبالي، مؤسس صفحة "أطفال مفقودة" على موقع "فيسبوك" وأحد أهم جنود هذه المعركة، تحدث لـ"العين الإخبارية" في حوار مطول عن كيف بدأ الطريق، وعدد الأطفال الذين نجحوا في إعادتهم لذويهم، وكيف يتم الأمر، وأكثر القصص المؤثرة.
وإلى نص الحوار:
كيف بدأت صفحة "أطفال مفقودة"؟
أنشأت صفحة "أطفال مفقودة" على موقع "فيسبوك" عام 2015، وكان الهدف منها آنذاك توعية الأهالي بخطورة خطف الأطفال لأن "اللي بيروح ما بيرجعش"، ولأن الموضوع كبير يؤدي إلى انهيار وتدمير الأسر.
وتدشين هذه الصفحة تزامن مع اختفاء طفل يدعى عبدالله، عندما رأيت صورته يكثر تداولها لمدة تصل إلى عام ونصف ولم يعثر عليه صُدمت، وعندما بحثت وجدت 8 حالات لأطفال آخرين مفقودين وجميعهم لم يعودوا لذويهم، لذا كانت الرسالة من الصفحة وقتها التوعية بأن "اللي بيروح مابيرجعش".
متى تغيرت رسالة الصفحة؟
بعد مرور 4 أشهر على تدشين الصفحة، أخبرني شخص بأن أحد الأطفال المفقودين الذين نشرت صورهم ينام في شارعه، وبعد تصويره وإرسال الصور لوالدته اتضح أنه طفلها المفقود، وهنا تغيرت الرسالة لأني أدركت أنه "ينفع نرجع ناس وأن الأمر مش مستحيل".
لماذا يتم خطف الأطفال؟
بعدما عاد أول طفل لوالدته بدأنا في البحث عن أسباب اختطاف الأطفال وما يترتب عليه وكيف نكافحها، ووجدنا أن الأطفال في العالم بأسره تختطف لـ5 أسباب:
- طلب الفدية.
- التبني.
- تجارة الأعضاء.
- التجارة الجنسية.
- التسول
ستجد في كل الدول سببا أو أكثر من هذه الأسباب وراء خطف الأطفال، والأمر يعتمد على مدى تطبيق كل دولة لقوانين الأطفال.
كم شخص عاد لذويه عبر مبادرتكم؟
على مدار 8 سنوات أعدنا أكثر من 3000 مفقود لأسرهم، والعائدون لذويهم ليسوا أطفالا فقط بل منهم شباب ومسنين، وإذا كنا في بداية ظهورنا نطلب إمدادنا بصور المتغيبين لنشرها ونبحث عن ذويهم لنعرف قصصهم فإنه بعد نجاحنا في إعادة مفقودين لأهاليهم، بات كل من يفقد طفلا يرسل إلينا لننشر صورته ونبحث عنه.
ثم تطور الأمر إلى تواصل أشخاص معنا بعد العثور على أطفال لم ننشر صورهم ولا نعرف عنهم شيئا، وبالتالي بدأنا نتواصل مع دور رعاية ليظل لديها الطفل حتى نعثر على أهله، وكان هذا سببا لتطور آخر في دورنا.
كيف؟
عندما ظل الطفل في دار الرعاية لفترة وبالانتقال إلى منزله بعد العثور على أهله، حكى ما تعرض له تعذيب وضرب وكل صور الانتهاك، ففتح لنا أبوابا أخرى وتطور عملنا من مساعدة أطفال مفقودة إلى مساعدة الأطفال الموجودين في دور الرعاية حال انتهاك حقوقهم بجوار دورنا في مساعدة المفقودين.
ليس هذا فقط، بل بات الأطفال الموجودون في دور الرعاية يطلبون منا نشر صورهم ليعثر عليهم ذووهم، ما دفعنا لطلب محاضر العثور على هؤلاء الأطفال ونشر صورهم على الصفحة، وبالفعل أعدنا أكثر من 250 طفلا لذويهم بعد سنين من البقاء في دور رعاية.
هل كل هؤلاء الأطفال من العاصمة أم المحافظات المصرية؟
لا، هؤلاء الأطفال من كل العالم العربي وليس مصر فقط، إذ نجحنا في إعادة أطفال من تونس والجزائر والمغرب والأردن وغيرها، وأعدنا أكثر من 30 مفقودا بعد سنوات تتخطى 44 عاما من الغياب.
ونحن فريق ضخم يضم 7 آلاف متطوع على الأرض، فضلا عن 13 شخصا يدير هذه الصفحة، كما نتلقى الدعم من وزارة الداخلية ونجدة الطفل ومكتب حماية الطفل ومكتب النائب العام وجهات سيادية أخرى.
ورغم أننا تعرضنا للتهديد كثيرا ووقعنا في مواقف عرضتنا للخطر، لكن دائما كنا نخرج منها وبقناعة تؤكد أننا نؤدي دورا مهما ونتبنى قضية "ربنا راضي عنها".
وأتمنى أن تصبح "أطفال مفقودة" كيانا موجودا في كل الدول ليس في مصر فقط، ويصبح مدعوما من الحكومات لأنه في النهاية عمل إنساني.
هل الأردني الذي عاد لوالدته مؤخرا كان الأكثر تغيبا عن ذويه؟
لا، في الأسبوع الذي عاد فيه الأردني وسام لوالدته المصرية أو تحديدا خلال 10 أيام، أعدنا 4 مفقودين اختفوا عن ذويهم منذ 21 عاما، و40 عاما، و45 عاما، بالإضافة إلى وسام (43 عاما)، والذي كان حظه جيدا إعلاميا لأن قصته تشبه قصة سيدنا يوسف التي قال الله عنها إنها "أحسن القصص".
هل تتذكر أكثر المفقودين الذين أثرت قصصهم فيك شخصيا؟
كل الحالات التي ساعدت في إعادتها لأهلها تركت في قلبي علامة، لكن أكثر القصص التي أثرت في تلك التي ندمت على إعادة المفقود لذويه، لأنني اكتشفت بعد إعادته أنه هرب بسبب التعذيب وانتهاك حقوقه، وهذا علمني الكثير وبتنا نبحث قبل إعادة أي طفل مفقود لأهله، وفي أحيان لا نعيد المفقود لذويه رغم العثور عليه بسبب اكتشاف انتهاك حقوقه أو أنه وليد "زنا محارم" مثلا وهكذا.
ومن الحالات التي أذكرها جيدا والمحفورة في وجداني كانت لأم ضاع ابنها "متأخر عقليا" وبعد العثور عليه أبلغناها بمكانه فذهبت إليه وطوال الطريق كان تدعو لنا، وعندما وصلت ووقفت أمامه وجها لوجه فرح الطفل ومن سعادته توقف قلبه وتوفي في الحال، فانقلب دعاؤها لنا إلى دعائها علينا.
وخلال مشوارنا أبلغنا مئات الأشخاص بخبر وفاة أطفالهم والعثور على جثثهم وكانت لحظة غاية في الصعوبة، وأيضا في حادثة التدافع في منى بالمملكة العربية السعودية، كنا أكبر مصدر لصور المفقودين والجثث لكل الوطن العربي والعالم الإسلامي، عبر متطوعين في السعودية كانوا يصورون الجثث والمصابين وكشوف المستشفيات.
وعلى مدار 13 يوما لم نكن نفعل شيئا سوى البحث عن الصور التي يرسلها لنا ذووهم وسط ما يرسل لنا من المتطوعين وإبلاغهم سواء توفي أو في المستشفى أو غادرها.
ما العقبات التي قابلتها في الطريق منذ تدشين الصفحة؟
القوانين العقبة الأولى لأنها تحتاج إلى تعديل، مثل قانون التسول الذي لم يعدل منذ عام 1930، ويجب تغليظ عقوبة التسول بدلا من 50 جنيها لأن وقتها كان هذا المبلغ ضخما لكن الآن بسيطا.
أيضا القوانين التي تتعلق بالاعتداء على أطفال أيتام يجب تعديلها وتغليظ العقوبة، فضلا عن إيجاد آليات لدعم الأيتام في مصر وتمييزهم لأن الفرص التي تتاح لهم أقل كثيرا من قرنائهم خارج دور الرعاية.
المشكلة الأكبر هو عدم وجود قناة شرعية تابعة للدولة مسؤولة عن قضية الأطفال المفقودين، ولا يعقل أن تكون "قاعدة البيانات" الوحيدة للمفقودين موجودة لدى أشخاص متطوعة، ويجب أن يكون هناك كيان في الدولة مسؤول عن هذه القضية.
"أطفال مفقودة" اختيرت كواحدة من أهم المبادرات العالمية؟
صحيح مرتين، الأولى في أواخر 2017 عندما اختار موقع "فيسبوك" صفحتنا "أطفال مفقودة" كواحدة من أفضل 100 مبادرة إنسانية في العالم، وتكرر هذا الأمر في 2020 باختيارنا كواحدة من 100 مبادرة أثرت في العالم واختارنا الموقع تحديدا كـ"مكتب فيسبوك لمكافحة الإتجار بالبشر".
aXA6IDE4LjExOC4wLjQ4IA== جزيرة ام اند امز