كبير خبراء الطاقة الذرية الأسبق يفتح ملف المفاعلات النووية بالعالم (مقابلة)
يسري أبو شادي: براكة والضبعة من أقوى مفاعلات الجيل الثالث
تصميم مفاعلات الطاقة النووية في دولة الإمارات ومصر من أقوى مفاعلات الجيل الثالث، بمواصفات تجعلها قادرة على مقاومة التغيرات المناخية
كبير خبراء الوكالة الدولية للطاقة الذرية الأسبق:
- حالة الاحترار العالمي ليس لها تأثير قوي على المفاعلات النووية
- المفاعلات النووية جزء أساسي للطاقة النظيفة ووسيلة إنتاج كهرباء منخفضة الكربون
- دولة الإمارات دخلت عالم المفاعلات النووية بكفاءة عالية
- الضبعة النووية في مصر مؤمنة تماماً ضد أية تسريبات إشعاعية
- ادعاءات حزب الخضر الألماني أن الطاقة النووية ملوثة للبيئة غير صحيحة
هكذا أكد الدكتور يسري أبوشادي، كبير خبراء الوكالة الدولية للطاقة الذرية الأسبق، في حواره مع «العين الإخبارية»، قائلا: إن مفاعلات الجيل الثالث النووية تلعب اليوم دورًا كبيرًا في الحفاظ على البيئة، بل تساهم في تحقيق الاستدامة، وإن الطاقة النووية أضحت تشكل ثُلث الإنتاج العالمي من الطاقة النظيفة الآمنة.
وأوضح أبوشادي الذي حصل على جائزة نوبل للسلام عام 2005، بالمشاركة مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، أن العالم اليوم أصبح يدرك أهمية مفاعلات إنتاج الطاقة النووية باعتبارها مصادر غير ملوثة للبيئة، مبينًا في الوقت نفسه أن العالم اليوم يبني أكثر من 60 مفاعلًا نوويًا لإنتاج الطاقة.
وإلى نص الحوار
هل تعتقد أن التغيرات المناخية يمكن أن تؤثر على حالة مفاعلات إنتاج الطاقة؟ وهل تصميم المفاعلات الحديثة قادر على التكيف مع المناخ؟
بالتأكيد تقصد حالة الاحترار العالمي، وخاصة في منطقة الشرق الأوسط بسبب الاحتباس الحراري وانبعاث الغارات الدفيئة أدت إلى تغيرات حادة، والحقيقة أن هذه الظاهرة لها تأثير طفيف على المفاعلات، خاصة أن من أهم أجزاء التصميم التبريد بمياه خارجية، كمياه البحار والمحيطات أو مياه الأنهار، لتقليل درجة الحرارة على جسم المفاعلات، وبالأخص المكثف الخاص بالمفاعلات بالدائرة الأخيرة، لذا فتأثير التغيرات المناخية على جسم المفاعلات محدود للغاية، وهو ما يعني أن تصميم مفاعلات الطاقة النووية مقاوم للتغيرات المناخية والاحتباس الحراري.
هل هناك علاقة بين المفاعلات النووية لإنتاج الطاقة وتحقيق التنمية المستدامة والحفاظ على البيئة؟
بالطبع، فالمفاعلات النووية جزء أساسي للطاقة النظيفة ووسيلة إنتاج كهرباء منخفضة الكربون ودون انبعاثات، فمصدر الطاقة الخاص هنا "اليورانيوم" الذي لا يُصدر أي غازات مُضرة للبيئة على الإطلاق، حتى المصدر المشع الناتج عنه فلا ينتقل إلى خارج جسم المفاعل، ولكنه موجود داخل الوقود النووي المستهلك، وهو ما يعني بلا شك أن الطاقة النووية تلعب دورا كبيرا جدا في الحفاظ على البيئة عالميا، والطاقة النووية حاليا تشكل ثُلث الانتاج العالمي من الطاقة النظيفة الآمنة، وهناك تزايد مستمر، بدليل أن هناك العديد من الدول النامية تتجه إلى إنتاج الطاقة النووية.
معنى هذا أن العالم كان محقاً في COP28 بقرار مضاعفة الطاقة النووية ثلاثة أضعاف كجزء من خطط الحد من الانبعاثات ومكافحة تغير المناخ؟
منذ افتتاح المفاعل التجريبي الأول في العالم لإنتاج الطاقة الكهربائية "EBR-1" في مقاطعة بوتي بولاية أيداهو الأمريكية، في 20 ديسمبر 1951، أي منذ أكثر من 75 عاما، لم يحدث على الإطلاق أن انبعاثات ضارة تساهم في الإضرار بالبيئة أو المناخ بشكل عام، والحقيقة أن هذه الملاحظة بدأت أغلب دول العالم في إدراكها، حتى إنهم اقتنعوا تماما بضرورة اللجوء إلى الطاقات النظيفة وعلى رأسها الطاقة النووية لخفض التلوث والانبعاثات، واللجوء إلى الطاقة النووية كجزء من مكافحة التغيرات المناخية.
- عضو مجلس الطاقة العالمي لـ«العين الإخبارية»: «النووية» هي الأمل الواقعي لإنقاذ المناخ
- نائب رئيس برنامج الأمم المتحدة للبيئة يحذر من كارثة كبرى (مقابلة)
مؤخرًا لجأت بعض الدول الأوروبية إلى تفكيك مفاعلاتها النووية خاصة خشية تكرار كارثة فوكوشيما الياباني فهل هذا يقضي على مستقبل الطاقة النووية قبل أن يبدأ؟
قطعا لا، لأن قرار ألمانيا قرار سياسي وليس علميا؛ لأن الحزب الاشتراكي الحاكم في هذا الوقت منذ أكثر من 12 عاما، كان يعتقد بادعاءات حزب الخضر أن الطاقة النووية ملوثة للبيئة، وهي ادعاءات غير صحيحة علمياً، واكتشفوا فيما بعد خطأهم، ولكن للأسف كانوا قد أصروا على القرار السياسي لأن الحزب كان يرغب في الاستمرار في السلطة، فتم إصدار هذا القرار، وبالتالي بدأت المفاعلات النووية في ألمانيا في التوقف التدريجي، وهذا لا يعني أن مستقبل الطاقة النووية يمكن أن يهدده ذلك القرار، لأن الغرب ما زال يتصدر المشهد في إنتاج الطاقة النووية، والصدارة في بناء المفاعلات النووية الجديدة، بل إن الولايات المتحدة الأمريكية بها أكبر عدد مفاعلات لإنتاج الطاقة، تقترب من 100 مفاعل نووية حتى الآن، تليها فرنسا بحوالي 60 مفاعلا، وحتى الدول الأخرى، وأهمها الصين، تمتلك عددا ضخما من المفاعلات يتخطى الـ55 مفاعلا لإنتاج الطاقة، وخلال سنوات قليلة ستقفز إلى المرتبة الثانية وربما تتفوق على الولايات المتحدة الأمريكية نفسها، وتحتل المركز الأول في الطاقة النووية.
الدول النامية والدول العربية
وماذا عن الدول النامية، ألا يمكن أن يؤثر القرار الألماني في اهتمامها بالطاقة النووية؟
على العكس تمامًا، فكثير من الدول بدأت بشكل فعال في الاهتمام بالطاقة النووية، وهناك كثير من الدول الآسيوية، مثل الصين وكوريا الجنوبية والشمالية واليابان والهند وباكستان وإيران، وحديثاً دولة الإمارات دخلت عالم المفاعلات النووية، وحتى المملكة العربية السعودية تفكر في بناء مفاعلات، وكذلك مصر حيث تقوم ببناء 4 مفاعلات لإنتاج الطاقة في الضبعة بالساحل الشمالي، وهناك بعض الدول تدرس إنشاء مفاعلات نووية لإنتاج الطاقة، وهذا يؤكد أن الطاقة النووية لها مستقبل لا يدعو إلى القلق، وإن كان العالم الغربي الذي تشبع بالمفاعلات النووية، خاصة أن بعض الدول كان حجم إنتاج النووية يصل 80% من إنتاج الطاقة، هذا التشبع جعلهم يتخذون قرارات ليست في صالح التنمية المستدامة، فألمانيا حينما بدأت في تفكيك بعض مفاعلاتها عانت معاناة شديدة جدا في الطاقة، ووصل بها الأمر إلى أنها عادت إلى الفحم والوقود الأحفوري الأكثر تلويثا للبيئة، وأعتقد أنهم حالياً يدرسون العودة إلى الطاقة النووية من جديد.
ولكن البعض قال إن عصر الطاقة النووية انتهى بالفعل بعد حادث فوكوشيما؟
مقاطعًا، كيف انتهى عصر الطاقة النووية وهناك أكثر من 60 مفاعلا حول العالم يتم بناؤها اليوم، غير المفاعلات التي تم بناؤها ودخلت الخدمة في 2011 بعد حادث فوكوشيما، وهذا ما نراه اليوم في كثير من الدول مثل الصين والهند وكوريا والإمارات وكوريا الجنوبية، خاصة أن فوكوشيما لم تكن كارثة نووية بالمعنى الصحيح، بل كارثة طبيعية ضخمة جدا، فالكارثة النووية الوحيدة في تقديري كانت كارثة تشرنوبيل، لأنه كان نوعا من المفاعلات غير المعروفة للعالم، ودرجة الأمان فيه لم تكن كبيرة، وكان هناك خطأ بشري كبير لن يتكرر مرة ثانية،
وماذا عن مفاعلات البحوث التي تبلغ ثلث المفاعلات في العالم، هل تعتقد أنها قد تدعم أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة؟
الحقيقة أن مفاعلات البحوث لا تنتج أي ملوثات خطيرة على المناخ، وإن أنتجت بعض الملوثات فهي ضئيلة للغاية، فإذا ما نظرنا إلى مفاعلات أنشاص البحثية بمحافظة الشرقية في مصر، وجدنا أن المفاعل الكبير ينتج 22 ميغاواط في حين ينتج الصغير 2 ميغاواط فقط، ما يعني أن مفاعلات الأبحاث مفاعلات صغيرة جدًا، بعكس مفاعلات الضبعة التي سينتج الواحد منها 1200 ميغاواط كهرباء، أي يعادل 3600 ميغاواط حراري، لأن مفاعلات البحوث كلها حرارية، ما يعني أن مفاعلات الأبحاث صغيرة جدا في الحجم والطاقة الناتجة عنها، ولا تنتج أي ملوثات بيئية على الإطلاق أو هو محدود للغاية ولا يمثل أي خطورة تٌذكر.
ثورة الطاقة النووية في المنطقة العربية
بعد دخول مصر والإمارات عصر الطاقة النووية هل تعتقد أن المنطقة العربية ستشهد ثورة في الطاقة النووية السنوات المقبلة؟
بالتأكيد ستكون البداية الحقيقية التي ستشجع العالم العربي على دخول عصر الطاقة النووية، فدولة الإمارات لديها بالفعل 4 مفاعلات، ومصر أيضًا تبني 4 مفاعلات، وسيعمل أول مفاعل خلال عامين تقريبا ، وهو ما شجع بعض الدول العربية الأخرى على دخول هذا العصر، على رأسها المملكة العربية السعودية، والتي تسعى بصورة جادة، وقامت ببناء مدينتين لهما علاقة بالطاقة النووية في الرياض، وتقترب من تشغيل مفاعل أبحاث، وهناك أيضًا المملكة الأردنية الهاشمية، لديها برامج نووية قوية جدًا، وكان هناك تطلعات للعراق وسوريا، وبالنسبة لعرب أفريقيا، هناك الجزائر والمغرب اللذان يمتلكان مشروعًا طموحًا لدخول عصر الطاقة النووية، كما أنهما يمتلكان بالفعل مفاعلات أبحاث، والحقيقة ليست المنطقة العربية فقط، ولكن الشرق الأوسط بأكمله، وكذلك جنوب آسيا هناك جهود حثيثة لدخول هذا العصر بمنتهى القوة.
كيف تقيم مشروع الضبعة النووي؟ وهل تعتقد أنه جاء في الوقت المناسب؟
مشروع الضبعة النووي حلم كل علماء وباحثي الطاقة النووية في مصر منذ أكثر من 50 سنة، ولكن لظروف سياسية متعددة تعطل هذا الحلم سنوات طويلة، حتى جاء الرئيس عبد الفتاح السيسي في برنامجه الانتخابي، وأعلن ضرورة دخول مصر عصر الطاقة النووية النظيفة، وبدأ التنفيذ بالفعل منذ 2015 بتعاقده مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وبدأ البناء منذ 2020، وفي 2027 سيدخل أول مفاعل الخدمة لإنتاج الطاقة الكهربائية، وأهم ميزة في هذه المفاعلات هو إنتاج الكهرباء المستدامة، لأن الوقود النووي يعيش في قلب المفاعل أكثر من 4 سنوات مع العمل المتواصل للمفاعل 24 ساعة يوميًا، وذلك على القدرة القصوى لإنتاج 1200 ميغاواط، ما يعني أن المفاعلات الأربعة ستضيف 4600 ميغاواط من الطاقة الكهربائية بشكل مستدام دون توقف، ومن المخطط أن يكون هناك مدن أخرى لإنتاج الطاقة النووية.
كنت قد تقدمت بتوصيات حول موقع الضبعة، هل بعد هذا الوقت ما زلت ترى أنها كانت صحيحة؟
قبل عام 2014، تقدمت بالفعل لرئيس الوزراء إبراهيم محلب، ببعض المقترحات والتوصيات للرئيس عبدالفتاح السيسي، وكان ما زال مرشحا للرئاسة، وكانت خمس توصيات، على رأسها ضرورة التحرك في اتجاه الطاقة النووية لأنها طاقة مهمة ونظيفة ومستدامة، وكانت أهم توصية ضرورة الابتعاد عن أسلوب العطاءات العامة، لأن الغرب كان دائمًا ما يقوم بإفسادها، وأهمية أن يكون هناك أمر مباشر بالاتفاق مع دولة نووية قوية مثل روسيا، وتحديدًا مع الشركة الحكومية للطاقة النووية «روساتوم»، والتي تعتبر اليوم من أكبر شركات العالم، والتوصية الثالثة كانت ضرورة عدم الدخول في عملية التخصيب في الوقت الحالي، والاكتفاء بشراء الوقود المخصب بالفعل، ورابع التوصيات بسرعة الدخول في عالم الصناعة النووية، والحقيقة تم أخذ التوصيات في الاعتبار، بل تم تنفيذها على أرض الواقع اليوم.
وماذا عن توصياتك بخصوص إجراءات الأمان والرقابة على الإشعاع؟
وضعت بعض التصورات والرسومات التصميمة لموقع الضبعة، خاصة فيما يتعلق بالمساحات، وأهالي الضبعة كان لديهم بعض التخوفات من حدوث أي تسريبات إشعاعية، لذا قمت بتحديد مسافات الأمان، ووضعت بعض الاقتراحات، أهمها تقليل المساحة خاصة في الجزء الغربي من منطقة الضبعة، واستغلالها في الخدمات، وهو ما حدث بالفعل بقرار من رئيس الجمهورية، وأن تركز المفاعلات يميل قليلا إلى الشرق بحيث تبعد قليلا عن مدينة الضيعة السكنية.
شاركت في تصميم مفاعل نووي صغير كأول نموذج لإنتاج المفاعلات محليا، فما مصير المشروع؟ وهل يمكن تطبيقه على أرض الواقع؟ وكيف يمكن الاستفادة منه؟
كانت محاولة جادة في الحقيقة، فقد كنت لأكثر من سنة كاملة في عام 2013 أستاذًا زائرًا في كلية الهندسة النووية بجامعة الإسكندرية، حاولنا من خلال مشروع متكامل بالتعاون مع 10 من الطلبة، أن نصمم نموذجا لمفاعل نووي صغير، كمحاولة لتمرين الطلبة المصريين على تصميم وتصنيع المفاعلات النووية، من خلال تحويل الحسابات النظرية إلى تصميم وتنفيذ بالاستعانة بإحدى الشركات المصرية، ونجحنا بالفعل في تصميم أول نموذج لمفاعلات مصرية، وكان من المفترض أن يتم تطوير هذا النموذج فيما بعد، ولكن مع الأسف لم يتم تطويره حتى اليوم، رغم أنه كان خطوة حقيقية لتوطين الصناعة النووية في مصر، خاصة أن تكلفة النموذج المصري أثبتت قدرتنا على عمل تصاميم وصناعة نووية أرخص كثيراً على مستوى العالم.
هل للوكالة الدولية للطاقة الذرية دور في مساعدة الدول حديثة العهد بالطاقة النووية كمصر والإمارات بالتدريب والدعم الفني؟
الوكالة الدولية للطاقة الذرية لديها ستة أقسام رئيسية، ومنها قسم للتعاون الفني، الغرض منه دعم الدول المتطلعة للطاقة النووية، وذلك بناء على مشاريع يتم تقديمها من الدولة نفسها، ومصر من أكثر دول العالم تقديما للمشاريع، ليس في مجالات الطاقة النووية فقط، ولكن في مجالات أخرى تدخل فيها عناصر إشعاعية مثل مجالات الطب والصناعة والزراعة، والتخلص من الحشرات، ومن ضمنها مفاعلات الطاقة النووية، فيتم الإشراف على التدريب في برامج الطاقة النووية في مصر والإمارات بالفعل.
aXA6IDE4LjExNy4xMDYuMjMg
جزيرة ام اند امز