اليوم هو بداية عام جديد، ويتوقع أن يكون عاماً مختلفاً عن العام الماضي، بل المؤشرات الميدانية تقول إنه ربما سيكون مختلفاً أيضاً عن عدة أعوام مضت حيث تدخل منطقة الشرق الأوسط عام 2024 وهي تمر بأحداث مفصلية وتطورات قد تغيّر تاريخ المنطقة.
التاريخ سلسلة من التطورات والأحداث المتراكمة وليس مقاطع منفصلة عن بعضها، لذا فإن الاختلاف المتوقع في العام الجديد هو نتاج تطورات وشواهد بدأت في الظهور قبل أن ينتهي العام الماضي 2023 الذي غادرنا يوم أمس فقط، لكن يسود الغموض تداعياتها وما قد يترتب عليها لاحقاً من أحداث أخرى ربما تتجاوز كثيراً وتختلف بشدة عما بدأت عليه. ما يجعل المستقبل في عام 2024 مفتوحا على كل الاحتمالات.
خلال العامين الماضيين، كانت السمة السياسية الغالبة على معظم الملفات والتطورات الإقليمية بالمنطقة، تتخذ مسارات واضحة. وتحديداً كانت تميل إلى التهدئة والتسوية فيما يتعلق بالقضايا والنزاعات القائمة والخلافات بين دولها. فكان التقارب أو على الأقل خفض التوتر هو الغالب على العلاقات بين دول الإقليم. مثل: إنهاء الأزمة الخليجية، والتهدئة في اليمن وليبيا وسوريا، إلى إنجاز تفاهمات مهمة وتاريخية بين المملكة العربية السعودية وإيران، وانتهاء بالاتفاقات الإبراهيمية واحتمالات حدوث سلام إقليمي شامل.
غير أن العام الماضي 2023 انتهى بتطورات مفاجئة ومتعارضة مع ذلك المد التصالحي الذي كان سائداً في المنطقة.
بالطبع أهم تلك التطورات وأكبرها كان اندلاع حرب غزة الذي يُعد ضربة قاصمة لموجة التفاؤل بمستقبل آمن لشعوب ودول الشرق الأوسط. ورغم أن جهوداً متواصلة تجري حالياً لإنهاء تلك الحرب وعلى الأقل حصرها في نطاقها الذي بدأت به في غزة، إلا أن التحديات أمام تلك الجهود قوية وصعبة. حيث بدأت تتحقق المخاوف من تدخل أطراف أخرى، مما يجدد احتمالات توسع نطاق الحرب وتفاقم تداعياتها وانعكاساتها السلبية على استقرار وأمن الإقليم ككل.
والدليل على القلق من توسعة تداعيات حرب غزة ذلك أن ميليشيات الحوثي في اليمن حاولت إقحام نفسها في الحرب الدائرة بين إسرائيل والفلسطينيين، فراحت ترسل طائرات مُسيرة تستهدف جنوب إسرائيل. وبعد فشل هذا العمل الاستعراضي، بدأت تلك المليشيات في ضرب بعض السفن التجارية المارة في المدخل الجنوبي للبحر الأحمر. فجاء التحالف الأمريكي- الغربي بتشكيل تحالف دولي لحماية السفن وتأمين حركة الملاحة هنا، كنتيجة طبيعية لذلك السلوك التصعيدي من جانب الحوثيين.
ولا شك أن لتلك التطورات أبعاداً متعددة وتداعيات على كافة الملفات والقضايا في الشرق الأوسط، بما في ذلك العلاقات الثنائية وطبيعة التحالفات بين بعض دول المنطقة. سواءً التي كانت قائمة أو الجديدة المحتملة. فقد أدت الحرب في غزة إلى خلط الأوراق وجعلت المنطقة برمتها مفتوحة على كل الاحتمالات. فقد سمحت تلك الحرب لمليشيات الحوثي في اليمن بادعاء البطولة والسعي إلى لعب دور إقليمي أكبر من حجمها وقدراتها التي لا تعدو كونها واجهة لإيران وأحد أذرعها الإقليمية.
الخشية في العام الجديد ألا تقتصر تلك التطورات المقلقة على ما يجري في البحر الأحمر، وبالفعل ازدادت وتيرة المناوشات العسكرية من جانب حزب الله على الحدود الشمالية لإسرائيل. وربما تتصاعد أيضاً الهجمات التي تتعرض لها القواعد الأمريكية في العراق.
وقبل كل ذلك، فإن العام الجديد يبدأ من واقع مذهل يختلف كلية عما كان في السابق. أبرز ما في ذلك الواقع المنذر بمزيد من الأحداث، تلك المفاجأة الضخمة التي أحدثتها حركة حماس ضد إسرائيل في 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي. الأمر الذي يعني وبشكل واضح إمكانية تكرار تلك المفاجأة إذا ما فشلت جهود القضاء عليها تماماً سواءً من حماس نفسها أو من غيرها من التنظيمات والمجموعات المسلحة في الشرق الأوسط، وليس بالضرورة ضد إسرائيل تحديداً وهذا هو.. الأكثر قلقاً.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة