«الصليب الأحمر».. الوسيط الصامت في حرب غزة

يلعب الصليب الأحمر الدولي دورًا محوريًا في عمليات تبادل الرهائن بين إسرائيل وحركة حماس، إذ يتولّى الإشراف على نقل ومرافقة المفرَج عنهم من الجانبين، في واحدة من أكثر المهام حساسية وتعقيدًا خلال الحرب الدائرة في غزة.
لكن المنظمة تؤكد أن دورها يتجاوز مجرد الجانب اللوجستي، ليشمل عملًا دبلوماسيًا هادئًا خلف الكواليس، يمثل الأساس الذي يتيح إنجاز هذه العمليات الإنسانية، بحسب صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية.
وتقول المنظمة إنها ليست مجرد وسيلة نقل، بل جسر إنساني يعبر فوق هوة انعدام الثقة. فكل عملية تبادل لا تتم إلا بعد ساعات من المفاوضات السرية والتنسيق الدقيق وضمانات أمنية واهية، تجعل النجاح في تنفيذها معجزة صغيرة وسط الفوضى.
ومنذ اندلاع الحرب، أشرفت اللجنة على عمليتَي تبادل رئيسيتين، الأولى في نوفمبر/تشرين الثاني 2023، والثانية في يناير/كانون الثاني 2025. لكن ما جرى أمام الكاميرات ليس سوى الجزء الظاهر من جبل جليد يخفي تحته جهودًا دبلوماسية هادئة ومعقدة.. فمعظم ما يقوم به الصليب الأحمر يجري في صمت، خلف الأبواب المغلقة، بعيدًا عن الأضواء وضجيج المعارك.
ومع ذلك، لم ينجُ الصليب الأحمر من الاتهامات المتقابلة. ففي إسرائيل، تتهم عائلات الأسرى المنظمة بالتقاعس عن زيارة أبنائها أو إيصال الدواء إليهم، بينما يطالب فلسطينيون باستئناف زيارات السجون الإسرائيلية التي توقفت منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023.
وردّت اللجنة بأنها لا تعرف أماكن احتجاز الرهائن الإسرائيليين، وأنها مُنعت من زيارة المعتقلين الفلسطينيين، لكنها جمعت شهادات من أكثر من 1250 شخصًا أُفرج عنهم في صفقات التبادل.
في قلب هذه العاصفة، يتمسك الصليب الأحمر بما يراه جوهر وجوده: الحياد.
ويقول جوليان ليريسون، رئيس بعثة المنظمة في إسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة، إن "الحياد يمنحنا القدرة على التأثير على الطرفين ليتصرفا وفقًا لقوانين الحرب".
وأكد أن العمل الدبلوماسي السري وليس الإدانة العلنية هو ما يجعل العمل الإنساني ممكنًا. وهذا الموقف يعكس معضلة أخلاقية لا فكاك منها: فكيف يمكن الدفاع عن المبادئ دون أن تُغلق أمامك الأبواب التي تتيح إنقاذ الأرواح؟
وفي بعض الأحيان، تجد المنظمة نفسها مضطرة إلى قبول مشاهد رمزية صعبة، مثل المراسم العلنية التي نظمتها حماس لتسليم بعض الرهائن، رغم ما حملته من دعاية سياسية واضحة. وقد بررت اللجنة استمرارها في تلك اللحظة الحساسة برغبتها في حماية حياة المحتجزين ومنع أي انتقام قد يعقبه تأجيل أو إلغاء لعمليات الإفراج المقبلة.
وفي بيانها الأخير، رحّبت رئيسة اللجنة الدولية، ميرجانا سبولجارك إيغر، باتفاق وقف إطلاق النار الجديد في غزة، ودعت إلى تنفيذ عمليات الإفراج "بأمان وبكرامة"، وإلى استئناف المساعدات الإنسانية العاجلة إلى جميع المحتاجين. غير أن كلماتها، رغم ما تحمل من أمل، تعكس خوفًا دفينًا من أن تتبخر الهدنة كما حدث في مرات كثيرة من قبل.
وخلصت الصحيفة إلى أن الصليب الأحمر اليوم ليس مجرد وسيط بين طرفين متحاربين، بل شاهد على المأساة الإنسانية الكبرى التي تشهدها غزة.، وقالت "إنه أحد القلائل الذين ما زالوا قادرين على التحرك في منطقة لا يثق فيها أحد بأحد".
وبين السياسة والمبادئ، بين الحرب والرحمة، يقف الصليب الأحمر ثابتًا قدر استطاعته، متمسكًا بحياده كدرع وحيد يحميه من الانهيار.. ففي زمن الحروب، يصبح إنقاذ حياة واحدة عملاً بطوليًا يتطلب شجاعة الصمت، وحكمة والصبر، وإيمانًا لا يتزعزع بإنسانية الإنسان.