صعّدت إسرائيل من وتيرة استهدافها للمواقع والمقار العسكرية الإيرانية في سوريا، حتى أصبح القصف الإسرائيلي لمحيط العاصمة دمشق روتينيًا، في إطار سياسة يومية تقوم على الحد من قدرة إيران على استخدام أذرعها ضدها منذ تفجر حرب غزة.
ولعل الجديد في هذا الاستهداف ليس عدد الغارات أو الأماكن المستهدفة أو شحنات الأسلحة التي كانت تنقل إلى حزب الله، بل المس بكبار قادة الحرس الثوري، وهو ما يكشف حجم المتابعة الإسرائيلية الاستخباراتية للنشاط الإيراني على الأراضي السورية.
التصعيد الإسرائيلي الذي يأخذ شكل رسائل نارية، ينبع من فرضية أن إيران تريد استغلال جملة ظروف ما بعد اندلاع حرب غزة لمحاصرتها وصولا إلى شلها، وربما شن هجمات جديدة ضدها على غرار هجوم حماس في السادس من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، لاسيما في ظل دعمها المتواصل لحزب الله وحماس والجهاد وميليشيات الحوثي.. فضلا عن ترسيخ نفوذها في المناطق السورية المحاذية لإسرائيل.
وتعتقد إسرائيل أن إيران تستغل انشغالها بحرب غزة لتوجيه ضربات لقدراتها من جهة، ومن جهة ثانية استغلال الصدع بين الإدارة الأمريكية وحكومة بنيامين نتنياهو بشأن مستقبل غزة، وإيصال رسائل للجانب الأمريكي بأنها قوة إقليمية كبرى، يجب محاورتها والتفاوض معها على قضايا المنطقة، وصولا إلى التوصل معها إلى اتفاق نووي جديد يلبي شروطها.
ولعل ما عزز مثل هذا الاعتقاد لدى إسرائيل، جملة تطورات ميدانية حصلت مؤخرا، أهمها تحويل مليشيات الحوثي البحر ومضيق باب المندب إلى بؤرة توتر عبر استهداف الملاحة البحرية، فضلا عن حرب الاشتباك مع حزب الله على الحدود اللبنانية - الإسرائيلية، والحديث عن تحشيد للميليشيات على الجانب السوري مع إسرائيل؛ إذ إن مثل هذه الإشارات كافية لتصعد إسرائيل من قصفها في الساحة السورية، وهي ساحة مختارة بعناية لطالما أن التصعيد في جنوب لبنان قد يؤدي إلى مواجهة عسكرية مدمرة مفتوحة على كل الاحتمالات، لا تبدو الظروف مُهيأة لها في ظل انشغال إسرائيل بحرب غزة، ورفض الأخيرة وقف هذه الحرب ما لم تحقق أهدافها في القضاء على حكم حماس كما تصر حكومة نتنياهو.
في الواقع، مع أن رسائل النار المتبادلة بين إسرائيل وإيران ليست جديدة، إلا أن اللافت في رسائل التصعيد الجاري حاليا، هو اقترانها بتداعيات حرب غزة، وعلاقة ذلك باللاعب الأهم، أي الولايات المتحدة؛ فنتنياهو يريد من وراء التصعيد ضد النفوذ الإيراني، والتهديد بحرب مدمرة ضد حزب الله في لبنان، جر الحليف الأمريكي إلى الحرب الجارية مع أن الإدارة الأمريكية تؤكد أن عدم توسيع الحرب أولوية قصوى لها، فيما الجانب الإيراني الذي يتحاشى الدخول في حرب مباشرة مع إسرائيل يركز عبر أذرعه على استهداف الوجود العسكري الأمريكي في سوريا والعراق، فيما جاء قصفها لأربيل عاصمة إقليم كردستان العراق وباكستان كمحاولة لإشهار القوة، وربما احساس أذرعها بضرورة التصعيد أكثر، دون أن يخرج ما سبق عن معادلة التصعيد المضبوطة بقواعد اللعبة، أي عدم الذهاب إلى مواجهة مباشرة، فيما الثابت أن مثل هذا السلوك بات يحمل مخاطر مثل هذه المواجهة في ظل سخونة الرسائل العسكرية الإسرائيلية، خاصة أن هامش الخطأ كبير في مثل هذه الأوضاع، ومثل هذا الخطأ قد يحول حرب "الظلال الجارية" في الساحة السورية إلى مواجهة غير معروفة النتائج، رغم الحرص على بقاء قواعد اللعبة القائمة في حدودها ووظيفتها.
الثابت أن ما يجري من اشتباك بين إسرائيل وإيران بعد حرب غزة، حوّل سوريا إلى صندوق بريد ساخن للرسائل الإسرائيلية إلى إيران، وهو ما جعل من قواعد اللعبة الممتدة من جنوب لبنان إلى البحر الأحمر مرروا بالعراق إلى ساحة مواجهة كبرى لن تكون إيران نفسها بمنأى عنها، خاصة إذا نجح نتنياهو في جر الولايات المتحدة إلى حرب أكبر من حرب غزة، في ظل تأكيده بأنه لن يقبل ببقاء حزب الله تهديدا له، سواء حربا أو سلما، حتى لو توقفت حرب غزة، فيما روسيا التي تحاول ضبط إيقاع الاشتباك الإسرائيلي - الإيراني في سوريا قد ترى في التصعيد الجاري فرصة لانزلاق الإدارة الأمريكية في حرب تنهيها عن الاستمرار في دعم أوكرانيا التي تشكل درة الاستراتيجية الروسية في مواجهة حلف الناتو وإصراره على التوسع شرقا.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة