اضطراب سوق المعادن النادرة.. أمريكا تسعى لإنهاء احتكار الصين
تسعى أمريكا لإنهاء سيطرة الصين على سوق المعادن النادرة عالميا، وتعد بكين أكبر منتج للمعادن التي أصبحت لا غنى عنها في الصناعات المتقدمة.
وأصبحت المعادن النادرة مؤخرا سلاحًا اقتصاديًا قويًا، فرضت من خلالها الصين هيمنتها على الأسواق العالمية، فبينما بدأت الدول الغربية تتسابق للبحث عن مصادر بديلة لتلبية احتياجاتها ، تسعى الصين لزيادة سيطرتها على سوق المعادن النادرة، كما تتجه أستراليا لتنمية مشروعات هذا النوع من المعادن.
في المقابل تمتلك أمريكا في الشمال بين نيفادا وكاليفورنيا وعلى ارتفاع 1500 متر. "المنجم الوحيد" لاستخراج المعادن النادرة.
وتعد المعادن النادرة ضرورية في حياتنا العصرية وفي الصناعات الدقيقة.
وتعد الصين اليوم الرائدة في العالم في مجال استغلال المعادن النادرة واستحوذت على إنتاج 90 بالمئة من المنتوج العالمي، وفق تقرير لوكالة الأنباء الفرنسية.
وفي تطورات السوق، قدّم عضوان في مجلس الشيوخ الأمريكي، مشروع قانون يهدف إلى التخفيف من اعتماد الولايات المتحدة على الصين لتزويدها بالمعادن النادرة الأساسية لتصنيع التكنولوجيات المتقدّمة.
وقال السناتور الجمهوري عن ولاية أركنسا توم كوتون في بيان "إن وضع حدّ لاعتماد أمريكا على الحزب الشيوعي الصيني من أجل استخراج هذه المواد وتحويلها أمر ضروري إذا كنّا نريد الفوز بالمنافسة الاستراتيجية ضدّ الصين وحماية أمننا الوطني".
- شركة المعادن النادرة.. سلاح صيني عملاق في حرب التجارة
- المعادن النادرة.. كلمة سر تجذب الصين تجاه طالبان
ويهدف مشروع القانون إلى "حماية أمريكا من خطر اضطراب الإمدادات بالمعادن النادرة" و"تشجيع تصنيعها في الولايات المتحدة.
كما نصّ مشروع القانون على أن تخلق وزارتا الدفاع والداخلية "احتياطي استراتيجي" من المعادن النادرة بحلول 2025 يكفي لتلبية حاجات الجيش وقطاع التكنولوجيا وبنى تحتية أخرى أساسية "على مدى عام في حال تعطّلت سلسلة التوريد".
وأكّد السناتور مارك كيلي أن "مشروع القانون المنبثق عن الحزبين سيُعزّز مكانة الولايات المتحدة كرائدة تكنولوجية عالمية من خلال تقليل اعتمادنا على خصومنا مثل الصين بهدف الحصول على المعادن النادرة".
المعادن النادرة
المعادن النادرة هي مجموعة من المعادن المهمّة لتصنيع عدد من الأجهزة والهواتف الذكيّة والسيارات الكهربائية والأسلحة.
وتتحكم الصين في إنتاج معظم المواد النادرة التي تتكون من 17 عنصرا تُستخدم في أغلب الصناعات الحديثة من الهواتف الذكية إلى الطائرات المقاتلة، مما يعطيها تفوقاً في هذا المجال.
والمعادن النادرة هي مجموعة من 17 عنصرا هي لانثانوم، سيريوم، براسيوديميوم، نيوديميوم، بروميثيوم، سماريوم، يوروبيوم، جادولينيوم، تيربيوم، ديسبروسيوم، هولميوم، إربيوم، ثوليوم، إيتربيوم، لوتيتيوم، سكانديوم، وإيتريوم.
وتستخدم خصوصا في الهواتف الذكية وشاشات البلازما والمركبات الكهربائية وفي الأسلحة أيضا، والطائرات المقاتلة، والمكونات الداخلة في كافة الأجهزة الإلكترونية المتقدمة تقريباً. كما أن تلك المعادن ضرورية في العديد من تقنيات الطاقة النظيفة المتوقع ظهورها في المجال العام خلال العقد الحالي.
هيمنة صينية
بحسب تصريحات المدير الإداري لشركة استشارات المعادن Adamas Intelligence رايان كاستيلوكس لمجلة Foreign Policy الأمريكية، كانت الولايات المتحدة أكبر منتج للمعادن الأرضية النادرة حتى عام 1980. والآن، ذهب هذا اللقب إلى بكين.
أوضح كاستيلوكس: بدأت الصين التعدين على نطاقٍ واسع وبكميات كبيرة، فأغرقت الأسواق العالمية بعناصر المعادن الأرضية النادرة بسعرٍ زهيد، لدرجة أنّها أخرجت المنافسين- مثل الولايات المتحدة- من السوق بنهاية المطاف. وبذلك، تمتّعت بهذا الاحتكار لتعدين المعادن الأرضية النادرة.
تهيمن الصين على سوق العناصر الأرضية النادرة على مستوى العالم. حيث يوجد حوالي 35% من احتياطيات العناصر النادرة في الصين، وهي الأعلى في العالم، وفقاً لهيئة المسح الجيولوجي الأمريكية.
ووفقا للهيئة، فإن الصين كانت في عام 2019 مسؤولة عن 80% من واردات الأرض من المواد النادرة بإنتاج 120 ألف طن، تلتها أستراليا بنحو 20 ألف طن ثم الولايات المتحدة بنحو 15 ألف طن على الرغم من انخفاض الصادرات العام الماضي جزئيا بسبب الأزمة الصحية.
ووفقً مركز "جيوسينس أستراليا"، تمتلك الصين نصف المعادن النادرة في العالم عند 55.2 مليون طن، وتأتي أستراليا كثالث أكبر احتياطيات العالم من المعادن النادرة عند 3.19 مليون طن.
وبحسب الهيئة، تملك الصين أهمّ حقول المعادن النادرة مع احتياطي من 44 مليون طنّ من هذه المعادن.
وشكّلت كميات المعادن النادرة التي استوردتها الولايات المتحدة من الصين في العام 2019 ما نسبته 80% من إجمالي الواردات الأمريكية لهذه المواد، واستورد منها الاتحاد الأوروبي 98% من حاجاته، وفق ما جاء في تقرير للمفوضية الأوروبية الصادر في سبتمبر الماضي.
كما أن الاحتياطيات الأمريكية تتضاءل مقارنة بالصين. حيث تمتلك الولايات المتحدة إجمالي 1.4 مليون طن متري من الاحتياطيات.
وخلافا لما يوحي به اسمها، فإن المعادن النادرة وفيرة نسبيا، لكنّ خصائصها الكهرومغناطيسية وهي حيوية في القطاع، تجعل منها معادن استراتيجية، كما أنَّ استخراجها عملية صعبة وباهظة التكاليف.
وبحسب بيانات التجارة العالمية، نجحت الصين خلال الفترة من 2008 إلى 2018 في تصدير ما يقرب من 408 آلاف طن، أي ما يعادل 42% من إجمالي الصادرات العالمية، واحتلت الولايات المتحدة المركز الثاني بصادرات بلغت 9%، ثم ماليزيا والنمسا واليابان.
واستحوذت اليابان بمفردها على 36% من الصادرات الصينية من المعادن النادرة، لتحتل بذلك الوجهة الأولى للمعادن الصينية النادرة، تليها الولايات المتحدة بنحو 33%، وهولندا بنسبة 10%، وكوريا الجنوبية وإيطاليا بنحو 5% و3.5% على الترتيب.
كشفت التوقعات عن أن هذه السوق ستنمو ليصل إلى حوالي 9 مليارات دولار أمريكي بنهاية عام 2025، مقابل 5 مليارات دولار أمريكي في عام 2020.
230 ألف طن
وترى مجموعة وود ماكنزي للأبحاث واستشارات الطاقة، أن إجمالي إنتاج المعادن الأرضية النادرة في عام 2021 سيصل إلى قرابة 230 ألف طن.
ووفقًا لمدير أبحاث المواد الخام للبطاريات في مؤسسة وود ماكنزي، ديفيد مريمان، فإن الطلب على المعادن النادرة في سوق السيارات الكهربائية مال أكثر إلى استخدام المغناطيس بدلًا من السيراميك.
وقال: "بين عام 2005 ومنتصف عام 2010، حدث تغيّر جوهري في صناعة المعادن النادرة، بانتقالها من استخدام السيراميك المهيمن آنذاك إلى عناصر صغيرة عالية القيمة".
فصناعة المغناطيس تمثّل 38% من استهلاك التربة النادرة، ويعدّ أساس صناعة توربينات الرياح والسيارات الكهربائية.
ومع تسارع طلب السوق بتعافي الاقتصاد واختيار تقنيات منخفضة الكربون، ستنال المعادن النادرة شعبية كبيرة خلال العقد المقبل، وسط الاتجاه العالمي إلى التنقل المستدام والأتمتة الصناعية والإلكترونية والطاقة المتجددة.
وسيتطلب ارتفاع الطلب على المعادن الأرضية النادرة بدء تشغيل المزيد من المناجم، ومع تقدّم الشركات المدرجة في بورصة الأوراق المالية الأسترالية، مثل أرافورا، فإن أستراليا تتبوّأ مكانة مميزة تمكّنها من توفير إمدادات ثابتة من المعادن بعيدًا عن الصين.
aXA6IDE4LjExNy4xNjYuMTkzIA== جزيرة ام اند امز