في المقالات الـ3 السابقة، كنا قد واصلنا استعراضنا لحال إعلام جماعة الإخوان الذي يبث وينشر من خارج مصر بوسائل الإعلام التقليدية والإلكترونية وصفحات التواصل الاجتماعي.
هذا الإعلام الذي يوجه رسائله إلى الداخل المصري، محاولاً بأقصى جهده زعزعة الأوضاع بداخل المجتمع والدولة، سعياً إلى السراب المتوهم، وهو العودة للاستيلاء على حكم البلاد بعد أن أسقط الشعب المصري حكمهم القصير البائس بثورته العظيمة في 30 يونيو/حزيران 2013.
وكان محور اهتمامنا في المقالات الثلاث هو ما أطلقنا عليه "الفشل الجلل" لهذا الإعلام الإخواني خلال عام 2023، بمقارنة ما تضمنه وبثه ونشره من موضوعات، مع الواقع الفعلي في مصر وما شهدته من تطورات وسياسات داخلية وخارجية، وهو ما ظهر على صعيد 4 قضايا رئيسية، واحدة منها تتعلق بالحوار الوطني، والثانية بالانتخابات الرئاسية، والثالثة بالعدوان الإسرائيلي الدموي على قطاع غزة، والرابعة بالأوضاع الاقتصادية – الاجتماعية في مصر.
وينصرف المقال الحالي إلى معالجة وتحليل إخفاق الإخوان وإعلامهم فيما يتعلق بالأوضاع الاقتصادية – الاجتماعية الحالية في مصر وما عرفته من تطورات خلال الفترات الأخيرة، سواء فيما يخص مضمون هذه الأوضاع أو ما يرتبط بردود فعل المصريين تجاهها.
وتلخصت الأوضاع الاقتصادية في مصر حتى عام 2020 بالتطور الإيجابي الواضح والتوسع في حجم ومكونات الاقتصاد المصري ومعدلات نموه السنوي. ومع مجيء جائحة كورونا تعرض هذا الاقتصاد مع غالبية اقتصادات العالم لحالة من الانكماش وتراجع معدلات النمو وبدء ارتفاع معدلات التضخم ونقص مستلزمات الإنتاج الصناعي بسبب اضطراب سلاسل الإمداد العالمية والتراجع الحاد في حركة السياحة حول العالم، وغيرها من الآثار السلبية للجائحة.
وبعد استيعاب الاقتصاد المصري بقدرة ملحوظة لهذه الآثار، اندلعت الحرب الروسية – الأوكرانية في بدايات عام 2022، لتضيف للاقتصاد المصري - والعالمي بالطبع – أعباءً جديدة ترتبط هذه المرة بإمدادات الحبوب وبخاصة القمح الذي تعد مصر من كبار مستورديه من الدولتين، مما أضاف معدلات تضخم جديدة إلى الاقتصاد المصري.
وخلال كل هذه المرحلة المتواصلة حتى اليوم، أضافت تطورات وسياسات اقتصادية ومالية ونقدية داخلية في مصر أعباءً كثيرة على اقتصاد مصر وعملتها، وبالطبع شعبها.
وهنا يظهر أداء الإعلام الإخواني من جانبين: الأول، وهو المعتاد منه طوال الأعوام العشرة منذ ظهوره، وقمنا بتحليله في عدة مقالات سابقة، حيث يقتصر دوره على "الندب" والتشاؤم والبحث عن أي مؤشر يؤكد انهيار الاقتصاد المصري في اليوم التالي، والذي لم يأت أبداً.
وكعادته، استعان هذا الإعلام بمجموعة من "الهواة" الذين سماهم بالخبراء وببعض الأرقام والإحصائيات المتناثرة من هنا وهناك، لكي يؤكد زعمه المستمر بفشل وانهيار الاقتصاد المصري.
أما الجانب الثاني، وهو أيضاً مستمر مع الإعلام الإخواني طوال الوقت، فهو التعويل على المعاناة الاجتماعية الحقيقية التي يمر بها أغلب المصريين بسبب الأوضاع الاقتصادية، في تحريضهم على الحكم في مصر، سعياً وراء سرابهم المتوهم لإسقاطه.
وما توضحه المؤشرات المتوفرة حالياً هو أن هذا التعويل والتحريض الإخوانيين بدرجات شديدة الكثافة في الفترة الأخيرة، لم يلقيا أي استجابة من عموم المصريين وغالبيتهم في اتجاه هدفهم النهائي منهما.
نعم يعلن المصريون عن شكاواهم من الأوضاع الاقتصادية والمالية والنقدية وتأثيرها السلبي على أحوالهم الاجتماعية، وهم أيضاً يعربون عن أمانيهم في تغييرها إلى الأفضل بما يتيح لهم التخلص من الأعباء الثقيلة الملقاة عليهم.
ولكن الخلاصة الواضحة في هذا المقام، هي أن الإعلام الإخواني يواصل خيبة أمله وإخفاقه التام، ليس فقط كإعلام حقيقي وجاد، ولكن في قدرته على "استغلال" كل الأزمات التي يمر بها ما يفترض أنه بلدهم، في تحقيق "المطامع" السياسية للجماعة التي ينتمي إليها، ويعود بهذا إلى نقطة الصفر التي لم يغادرها منذ نشأته قبل عشر سنوات. إنه الإخفاق الرابع للإخوان وإعلامهم في عام 2023 المنصرم.
diaarashwan@gmail.com
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة