منذ عقودٍ والعلاقات الأمريكية الإيرانيّة تتصاعدُ سوءاً يوماً بعد الآخر، ولا سيّما بعد التجاذبات السياسية والأمنية والاقتصادية المرتهنة بالملف النووي الإيراني، وما تمخض عنه من ارتباطاتٍ معقّدةٍ بالملفات الأمنية، ولا سيّما فيما يتعلّق بالملفِّ السوري والعرا
وتُعدُّ إيران من القوى الفاعلة والرئيسة في هذه الملفات، ما جعل السياسة الأمريكية والإيرانيّة في تعارضٍ تامٍّ، حتى بات الصدام العسكريّ قاب قوسين أو أدنى، خاصة بعد أنْ دخلت طهران إلى حرب الوكالات والضربات الخاطفة للمصالح والقواعد الأمريكية في سوريا وإيران واليمن.
فالتصاعد الأخير للضربات الإيرانية على المصالح الأمريكية، سواء عن طريق الجماعات التابعة لها في العراق واليمن أو من خلال التوسع في النفوذ على الميدان السوري، ما هي إلا إشارات ورسائل مباشرة وغير مباشرة إلى استحالة الاستقرار التام للمنطقة، وكذلك فيما يخص الضربات الأمريكية الاستخبارية أو التأييد للضربات الإسرائيلية المتواترة التي تستهدف المصالح الإيرانية، خاصة سلسلة الاغتيالات المتوالية لقادتها في سوريا، بالإضافة إلى الضغوط الاقتصادية والسياسية على إيران والجماعات المتحالفة معها في تلك المناطق.
كل ذلكَ يجعل العلاقة الحقيقية التي تربط السياسة الأمريكية والسياسة الإيرانية قائمةً على معادلة شد الحبل بين الطرفين من دون التصعيد إلى المواجهة المباشرة بينهما، ومن دون التفاهم على الملفات العالقة، وهذه الحالة هي التي تفرض تباينات لا تبشّر باستقرار المنطقة، وإنما تدفعها إلى المزيد من التصعيد، لا سيّما بعد الهجمات الأخيرة على السفن الأمريكية في البحر الأحمر، وهذا ما يجعل المنطقة أمام مرحلة شديدة الخطورة؛ تنذر باندلاع الأوضاع في أية لحظةٍ.
فعلى الرغم من أنّ الطرفين يدركان هذه الخطورة، ويتعاملان معها وفق قواعد التوازن التي تبتعد عن التصعيد، إلا أنّ ذلك محكومٌ بقواعد سياسية واستراتيجية أُخرى، على رأسها السياسة العالمية والتحالفات الدولية، فالولايات المتحدة التي تربطها مصالح استراتيجية راسخة مع القوى العربية الفاعلة، لا يمكنها بحالٍ من الأحوال تجاوز هذه المصالح، ولا سيما فيما يخصُّ الاستقرار والأمن الذي سيكون مهدداً بقوة في حال التصعيد إلى المواجهة المباشرة، ومن ناحيةٍ أُخرى ترتبط هذه الاستراتيجيات بالعلاقات الإيرانية الروسية، ولا يخفى على أحدٍ التعارض الشديد الذي يصل لمرحلة العداء بين (موسكو) و(واشنطن) خاصة بعد الحرب الأوكرانية، وكذلك الأمر بالنسبة لإيران التي تدرك مغبة التصعيد والمواجهة مع الولايات المتحدة، سواء من حيث هي القوة العالمية العظمى، أو من حيث شبكة العلاقات المعقدة التي تتمتع بها الولايات المتحدة بالسياسة العالمية عامّةٍ وبسياسة المنطقة خاصّةٍ.
علاقاتٌ قد تجعل في مرحلةٍ من المراحل حتى (روسيا) -الند التقليدي للولايات المتحدة- في صف (واشنطن) تبعاً لقواعد الارتباط العضوي بين المصالح العامة، أو من خلال تبادل أوراق الضغط والتنازلات القائمة على تغليب المصالح الكبرى على الصغرى، ولا سيّما بعد نجاح حلف الناتو بالتمدد أكثر بالقرب من روسيا بعد انضمام السويد إليه.
كل ذلك يجعل السياسة بين الطرفين (طهران) و(واشنطن) مبنية على سياسة (شد الحبل) بما يضمن عدم انقطاعه، وعدم الانزلاق بالمواجهة المباشرة، من خلال الاعتماد على المناوشات الجزئية والمتفرقة القائمة على الأهداف المحدودة، وترك الباب موارباً لأي تفاهماتٍ ممكنة قد تحدثُ في أية لحظةٍ أو في أية مرحلة.
فتتناوب العلاقة بين التصعيد والتهدئة تبعاً للطرف الذي يشدُّ من جهةٍ ليُرخي الطرف الآخر الحبل، وهكذا تستمر المعادلة، ولكن هذا لا يعني أنّها معادلة ثابتة، فهي كاللعب مع الثعابين، وهي تجعل كلا من (واشنطن) و(طهران) على خط النار، فانقطاع الحبل واردٌ في أية لحظةٍ، ما لم يتم التفاهم على ذلك باتفاقيات وتفاهماتٍ استراتيجية تضع نصب عينيها استقرار المنطقة والعالم، والسعي في طرق السلام لا الحرب.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة