انتهت، قبل يومين، الانتخابات الرئاسية في إيران بفوز المرشح الإصلاحي مسعود بزشكيان بمنصب رئيس الجمهورية.
ولما كان الفارق في الأصوات بينه وبين المرشح المحافظ سعيد جليلي أقل من 4 ملايين من بين 30 مليون ناخب، فإن الحديث عن تغيير منتظر في السياسة الإيرانية بتولي وجه إصلاحي، فيه مبالغة أو ربما رفاهية في التفاؤل.
فالتقارب في النسبة بين الأصوات يعني أن الرئيس الجديد قد حاز أكثر قليلاً من نصف أصوات الناخبين، ما يجعله دائماً تحت متابعة ورقابة من النصف الآخر. وفي دولة كإيران ترتفع فيها نسبة شريحة الشباب في المجتمع، فإن موقفهم من النظام السياسي، خصوصاً آليات المشاركة السياسية، ينعكس بشدة على مدى إقبال تلك الشريحة على التصويت في الاستحقاقات السياسية، حيث ينظر الشباب للقوانين والشروط المنظمة للانتخابات الرئاسية بصفة خاصة، على أنها قيود تفرغ الاستحقاق الانتخابي من مضمونه.
ولهذا كانت نسبة المشاركة في الانتخابات الرئاسية الأخيرة أقل من 50%، الأمر الذي يعني بدوره أن نصف المجتمع لم يُدلِ بصوته ولم يعطِ رأيه في الاختيار بين بزشكيان وجليلي. وهذا النصف موزع بين أولئك الشباب المستائين من مجمل الأوضاع، والكبار الذين يؤيد معظمهم بشكل تقليدي التيار المحافظ والأصوليين.
وأساساً، تنحصر مساحة حركة أي رئيس إيراني في حدود ما تسمح به صلاحيات المنصب. ومعروف في النظام الإيراني أن الرئيس ليس هو السلطة الأعلى، بل ولا حتى الثانية. فموقع الرئيس في هيكل الحكم بإيران، أقرب إلى استكمال الشكل الظاهري القريب من النظم الغربية، في الاسم وليس في المضمون.
والرئيس في إيران ليس إلا منصباً تنفيذياً وبصورة جزئية وليست مطلقة. أي أنه يدير حركة العمل الحكومي ويقود منظومة المؤسسات التنفيذية، لكنه لا يملك حتى الصلاحيات الكاملة في هذا النطاق، وإنما يتقيد دستورياً بسلطات أعلى وصلاحيات أشمل وأكثر فاعلية تتمتع بها مؤسسات أخرى، تبدأ من السلطة العليا للمرشد صاحب الصلاحيات المطلقة والمفتوحة دستورياً وفعلياً. مروراً بمجلس الوصاية على الدستور ومجلس تشخيص مصلحة النظام ومجلس الأمن القومي؛ وهي المؤسسات ذات اليد العليا في السياسات العامة والمرجع النهائي في رسم توجهات واستراتيجيات الدولة.
ويعمل الرئيس أيضاً تحت متابعة مجلس الشورى (البرلمان) وهيئة القضاء، وهما المؤسستان الأقرب إلى دور الرقيب والمحاسب على العمل التنفيذي للحكومة ورئيسها.
وليس أدل على التحليل السابق من التجربة الواقعية في التاريخ القريب لإيران. وهي تجربة الرئيس الأسبق محمد خاتمي، الذي تولى الرئاسة لفترتين متتاليتين (1997 – 2005). ويمكن وصف خاتمي بأنه أكثر الرؤساء الإيرانيين "إصلاحية" بمعنى أنه الأشد انفتاحاً وإقبالاً على التحديث والتطوير وتجديد دماء الجمهورية الإسلامية سياسياً واقتصادياً وثقافياً. بل ربما تمر عقود أخرى قبل أن يأتي على إيران رئيس بتوجهات إصلاحية وأفكار ليبرالية منفتحة على العالم، مثل محمد خاتمي. فهو أقرب لأن يكون مفكراً منه أن يكون سياسياً، وتولى منصب الرئيس بروح المثقف لا بروح رجل الدولة.
لذا حظي خاتمي باحترام العالم، وكانت له مبادرات مشهودة، من أهمها الدعوة الشهيرة التي أعلنها في الأمم المتحدة إلى الحوار بين الحضارات. وكذلك محاولاته تحسين علاقات إيران الخارجية، خصوصاً في العلاقة مع الولايات المتحدة الأمريكية، وأيضاً مع المحيط الإقليمي لإيران.
ورغم كل ذلك، لم تكن المحصلة الفعلية لفترتي رئاسة خاتمي على مستوى التوقعات، ليس لتقصير منه وإنما بسبب ما تعرض له من ضغوط داخلية شديدة. شملت استهداف وزرائه وملاحقتهم برلمانياً وقضائياً حتى تمت إقالة أحدهم وإحالة آخر إلى المحاكمة. ورفض البرلمان مشروعات قوانين ثورية كان أهمها "القانون المزدوج" الذي كان سيقلص صلاحيات مجلس الوصاية ويوسع صلاحيات الرئيس.
وفي عهد خاتمي تعرض قادة إصلاحيون إلى محاولات اغتيال، وأغلقت 20 صحيفة إصلاحية في يوم واحد بقرار قضائي. ووصلت محاصرة الدولة العميقة لخاتمي إلى اعتقال طلاب جامعيين قبل وصول خاتمي للقائهم بساعات.
ربما يكون مسعود بزشكيان أكثر حنكة سياسية من خاتمي المثقف غير المسيّس، فقد قال بزشكيان عقب إعلان فوزه بالرئاسة: "سنمد يد الصداقة للجميع، نحن جميعنا شعب هذا البلد". في إشارة إلى أنه لن يخوض مواجهة مفتوحة ضد خصومه، وسيعمل من منطلق التعاون وليس الصراع، ربما ليتمكن من إدخال إصلاحات أو تغييرات يقبلها النظام ولا تعرقلها المؤسسات الأخرى الأقوى منه. لكن يجب ألا ننسى مقولة كان خاتمي يكررها دائماً "الإصلاحات يجب أن تأتي من داخل النظام". فهل سينجح بزشكيان في ترجمة تلك المقولة وإحداث تغيير يريده الإيرانيون أنفسهم قبل غيرهم؟ لننتظر ونرى.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة