انتهى – ولله الحمد – عام 2023 بكل ما حمله من أحداث جسام في بلادنا ومنطقتنا والعالم كله، ويبدأ العام الجديد في انتظار تطور وحسم هذه الأحداث في شهوره وأيامه.
وكنا في هذه المساحة قد تعرضنا لمرات كثيرة لحال إعلام جماعة الإخوان الذي يبث وينشر من خارج مصر بوسائل الإعلام التقليدية والإلكترونية وصفحات التواصل الاجتماعي، ويوجه رسالاته إلى الداخل المصري، محاولاً بأقصى جهده زعزعة الأوضاع بداخل المجتمع والدولة، سعياً إلى السراب المتوهم، وهو العودة للاستيلاء على حكم البلاد بعد أن أسقط الشعب المصري حكمهم القصير البائس بثورته العظيمة في 30 يونيو/حزيران 2013.
وفي المقالات المشار إليها، تعرضنا وحللنا كثيراً من خصائص هذا الإعلام وعناصر بنيته ومضمونه والقائمين عليه وآثاره الحقيقية على الواقع المصري، عبر شهور طويلة من المتابعة المدققة الفاحصة.
وفي العام الذي انصرم قبل ساعات، 2023، بدا واضحاً الفشل الجلل لهذا الإعلام الإخواني بمقارنة ما احتواه وبثه ونشره من مضامين، مع الواقع الفعلي في مصر وما يتعلق بها من تطورات وسياسات داخلية وخارجية.
وقد تجلى هذا الفشل الذريع على صعيد 4 قضايا رئيسية تتعلق بمصر والحكم القائم فيها خلال العام المنصرم لتوه، واحدة منها تتعلق بالحوار الوطني، والثانية بالانتخابات الرئاسية، والثالثة بالعدوان الإسرائيلي الدموي على قطاع غزة، والرابعة بالأوضاع الاقتصادية – الاجتماعية في مصر.
فعلى صعيد السياسات الداخلية المصرية، بدا هذا الفشل الذريع ظاهراً في القضايا الثلاث المشار إليها، التي ينظمها خط رابط يتعلق بأداء نظام الحكم في مصر وعلاقته بالمجتمع والنخب السياسية. ففي هذا العام انطلق الحوار الوطني الذي دعا إليه الرئيس عبدالفتاح السيسي في أبريل 2022، ليتحول إلى حقيقة مركزية في التطور السياسي المصري الداخلي.
وقد بدا مشهد افتتاح هذا الحوار يوم 3 مايو/أيار 2023، مهيباً ومشحوناً بالرسائل بالغة الأهمية، التي كانت أبرزها رسالة مزدوجة تخص جماعة الإخوان وإعلامهم. كانت الرسالة الأولى هي أن الألف شخص تقريباً الذين حضروا الافتتاح، كانوا هم بالضبط كل شركاء التحالف السياسي والوطني الذي أسقط حكمهم في 30 يونيو/حزيران مع ثورة الشعب المصري، وقد اجتمعوا معاً بعد سنوات من القطيعة والغياب. واكتملت هذه الرسالة بحقيقة أنه لم يرفض الحوار أو يغب عنه تقريباً أي قوة سياسية مصرية من كل الألوان، وبقي فقط لبعض الأفراد المعارضين تحفظاتهم المعلنة حول بعض تفاصيله.
وأما الرسالة الثانية، فقد كانت أيضاً واضحة وتأكدت بعقد عشرات الجلسات خلال فعاليات الحوار حضرها الآلاف وتحدث فيها المئات، من ممثلي كل تيارات وأطياف تحالف 30 يونيو من قوى سياسية ونقابية وأهلية وشبابية وغيرها، بصورة حرة وصريحة ومنقولة بمختلف وسائل الإعلام على الهواء مباشرة دون حذف أو منع أو رقابة.
تأكد فشل الجماعة وإعلامها بهاتين الرسالتين، فقد أخفقت تماماً في تصوير الحوار على أنه "مصطنع" وبين أنصار الحكم فقط، وانهارت كل محاولتهم لاختلاق حوارات موازية خارج مصر، لم ينضم إليها سوى نذر يسير منهم ومن حلفائهم خارج البلاد. وانهارت أيضاً توقعات وهجمات إعلام الجماعة على مدى حرية الحوار والمشاركين فيه في التناول شديد الصراحة لكل القضايا التي ناقشتها جلساته علناً، فلم يتم تجاهل ولا قضية واحدة من تلك التي رآها المشاركون في الحوار مهمة بغض النظر عن الموقف الرسمي منها. كذلك فإن إعادة الروح إلى شركاء 30 يونيو 2013 وإعادة بناء العلاقات والجسور فيما بينهم، خصوصاً مع تيارات وقوى سياسية واضحة المعارضة لكثير من سياسات الحكم في مصر، وعدم وجود تيار سياسي واحد رفض الحوار، كل هذا قد أطاح بأي أمل للجماعة ومساعٍ فاشلة من إعلامها خلال عام 2023، في استمالة بعض من هؤلاء إلى التحالف معها ولا حتى مجرد الاقتراب منها.
كان نجاح الحوار الوطني خلال عام 2023، ثم تأكيد رئيس الجمهورية في خطابه بعد الفوز بالانتخابات الرئاسية، على استمراره واستكماله بشكل أكثر فاعلية وعملية، هو الفشل الداخلي الأبرز الأول لجماعة الإخوان وإعلامها خلال العام المنصرم.
وسنكمل معاً – بإذن الله – بقية ملامح الفشل والإخفاق للجماعة وإعلامها.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة