الخفض الجبري لسعر الدولار في العراق.. تحذير من "انتحار اقتصادي"
يمضي العراق في طريق غير مألوف نسبيا عبر تطبيق خفض جبري على سعر صرف الدولار مقابل الدينار في البنك المركزي في أوج أزمة كبرى مرتبطة بارتفاع أسعار العملات الأجنبية.
ويحمل القرار بين ثناياه إيجابيات عديدة وفي الوقت نفسه مخاطر "انتحارية"، وفق الخبراء.
وقبل أيام، صدق مجلس الوزراء العراقي على طلب من البنك المركزي بتثبيت سعر صرف الدولار عند 1300 دينار للدولار الواحد.
وجاء القرار بينما تشهد أسواق العملات الأجنبية في بورصات العراق وفي الأسواق الموازية صعودا كبيرا في سعر الدولار إلى حد وصوله إلى نحو 1600 دينار للدولار.
مؤشرات إيجابية
وعقب التصديق على القرار، بدأ البنك المركزي العراقي منذ الخميس الماضي بعمليات بيع الدولار عند سعر 1300 للأشخاص والشركات بعد تقديم الأوراق اللازمة من قبل الزبائن بشأن الحاجة من اقتنائه والجهة المستفيدة.
والأوراق الثبوتية، إجراء يعتمده المركزي العراقي عقب فرض الولايات المتحدة قيودا على نافذة بيع العملة الأجنبية لدى البنك المركزي العراقي (المنصة الإلكترونية) تتضمن تقديم الوثائق والمستندات التي تبين أسباب الصرف وعناوين الجهة الراغبة والمستفيدة في مسعى لوقف عمليات تهريب تستهدف استنزاف عملتها نحو إيران وسوريا.
وبلغت مبيعات البنك المركزي العراقي الإجمالية من العملة الصعبة للدولار خلال الأسبوع الماضي أكثر من 421 مليون دولار، بزيادة 6.33% عن الأسبوع الذي سبقه.
وقد أدى هذا الأمر إلى تراجع سعر الدولار في السوق السوداء والبورصات خلال الأيام الثلاثة الماضية، ليسجل 1445 دينارا للدولار الواحد كسعر شراء، فيما بلغ معدل سعر البيع 1450 دينارا.
وقبل أزمة الدولار قبل أكثر من 3 أشهر كان السعر الرسمي للدولار في العراق 1446 دينارا والسعر في السوق الموازي 1449 دينارا.
مخاطر "انتحارية"
مع ذلك، يُنظر إلى خطوة خفض السعر الرسمي للدولار باعتبارها "ثغرة" يمكن أن ينفذ منها تجار العملة المحترفون، فيتسببون في استنزاف احتياطيات البنك المركزي وتحقيق أرباح كبيرة منها عقب إعادة بيعها في السوق السوداء.
ويستند البنك المركزي العراقي إلى احتياطيات أجنبية كبيرة تقارب 115 مليار دولار، وقد زادت تلك الاحتياطيات بفعل تنامي إيرادات النفط في عام 2022.
ورصد مراسل "العين الإخبارية" عدة مؤشرات على السيناريو المحتمل لـ"تجفيف الاحتياطيات الأجنبية" وإعادة بيع دولار البنك المركزي الرخيص بأسعار فلكية في السوق السوداء.
وخلال جولة في بورصات العملة والأسواق، رصدت "العين الإخبارية" إقبال التجار على شراء الدولار فقط مع الامتناع تماما عن بيعه، فيما تمتد الطوابير الطويلة أمام المنافذ التي يمكن من خلالها شراء دولار البنك المركزي بسعر أقل من السوق.
وحال استمر وضع كهذا، وفي ظل الفوارق الكبيرة بين السعر الرسمي والموازي، وبين سعر البيع والشراء في السوق السوداء، قد يحدث أن تتراجع قدرة المركزي على توفير الدولار ثم يعود التجار لبيع ما بحوزتهم بأسعار أعلى بكثير في وضع قد يؤدي إلى حال أسوأ.
كذلك، فإن تواجد مثل تلك التلاعبات قد يؤدي إلى عدم وصول الدولار إلى المستوردين أو أصحاب الحاجات الحقيقية وبالتالي يتبدد الهدف الذي يبيع من أجله "المركزي العراقي" دولارا بسعر رخيص.
عودة إلى الوراء؟
الخبيرة الاقتصادية سلام سمسيسم حذرت من تداعيات قرار خفض سعر الدولار وتعارض ذلك مع السياسة العامة للبلاد ما بعد 2003.
وأشارت إلى أن العراق ما بعد سقوط النظام السابق "تخلى عن سياسة تقييد سعر الصرف الى نظام حرية الصرف"، فيما تساءلت ما اذا كان "العراق قد تراجع وقرر العودة إلى النظام السابق".
فيما استبعد الأكاديمي المختص بالشأن الاقتصادي، نبيل المرسومي ، أن يكون القرار خرقا للسياسة المالية للعراق.
ويوضح المرسومي لـ"العين الإخبارية" أن "العملة العراقية ليست ضمن التعويم الحر، بمعنى أنها لا تخضع لعمليات العرض والطلب وإنما تحدد بسعر صرف ثابت من قبل سلطة البنك المركزي".
إلا انه ورغم ذلك لا يحبذ الذهاب نحو تغيير أسعار الصرف خلال مدد قصيرة، مع أنها إحدى أدوات الدولة لمواجهة التضخم إلا أن لها انعكاسات سلبية ومؤثرة على مستوى تحقيق الاستقرار المالي والنقدي.
وكانت الحكومة العراقية عمدت إلى رفع قيمة صرف الدولار أمام الدينار العراقي بنسبة 15% وتثبيته ضمن موازنة عام 2021، على وقع أزمة اقتصادية خانقة كانت تعيشها البلاد جراء انخفاض أسعار النفط العالمية.
ويواصل المرسومي "اللجوء إلى التغيير المستمر لأسعار الصرف الرسمي سيكون له كلف عالية إذا ما أخذنا التجربة العراقية بعد القرار الأخير التي تفرض خسارة نحو 14 تريليون دينار بما يعادل 12 مليار دولار سنوياً نتيجة نفقات مقومات العملة، وهو ما يرفع زيادة العجز في الموازنة والاضطرار للذهاب باتجاه الاقتراض".
فضلاً عن ذلك، كما يوضح الأكاديمي المختص "أن تبعات ذلك ترفع من القيمة الحقيقية للديون المحلية وكذلك تترك تأثيرها على البيئة الاستثمارية في البلاد جراء عدم الاستقرار".
سيناريو الفوضى.. مستبعد؟
ومع ذلك، يقول المستشار المالي لرئيس الوزراء مظهر صالح، في تصريحات لـ"العين الإخبارية"، أن البنك المركزي سيتخذ جملة من الإجراءات اللاحقة بغية السيطرة على ضبط سعر صرف الدولار في السوق الموازي ومقاربته مع السعر الرسمي، لا سيما مع تحسن معايير الإفصاح للبنوك والمصارف التي تطلب عملة أجنبية لغرض تمويل التجارة.
ويشيد صالح بـ"حزمة الإصلاحات الأخيرة التي طرحها المركزي بهدف مواجهة ارتفاع سعر صرف الدولار أمام الدينار، والتي تضمن إذابة عراقيل التحويل الخارجي، وشراء عقارات وتحويل أرباح وغيرها".
ويلفت إلى أن "تحرير الحساب الجاري لميزان المدفوعات يعد خطوة إيجابية وتنسجم مع علاقتنا مع البنك الدولي".
وعلى وقع تلك المتغيرات، توعد رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، اليوم السبت، المهربين والمضاربين بالمواجهة الحازمة.
السوداني وخلال اجتماع مع اتحاد الغرف التجارية ورابطة المصارف العراقية، شدد على أن "عجلة الإصلاح الاقتصادي ماضية إلى الأمام، بوصفه واحداً من أولويات المنهاج الوزاري للحكومة. مؤكدا أن من يراهن على العودة إلى الوراء وممارسة التهريب ومخالفة القوانين والتعليمات رهانه خاسر".
وتابع بالقول :"الحكومة وجميع أجهزتها المختصة ستواجه وبحزم كل المهربين والمضاربين، ومن يعرقل سير الإصلاح ويلحق الضرر بالاقتصاد العراقي ويؤثر في الوضع المعيشي للمواطنين".