15 جثة على سفوح "إيتوري".. التمرد يمزق الكونغو الديمقراطية
لم تمهلها الصدمة ورصاصة اخترقت رأسها مباشرة لتلقي بجسدها على رضيعها الذي اختنق قبل أن تقطع رصاصة ثانية أنفاسه للأبد.
على بشاعته، لا يعتبر المشهد مستجدا في إقليم إيرومو بمقاطعة "إيتوري" شمال شرقي الكونغو الديمقراطية، فلقد باتت المجازر من يوميات السكان القرويين في تلك المنطقة الحدودية مع أوغندا.
مذابح تنفذها "القوات الديمقراطية المتحالفة"، الحركة المتمردة التي نشأت شمال شرقي أوغندا في تسعينيات القرن الماضي، وتستهدف منذ عقود المدنيين وكذلك أفراد منظمة الأمم المتحدة، في شرق الكونغو الديمقراطية.
مجازر
3 قرى في إيتوري تعرضت، قبل يومين، لهجمات متزامنة من المتمردين أسفرت عن مقتل 15 مدنيا على الأقل، وتبنتها "القوات الديمقراطية المتحالفة"، الفصيل الذي أعلن مبايعته لداعش في محاولة لترسيخ أقدامه بالمنطقة الممزقة منذ نحو عقد من الزمن.
فمع بزوغ شمس الإثنين، كانت الجثث متناثرة في تلك الأكواخ الرابضة بصمت على سفوح الجبال بالإقليم المضطرب: عشرات النساء المضرجات بدمائهن ملقيات أمام أبواب كن يأملن أن تمنحهن بوابة النجاة لكنهن سقطن على أعتابها.
أغلق الرصاص والخناجر طريق الهروب أمامهن فغادرن بصمت مدو، وبينهن تظهر جثة رضيع لم يكمل عامه الثاني، ممرغة في تراب غطى ملامحها بعد أن امتزج بدمه الذي لا يزال ينزف من جنبه الأيسر.
وما بين كل ذلك، تتناثر جثث رجال يبدو أنهم حاولوا التصدي للمهاجمين، لكن عصيهم الخشبية لم تفلح في مواجهة الأعيرة النارية.
تقارير إعلامية فرنسية نقلت حيثيات الهجمات، لتظهر بشاعة ما يتعرض له شرق الكونغو الديمقراطية من مجازر باتت روتينية، حتى إن بعض شهادات القرويين قالت إن كل ليلة تمضي بسلام تعد بمثابة الهبة الإلهية بالنسبة لهم.
ورغم الجهود التي يبذلها الجيش الكونغولي للتصدي للمتمردين، إلا أن محاولته غالبا ما تبوء بالفشل، والوصول المتأخر أحد أبرز الأسباب، فالقرى الواقعة في الجبال والأدغال غالبا ما لا يكون بلوغها يسيرا خصوصا في أوقات صعبة كالتي يختارها المهاجمون.
قرى تعتبر نائية في منطقة تسمى واليس فونكوتو، تقع على بعد حوالي مائة كيلومتر إلى الغرب من عاصمة المقاطعة بونيا، وهي منطقة ثكلى تعاني من هجمات المتمردين بشكل متواتر.
وقبل أسبوعين، قُتل سبعة مدنيين في هجوم استهدف عدة قرى بالمنطقة، وتبنته "القوات الديمقراطية المتحالفة".
وقبلها بيوم، قتل 23 شخصا على الأقل في هجوم مماثل، فيما قضى 15 آخرين في هجوم على كنيسة بقرية كاسيندي في 15 يناير/ كانون ثاني الجاري.
تهديد مشترك
حين يتعلق الأمر بـ"القوات الديمقراطية المتحالفة"، ينقسم الخبراء حول مدى نجاعة التكتيك العسكري لجيشي الكونغو الديمقراطية وأوغندا، على الأقل من خلال محصلة الأداء منذ 2014، تاريخ البداية الفعلية للاستهدافات.
فالحرب على هؤلاء المتمردين بدأت في أوغندا، البلد الأصلي للحركة، والتي تعاني ولا تزال من متشددين تابعين لولاية داعش في وسط أفريقيا.
ضغط أعطى ثماره في مرحلة مبكرة في شكل ضغط لا أكثر، وهو ما دفع ببعض خلايا الحركة المتمردة إلى عبور حدود أوغندا إلى منطقة كيفو في شمال جمهورية الكونغو الديمقراطية، وهناك بدأت القصص الأكثر بشاعة في تاريخ المنطقة.
اختار المتمردون مناطق صعبة من حيث التضاريس، وهشة من ناحية الأمن والحسابات القبلية والنزاعات على الأراضي والماشية وغيرها، واندسوا بين القرويين، قبل أن تفاجئهم بهجمات متواترة لم تضع أوزارها منذ نحو عقد.
في المقابل، حاول الجيش الكونغولي تطريق المتمردين، لكنه فشل في ذلك، وعلاوة على الوهن اللوجستي الذي يعاني منه، لم يتمكن من مسايرة تكتيك حرب العصابات المرهق، فكان وصوله المتأخر موضع انتقاد دائم.
وفي غضون ذلك، يستمر الموت المروع بمحاصرة القرويين، لتصبح يومياتهم مثقلة بالرعب والموت، وباتت أقصى أمانيهم أن تنقضي أيامهم بهدوء لا يقطعه صوت الرصاص معلنا عن وصول المتمردين.
وفي الأصل، كان تحالف القوى الديمقراطية ائتلافا مكونا من جماعات أوغندية مسلحة، وكان معظم المنتمين إليه من المعارضين لنظام الرئيس يويري موسيفيني، لكنهم قرروا في وقت لاحق، وتحديدا منذ عام 1995، الاستقرار على الجانب الكونغولي من جبال روينزوري، ومن هناك بدأت بوصلتهم تتجه نحو البلد الجار.