لا ينكر عاقل أن الأصوات التي تتعالى في إسرائيل يوماً بعد يوم ضدّ بنيامين نتنياهو رئيس الحكومة، متهمةً إياه بعشق إدارة الصراع لا إنهائه، هي أصوات محقة من وجهة نظر الكثيرين.
إذ إن نتنياهو إلى جانب الوزيرين المتطرفين سموتريتش وبن غفير، لديهم شهية مفتوحة على تدمير حل الدولتين بشهادة الحليف الأمريكي نفسه.
ومع أن إسرائيل ماضية في معاقبة المدنيين في غزة، نتيجة فشل عسكري واضح أحياناً، في الوصول إلى يحيى السنوار، مهندس ما بات يعرف بـ"طوفان الأقصى"، فإن استثمار نتنياهو في مناخات الحرب التي تتسع رويداً رويداً، أمرٌ لا يستهوي الرئيس الأمريكي جو بايدن وأركان إدارته، سيما وأن الولايات المتحدة الأمريكية معنية بشكل مباشر بتلك الحرب إن اتسعت رقعتها، والرئيس بايدن يستعد لخوض معركة انتخابات مصيرية له ولحزبه الديمقراطي، إن على مستوى البيت الأبيض أو الكونغرس الأمريكي بغرفتيه الشيوخ والنواب.
وتطل إيران هنا بطوفانها العسكري المختلف كماً وكيفاً عن "طوفان الأقصى"، فمليشيات إيران المرابطة في العراق واليمن ولبنان، لا همّ لها إلا تنفيذ أجندات الحرس الثوري الإيراني المرتبط بمكتب المرشد علي خامنئي مباشرة، وتلك الأجندات تخدم مصالح إيران فقط، ولا تخدم أبداً مصالح العواصم الثلاث بغداد وبيروت وصنعاء، فضلاً عن القضية الفلسطينية.
وقد تكون إيران قد وقعت في بداية أحداث السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي تحت هول الصدمة لما قامت به كتائب القسام وسرايا القدس، لكن طهران سرعان ما تكيفت مع الموقف، وأوعزت للمليشيات بأخذ زمام المبادرة، عبر نشر الفوضى في المنطقة، تحت عنوان مساندة غزة ومساعدة الفلسطينيين.
وقد تبين للجميع الآن، أن قرصنة الحوثيين في مضيق باب المندب جنوبي البحر الأحمر، أضرت بالدرجة الأولى باقتصاد دولة عربية كبيرة مثل مصر، وهذا ما أكده رئيس هيئة قناة السويس المصرية قبل أيام حين قال إن شركات الشحن البحري أوقفت عمليات النقل، وإن خسائر القناة الاقتصادية كبيرة للغاية، فضلاً عن الضرر الذي لحق بموانئ دول عربية أخرى مطلة على البحر الأحمر.
وأما لبنان الفاقد لكل أشكال سيادته، صدم رئيس حكومة تصريف الأعمال فيه نجيب ميقاتي مواطنيه بتصريح خطير، يكشف عن حجم التماهي مع منطق "وحدة الساحات" الإيراني، وتبرير ميقاتي الفظيع لتصرفات مليشيا حزب الله وتأييده لها، حين قال من دافوس السويسرية إن حزب الله يتمتع بالحكمة والعقلانية ويراعي مصالح الدولة اللبنانية.
وأما العراق فهو منكوب صباح مساء، بصولات وجولات مليشيات ولائية عابثة، تستهدف مطار أربيل في الشمال حيناً، وتشتبك فيما بينها بالسلاح المتوسط والثقيل عند اللزوم، وتجتهد في سرقة الأموال العراقية عبر السيطرة المسلحة على المنافذ الحدودية البرية والبحرية والجوية، وتتهرب من الاستحقاقات الدستورية كرما لعيون إيران، وشر مثال على ذلك، ما جرى في برلمان العراق قبل الأيام، عندما قررت المليشيات رفض انتخاب بديل جديد لمحمد الحلبوسي رئيس البرلمان المقال بقرار من المحكمة الاتحادية.
وبحسبة لا تحتاج لكثير من التفكير، فإن المتضرر الأول نتيجة "طوفان إيران" هو دول عربية محتلة من قبل المليشيات المذكورة، ومنطقة الشرق الأوسط التي تبحث عن الاستقرار والسلام، وأما إيران التي اعتقدت أن ما تفعله غرباً في العراق، يمكن القيام مع باكستان الجار الشرقي الجنوبي، فوجئت بحجم ردة فعل الجيش الباكستاني الذي قصف على عجل مناطق داخل الأراضي الإيرانية دون تردد، ليسارع وزير خارجية إيران بالاعتذار لباكستان، ويبرر ذلك بالقول: لم يخبرني الحرس الثوري بفعلته.
ومن المؤكد بعد كل هذا، أن أفعال إيران ومليشياتها لا تخدم شكلاً أو مضموناً القضية الفلسطينية، بشهادة قيادة السلطة الفلسطينية في رام الله، وتلك تصريحات متواصلة تحذر حماس وغيرها من الفصائل الفلسطينية من الارتماء في حجر المشروع الإيراني الضار والمضر بكل دولة عربية.
ونتنياهو الذي رمى بجزء من قواعد الاشتباك مع إيران في سلة المهملات، أمر جيشه والموساد والشاباك بإخراج ما في جعبتهم من أهداف إيرانية رفيعة المستوى، تمثلت باغتيال رضي الموسوي وخليفته في المنطقة رئيس استخبارات فيلق القدس اللذين قتلا في دمشق بسوريا، لأن إسرائيل تريد الرد المباشر على إيران الآن، وتنحي جانباً ردها على الأدوات.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة