نائب رئيس برنامج الأمم المتحدة للبيئة يحذر من كارثة كبرى (مقابلة)
السفير علي يوسف لـ"العين الإخبارية": السودان يتعرض لأسوأ انقلاب مناخي
أكد السفير علي يوسف مندوب السودان السابق نائب رئيس برنامج الأمم المتحدة للبيئة، أن بلاده تتعرض لواحدة من أسوأ نتائج تغيرات المناخ.
السفير علي يوسف يشدد على أن التصحر إحدى الكوارث المناخية التي يتعرض لها السودان، وأنه بالفعل يهدد جميع الولايات في دولة كانت تُعرف يومًا بسلة غذاء العالم العربي والأفريقي.
وأوضح يوسف، وهو دبلوماسي سابق، قائلا: "رغم أن السودان واحدة من أبرز الدول شديدة التأثر بالتغير المناخي، فإن تلك القضية ليست من الأولويات لدى الدولة في السنوات الأخيرة، فلا وجود لخطط استراتيجية أو دراسات بيئية حقيقية"، مبينًا في الوقت نفسه أن الكثير من ولايات السودان تعاني من التصحر، وأن أكثر الولايات تضررا ولايتا دارفور وكردفان، وهو ما أدى إلى فقدان المحاصيل وانخفاض القدرة الاستيعابية لرعي الحيوانات، ما أثر في الإنتاج الغذائي.
وإلى نص الحوار
ما الآثار المباشرة لتغير المناخ في السودان؟
- السودان دولة كبيرة مساحتها تتخطى 1.8 مليون كيلومتر، وتقع بين بيئتين مناخيتين، بيئة صحراوية في الشمال والشمال الغربي، وبيئة استوائية قارية في الجنوب والجنوب الشرقي، هذا الاتساع مع التغير الطبوغرافي، جعل من السودان أحد البلدان الأكثر سخونة على وجه الأرض، كما أرض السودان شهدت طيلة العقود الماضية حالة من التقلبات المناخية، خاصة فيما يتعلق بالأمطار، خاصة فيما يتعلق بمعظم مناطق شمال وغرب ووسط السودان، فهناك سنوات طويلة عانى فيها شمال وغرب السودان من شُح في هطول الأمطار، وذلك خلال الفترة من 1958 حتى 2013، وسنوات أخرى عانى من غزارة هطول الأمطار خلال الفترة من 2013 حتى 2023.
هذا الانقلاب المناخي أثر بالطبع على المجتمع السوداني؟
- هذا صحيح للأسف، فخلال سنوات الجفاف في الشمال الغربي ظهرت الكثير من الأخطار، خاصة فيما يتعلق بزحف التصحر إلى السهول الخضراء، فقد كان هناك حاجز بين البيئة الصحراوية في الشمال الغربي والبيئة السهلية الخضراء، ممثلة في غابات الأرض الجافة، للأسف تلك الغابات تعرضت كثيرا للأضرار البيئية، ومهددة بالموت والاختفاء، كانت تلك الغابات تمثل خط الدفاع الأول والأخير ضد غزو التصحر إلى جنوب السودان، حتى السنوات التي شهد فيها السودان أمطارا فيضانية بكثافة عالية، كان لها تأثير سلبي على المجتمعات السكانية، فقد أتلفت الكثير من المحاصيل الزراعية في جميع الولايات الإقليمية، وتسببت في تدمير البنية التحتية وقتل الكثير من القرويين وآلاف الماشية، ونزوح مئات الآلاف من المواطنين، كل ذلك خلق تأثيرا سلبيا مباشر على البيئة المجتمعية.
وهل هناك خطط مستقبلية ورؤية لكيفية المواجهة؟
- قضايا المناخ والبيئة وما تحمله من تأثيرات سلبية ليست من القضايا ذات الاهتمام الكبير، رغم أن السودان من أبرز الدول شديدة التأثر بالتغير المناخي، ويؤدي إلى حدوث الكثير من الكوارث الإنسانية يعيشها الشعب السوداني، وللأسف الشديد وفي ظل ما يعانيه السودان من حالة عدم استقرار لا توجد أي خطط استراتيجية لاستغلال الموارد الطبيعية، أو حتى للقضايا التي تتعلق بالأمن الغذائي، ومع تنامي الصراع السياسي على السلطة، وتراخي الأمن واتساع رقعة النزاعات الإثنية والقبلية، يصبح من الصعب تحقيق أي محاولة يمكنها مكافحة التغيرات المناخية.
ولماذا في رأيك تجاهل السودان قضايا المناخ والبيئة رغم تأثيرها السلبي على الدولة والشعب؟
- قبل الحرب الأخيرة كانت هناك محاولة جادة للاهتمام بالقضايا البيئة، فقد شكل السودان "المجلس الأعلى للبيئة"، يضم عددا كبيرا من الوزارات والإدارات التي لها علاقة بالبيئة والزراعة والطاقة وغيرها، وكان مسؤولًا عن التعاون مع جميع المؤسسات العالمية المعنية بتلك القضايا، ودراسة جميع الحلول للتعامل مع المشكلات البيئية المختلفة، وعلى رأسها بالطبع قضية التصحر، والتجريف والتآكل الذي يسببه نهر النيل، وتؤثر على المناطق الزراعية، إما بالفيضان وإما بالجفاف، بالإضافة إلى إيجاد آلية مناسبة لإدارة الموارد والإمكانات الزراعية في السودان، فهناك مناطق زراعية عالية الخصوبة، ولكنها تتعرض للضعف المستمر، وذلك نتيجة للأساليب الزراعية الكثيفة، ولعدم توافر وسائل حديثة للزراعة.
حرب مناخية
مؤخرًا صدر تقرير عن استغلال القوى المتصارعة تأثير التغيرات المناخية على المجتمعات السودانية، فهل تعتقد حقًا أن ما يحدث في السودان هو أول "حرب مناخية"؟
- لا شك أن الحرب في السودان هي حرب من أجل السلطة، ولكن هذا لا يمنع أن البعض يستغل التأثيرات المناخية في العديد من الولايات، ففي ولاية دارفور على سبيل المثال، أثر التغير المناخي على الكثير من المناطق وأصابها بالجفاف، وهو ما أدى إلى صراعات قبلية بين القبائل التي تعمل بالزراعة، والقبائل التي تعمل بالرعي، ما نتج عنه انتقال للقبائل الرعوية إلى مناطق أخري، وهو ما استغلته بعض القوى المتصارعه بالفعل من استقطاب وإشعال لحدة الصراع القبلي بين الطرفين، وهو ما يعني أن التأثيرات المناخية على الحرب في السودان لها بالفعل دور كبير، وإن كان السبب الرئيسي سياسيا في المقام الأول.
** قديما قالوا: السودان سلة الغذاء العربي والأفريقي فهل التغيرات المناخية سبب من أسباب عدم تحقيق ذلك؟
- هذا صحيح للأسف، لكن قبل الحديث عن التغيرات المناخية علينا أولًا الحديث عن الوضع الأمني في السودان، فكيف يمكن أن يكون السودان سلة غذاء الوطن العربي وأفريقيا، وهو غارق في أتون الصراع السياسي على السلطة، بالطبع تتصاعد المشكلات البيئية، مثل إزالة الغابات، والرعي الجائر، وتآكل التربة والتصحر، وهو ما أدى إلى تراجع الإنتاج الزراعي، وبالتالي إلى تراجع في إنتاج الغذاء المحلي، وأحدث التقارير تؤكد خسارة السودان لمساحات هائلة من الأراضي الزراعية والرعوية بسبب التصحر، وتآكل الأرض في المناطق المطرية، وهي الأرض التي كانت المصدر الرئيسي للأمن الغذائي.
زحف الرمال بصورة مستمرة
وهل هناك إمكانية حقًا لأن يُصبح السودان سلة الغذاء العربي والأفريقي؟
- إمكانيات السودان هي التي تقول ذلك، فالسودان يمتلك أكثر من 200 مليون فدان قابلة للزراعة الفورية دون أي مجهود، ولكن للأسف الشديد لا تتم زراعة سوى 20% فقط من تلك الأراضي الشاسعة، ناهيك عن الأساليب الزراعية الكثيفة والمتواضعة، وضعف البنية التحتية، والاستثمارات الضعيفة جدا، بالإضافة للثروة الحيوانية الضخمة التي تُقدر بنحو أكثر من 100 مليون رأس من الحيوانات الرعوية المختلفة، وحتى يُصبح السودان سلة غذاء يجب الاستفادة من ذلك الخزان الزراعي والرعوي الضخم، وتوافر الاستثمارات اللازمة لتحقيق ذلك.
** هل التصحر بهذه الخطورة والتأثير في بلد تتسع فيه الرقعة الزراعية أكبر من أي بلد عربي أو أفريقي؟
- التصحر من أبرز القضايا المزمنة التي تهدد السودان، والتي كنا نعتبرها سلة الغذاء العربي والأفريقي، والتصحر كنتيجة مباشرة للتغيرات المناخية لا يؤثر في الغذاء الزراعي فقط، ولكنه يؤثر في كل أشكال الغذاء، بما في ذلك فقدان المحاصيل وإنتاج الماشية، وانخفاض القدرة الاستيعابية لرعي الحيوانات، وانخفاض احتياطيات المياه الجوفية وفقدان الحياة البرية، وأكثر الولايات السودانية تعرضًا لمشكلة التصحر ولاية كردفان في الجنوب، وولاية شمال دارفور في غرب السودان، في تلك الولايتين يمكن ملاحظة زحف الرمال بصفة مستمرة إلى الأراضي الزراعية.
خطة وطنية للتكيف
كيف يواجه السودان ذلك أو يتكيف مع هذه التغيرات؟
- لا سبيل إلا لمواجهة تأثيرات التغيرات المناخية والتكيف معها، من خلال محورين، الأول إجراء الدراسات والأبحاث الخاصة بالمناخ طبقا لاختلاف الأقاليم والولايات، والثاني تنفيذ مشروعات للتكيف مع تأثيرات التغيرات المناخية في كل القطاعات، وبالفعل كانت هناك خطة وطنية للتكيف وضعت سنة 2016، هذه الخطة كانت مسؤولة عن تنفيذ إجراءات عديدة في مجالات الزراعة والمراعي والمياه، ففي مجال المياه على سبيل المثال، وضعت خطة لإجراء دراسات تحسين إدارة المياه في المناطق الأكثر ضعفاً، بالإضافة إلى حفر المزيد من الآبار السطحية والآبار الجوفية في المناطق غير المتأثرة بالتلوث، بالاضافة إلى توفير أنظمة ري أكثر كفاءة.
البجع نموذج ساحر للتنوع البيولوجي (صور)
اليوم العالمي للقضاء على الهدر.. نصائح فعالة للاستدامة وترشيد الاستهلاك
وماذا عن مشاركة المجتمع وتأهيل المواطنين للتعامل مع ذلك؟
- الخطة الوطنية للتكيف وضعت جميع السيناريوهات والتدابير المحتملة لإيجاد مواطن متعاون، من أهم تلك التدابير بناء الوعي في المجتمعات المحلية بخصوص الإدارة المستدامة للموارد الطبيعية، وإنفاذ التشريعات الراهنة، وإدخال تشريعات إصلاحية للمزيد من حماية الموارد الطبيعية، وإطلاق برامج خاصة تستهدف الرعاة لتحسين سلالات الماشية وإنتاجيتها، وتحسين برامج الإرشاد الزراعي، وتعزيز القدرات المؤسسية لخلق وتنفيذ سياسات الأرض التي تشجع على الزراعة الفعالة.
وما هو الدور الذي يقوم به برنامج الأمم المتحدة للبيئة؟ وهل بالفعل قدم حلولا لمشكلة التغيرات المناخية؟
- أعتقد أن الفترة التي عملت بها في برنامج الأمم المتحدة للبيئة في نيروبي، كممثل للسودان في القضايا البيئية، كانت من أهم الفترات التي مرت في تاريخ السودان، ليست له فحسب، بل لأفريقيا وللعالم بصفة عامة، وأهم ما تم عمله تلك الدراسات التي أُجريت، والتي نتج عنها تقرير اللجنة الدولية للبيئة برئاسة رئيسة وزراء النرويج غرو هارلم برونتلاند، وجاء بعنوان "مستقبلنا المشترك"، هذا التقرير يُعد الأول من نوعه، وكان يُمثل نقلة نوعية مهمة في تاريخ قضايا البيئة، بل وتاريخ الاقتصاد العالمي، لأنه للمرة الأولى يتم ربط موضوع التنمية في العالم بالقضايا البيئية، إذ أكد أنه من المستحيل أن تكون هناك تنمية اقتصادية متواصلة أو مستدامة إذا لم تُوضع في الحُسبان القضايا البيئية ومدى توافقه معها، بمعنى أنه وضع أساسا لتنمية سليمة تقوم على احترام البيئة.