مع بداية أي عام جديد، أتجول وسط مكتبتي الزاخرة بالكتب، وعناوين الصحف العربية، إما للفرز وإما لتنشيط الذاكرة بالأحداث الكبرى.
من بين العناوين التي استوقفتني، قصة اغتيال القيادي الفلسطيني علي حسن سلامة، الملقب بـ«الأمير الأحمر»، وزوج ملكة جمال الكون اللبنانية جورجينا رزق. القصة شائكة، تستدعي تاريخا قديما، يتجدد الآن باغتيالات في بيروت ودمشق وطهران، ليؤكد عقيدة الدم لدى «الموساد» الإسرائيلي.
اغتيال علي حسن سلامة كان مثيراً، فهو رجل أمن، مهمته حماية الزعيم الراحل ياسر عرفات، وقادة منظمة التحرير الفلسطينية، وكوادر الثورة، كونه رئيس استخبارات المنظمة.
لم يكن رجل الأمن الأول -آنذاك- الذي يعيش في صندوق من الحذر، يعرف أن امرأة تدعى أريكا تشامبرس ستكتب نهايته، عندما قدمت نفسها له بأنها تدعم اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، لكن الأسرار التي كانت تحملها أريكا على ظهرها مليئة بالأفاعي والمتفجرات، لإنهاء مسيرة الرجل الأخطر.
نجحت أريكا بالتسلل إلى عوالم الفلسطينيين، وفي القلب منهم «الأمير الأحمر»، فلم يكن «الأمير الأحمر» قاتلا للإسرائيليين فحسب، بقدر ما كان يشكل خطرا وتهديدا على وجود المشروع الإسرائيلي. لقد أدرك أن أمريكا تنحاز بكل مؤسساتها إلى إسرائيل، وهو ما بدا في العدوان الراهن على غزة والمستمر منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول عام 2023.
لكن هذا الأمير الأحمر اقترب آنذاك من المفتاح الأمريكي، الذي كاد يفتح الأبواب، فشعر الموساد الإسرائيلي بأن ثمة خطر قادم على المشروع الإسرائيلي بالكامل، ما الذي حدث في بيروت؟ حيث المسرح كان -آنذاك- مفتوحا للاعبين كثر من مختلف أجهزة العالم.
علي حسن سلامة تعرف إليهم عن قرب، الإشارة الحمراء اشتعلت، تبادل الأدوار معهم، كان يبحث عن مكان تحت الشمس للفلسطينيين، بات رقما مقلقا للجميع. وعندما عبر أسوار واشنطن، تصاعد الخطر داخل أسوار تل أبيب.
ثمة إشارات تنذر بتبديل اللاعبين، فالأمير الأحمر يغير الأحصنة، وأمريكا باتت في تلك اللحظة تفكر في الفلسطيني بديلا، لم يكن لدى واشنطن مانع، فهي تبحث عن مصالحها أينما كانت.
وفي مقابل التفاؤل الفلسطيني تشاؤم إسرائيلي، فيما البيادق تتحرك على رقعة الشطرنج، ومد الأمير الأحمر جسور السرية بين قيادة منظمة التحرير السرية وواشنطن الأكثر سرية.
لم تعد تل أبيب بكل ما حصلت عليه من معلومات حول دور الأمير الأحمر أن تنتظر كثيرا، لا بد من الخلاص من هذا الرجل، وكان قد اقترب من تبديل الخرائط.
لم يكن الثاني والعشرون من يناير/كانون الثاني عام 1979 يوما عاديا في مسيرة الموساد الإسرائيلي، فهدف الاغتيال يساوي بطولة، تختصر مسافات طويلة، في الحفاظ على الوجود الإسرائيلي، خمس محاولات للاغتيال، كان في العمر بقية، جاءت من بلاد الضباب "أريكا" المعروفة بالعملية "بينلوبي" تعرفت إلى تفاصيل حياته الدقيقة، استأجرت سكنا لها أمام مقر إقامته، ورصدت كل تحركاته.
وخلال عشرة أيام من المتابعة الدقيقة، كانت أريكا على موعد مع نزول علي حسن سلامة من منزله في الساعة الثالثة و45 دقيقة، لم يكن الأمير الأحمر يعرف أنه سيقوم بالوداع الأخير لزوجته جورجينا رزق، التي كانت حاملا، وما إن استقل سيارته ومع حراسته الشخصية ضغطت أريكا على زر الموت، لتنفجر سيارة الأمير الأحمر بمائة كيلوغرام من المتفجرات التي كانت تحملها سيارة مجهزة.
رحل الرجل الأخطر في عيون إسرائيل، الأقوى في عيون الفلسطينيين، بكى الرئيس الفلسطيني الأسبق ياسر عرفات في جنازته، شيعه إلى مقابر الشهداء في بيروت، بقدر الحلم الفلسطيني بقدر حضور مودعيه انتهى المشهد، انقطعت الجسور بين واشنطن ورجال منظمة التحرير الفلسطينية، تنفست تل أبيب الصعداء. هذه المرة داخل المختبرات الإسرائيلية، لم تشبه المرات السابقة التي اغتالت فيها قادة فلسطينيين مثل الروائي والصحفي الفلسطيني غسان كنفاني، والشاعر كمال عدوان، وكمال ناصر، وأبويوسف النجار، ولم تشبه أيضا اغتيال قادة عملية ميونخ عام 1972، لكنها رسخت لدى الموساد عقيدة التصفية الدموية والخلاص من الأسرار، خوفا من ولادة فلسطيني يفكر خارج الصندوق.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة