في ذكرى زلزال 92 وتوابعه.. هل يمكن أن تسبب التغيرات المناخية مزيد من الزلازل؟
هل هناك علاقة بين التغيرات المناخية وحدوث الكوارث الطبيعية مثل الزلازل؟ هل أثبتت الدراسات أن الزلازل تسبب التغيرات المناخية أم العكس؟
أثبتت بعض الدراسات أن درجة الحرارة تختلف باختلاف سرعة الموجات الزلزالية، بمعني أن الزلازل يمكن أن تساهم بشكل كبير في تغير المناخ – إلا أن هناك جدل صريح حول التغيرات المناخية وعلاقتها بالكوارث الطبيعية مثل الزلازل والعواصف والأعاصير والفيضانات والبراكين. فعلي الصعيد الآخر، أثبتت دراسات أخري أن سبب المخاطر البيئية يعود إلى التغيرات المناخية، أي أن تغير المناخ يؤثر بشكل رئيسي على تزايد الكوارث الطبيعية. إذن.. ما هي الحقيقة وراء العلاقة بين التغيرات المناخية والزلازل؟ وما هو السيناريو الأصح حول هذه العلاقة؟ في هذا المقال، نناقش العلاقة بين التغيرات المناخية والزلازل، كذلك نوضح دور الدول في معالجة التغيرات المناخية والذي يعتبر محور اهتمام ملحوظ تم إدراجه ضمن جدول أعمال مؤتمر المناخ ٢٠٢٢ (COP27) المتوقع انعقاده بمدينة شرم الشيخ في الفترة بين ٦-١٨ نوفمبر.
الحقيقة وراء التغيرات المناخية وعلاقتها بالزلازل
يقصد بتغير المناخ التغيرات طويلة الأجل في درجة الحرارة وحالة الطقس بوجه عام. قد يحدث هذا التغير المناخي لأسباب طبيعية مثل التغير في الدورة الشمسية، وقد تحدث نتيجة تدخل الانسان في الطبيعة من خلال حرق الوقود الأحفوري مثل الفحم والنفط والغاز مما يجعله المسبب الرئيسي لتغير المناخ. حيث يتسبب احتراق الوقود في تزايد انبعاثات الغازات الدفينة التي تعمل كغطاء يلتف حول الكرة الأرضية، مما يتسبب في حبس حرارة الشمس ورفع درجة الحرارة. ولكن، هل هذا التغير المناخي يتسبب في حدوث مزيد من الزلازل؟
تغير المناخ يزلزل الأرض
في الواقع، هناك علاقة طردية بين التغيرات المناخية والزلازل حيث يتغير المناخ بنسبة طردية مع قوة الزلازل والعكس صحيح. وقد أوضح لوط بوناطيرو، العالم الفلكي والجيوفيزيائي بدولة الجزائر، أن الارتفاع المفاجئ لدرجات الحرارة قد يكون من أكبر العوامل المؤدية إلى حدوث الزلازل بسبب تأثير درجة الحرارة المرتفعة على سخونة الطبقة الأرضية والتي تزيد من نشاط الصفائح التكتونية للأرض مما ينتج عنه نشاط زلزالي غير مستقر.
بالإضافة إلى ذلك، نجد عام ٢٠٢٢ ملئ بموجات عنيفة من التغيرات المناخية وغضب واضح من الطبيعة بسبب تدخل الانسان وبهذا أصبح العالم يواجه ضغوطات متزايدة متمثلة في موجة الحرائق إلى جانب الفيضانات والزلازل. هذا ما أكدته الأمم المتحدة في مؤتمر الأطراف لتغير المناخ محذرة العالم بما يشهده الآن من أوضاع صعبة وشديدة التأثر بتغير المناخ، موضحه أيضاً ضرورة التكيف مع التغيرات المناخية واستعداد الدول لمواجهة تلك الكوارث الطبيعية الناتجة عن تغير المناخ.
غضب واضح من الطبيعة بسبب تدخل الإنسان
وعلي سبيل المثال، أعلنت السلطات التايوانية عن وقوع زلزال بلغت شدته ٧.٢ ريختر يوم الاحد الموافق ١٨ سبتمبر ٢٠٢٢ وبالتالي قامت الدولة بنشر الوعي بين الشعب التايواني والتحذير من القرب إلى الساحل الشرقي لتايوان الذي يكون نقطة تمركز الهزات الأرضية، موضحه أن المياه في الساحل قد تصل إلى ارتفاع تسونامي إلى ما يقرب إلى متر واحد.
كذلك الحال في اليابان، حيث ضرب إعصار نانمادول جزيرة كيوشو جنوب اليابان في يوم الاحد الموافق ١٨ سبتمبر ٢٠٢٢ والذي كان مصحوباً برياح قوية وأمطار غزيرة بلغت سرعتها ١٦٢ كيلومتراً في الساعة. هذا بالإضافة إلى الكوارث التي تحدث في وسط آسيا والصين والسودان وألاسكا وكاليفورنيا وغيرها من البلاد التي تواجه موجة عارمة من تغير المناخ المتسبب في غضب الطبيعة والذي يكون على شكل فيضانات وحرائق وزلازل وأعاصير مدمرة.
سيناريوهات محتملة حول التغيرات المناخية
كشف الدكتور السيد صبري، استشاري التغيرات المناخية والتنمية المستدامة بمصر، عن دراسة تشير إلى أن تغير المناخ يهدد بغرق ٤٨ مدينة ساحلية حول العالم، موضحاً وجود سيناريوهات محتملة خاصة بالتغيرات المناخية منها المتفائلة ومنها المتشائمة، كما قال خلال مكالمة هاتفية في برنامج تابع للقناة الفضائية اكسترا نيوز أن المدن المنخفضة عن سطح البحر هي الأكثر تهديداً لتغيرات المناخ مثل محافظة البحيرة بمصر. وفي هذا الصدد، كشف الرئيس عبد الفتاح السيسي عن العديد من التفاصيل الخاصة بتأثير التغيرات المناخية على الدول وهذا من خلال الاجتماع المغلق لرؤساء الدول والحكومات حول تغير المناخ. وأكد الرئيس على ضرورة التعاون العالمي بين البلاد لمواجهة أكبر تحدي يهدد الكوكب بأكمله وهو تغير المناخ.
الاحتباس الحراري وتغير المناخ
وجاء سيناريو أخر أوضح أن الاحتباس الحراري يزيد من ذوبان الجليد في جميع أنحاء العالم، مما يؤدي إلى ارتفاع مستويات سطح البحر، وبالتالي ظهور مشاكل هبوط الأرض في ٤٨ مدينة ساحلية والتي تعتبر من أكبر المدن في العالم. وقد بدأت هذه المشكلة في الظهور بالتزامن مع ظهور الظواهر المناخية المعتادة المتمثلة في الكوارث الطبيعية مثل الزلازل والبراكين، إلا أن معدل حدوثهم أصبح متكرر ومدمر في نفس الوقت لبعض البلاد. هذا بالإضافة إلى الظواهر المناخية الغير معتادة مثل الجفاف والسيول حيث تؤثر التغيرات المناخية على المياه والمناخ والحرارة.
إجراءات عالمية للتكيف مع تغير المناخ
وقد أكد الدكتور ماهر عزيز، استشاري المناخ والخبير البيئي، أن هناك أجندة جديدة سوف يتم عرضها في مؤتمر المناخ ٢٠٢٢ والتي تتضمن الإجراءات الواجب اتباعها من قبل جميع الدول على مستوي العالم، كذلك مجال التكيف مع التغيرات المناخية المتسببة في وجود اضرار جسيمة على الدول وبالتالي تصبح الدول مستعدة لأي كارثة – مثلما حدث في فيضان نهر النيل بشكل غزير جداً خلال هذا العام، إلا أن أثيوبيا استطاعت حجز ١٦ مليار متر مكعب من المياه مما أدي إلى عدم تأثر مصر بشكل كبير وعلى الجانب الآخر حدث جفاف في جنوب أثيوبيا – وهذا ما يوضح وجود سيناريوهات متفائلة ومتشائمة في نفس الوقت فيما يتعلق بموضوع التغيرات المناخية وتأثيرها على الدول.
للمزيد طالع: كل ما يخص مؤتمر المناخ كوب 27 في شرم الشيخ 2022.
زلزال القاهرة ٩٢ وصحة علاقته بتغير المناخ
يعد زلزال القاهرة ٩٢ من أكثر الزلازل تأثيراً على القاهرة بعد زلزال عام ١٨٤٧ م، والذي حدث في عصر يوم الاثنين الموافق ١٢ أكتوبر ١٩٩٢ م في تمام الساعة الثالثة و٩ دقائق عصراً تقريباً بقوة ٥.٨ ريختر وكان مركزه السطحي بالقرب من مدينة دهشور التي تبعد عن محافظة القاهرة ٣٥ كيلومتراً، مما تسبب في تدمير غير مسبوق للكثير من المباني ووفاة الكثير من الأشخاص. وشهدت مصر عدة توابع لزلزال ٩٢ استمرت لمدة أربع أيام متتالية، ويتوقع تكرار هذا الزلزال كل ٧٥ أو ١٠٠ سنة كما أوضح دكتور جاد القاضي، رئيس المعهد القومي للبحوث الفلكية والجيوفيزيقية (NRIAG).
زالزال أكتوبر 92 يتكرر في أكتوبر 2021
والجدير بالذكر، حدوث زلزال آخر يوم ١٢ أكتوبر عام ٢٠٢١ بقوة ٦.١ ريختر هز مصر بأكملها تزامناً مع ذكري زلزال ٩٢ المدمر ولم ينتح عنه أي خسائر في الأرواح أو الممتلكات نظراً لجهود الدولة المصرية في التصدي لأي كارثة متوقع حدوثها. وقد أكد الدكتور جاد القاضي على عدم وجود علاقة بين الزلزالين مشيراً إلى عدم منطقية وجود مصطلح "موسم الزلازل" خاصة في مصر. ولكن يبقي التساؤل الآن حول علاقة الزلازل بالتغيرات المناخية – هل هي صحيحة أم مفهوم مغلوط لدي الكثير منا؟
الزلازل والبراكين غضب من الطبيعة أم ظواهر طبيعية حتمية؟
أكد الدكتور على قطب، أستاذ المناخ بجامعة الزقازيق، أن الزلازل والبراكين ما هي إلا طاقة كامنة داخل باطن الأرض نتيجة للإشعاعات الشمسية حيث يتزامن حدوث الزلازل مع انخفاض الضغط الجوي ومن هنا تحدث الزلازل الأشد عنفاً كلما كانت التغيرات المناخية شديدة. كما أضاف أن الكوارث الطبيعية مثل الزلازل والبراكين هي ظواهر طبيعية لا يتدخل الانسان بها، ومن المتوقع أن الظواهر الجوية تزداد عنفاً خلال السنوات القادمة بسبب زيادة نسبة غازات الكربون وغازات الاحتباس الحراري في العالم كله. ومن هذا المنطلق، نجد وجود علاقة طردية بين شدة التغيرات المناخية ومدي عنف الزلازل.
هل ستشهد مصر زلزال آخر؟
وأخيراً وفيما يتعلق بالزلازل داخل مصر، يتم تصنيف مصر من أبعد الدول للحزمة الزلزالية، حيث أن هناك ٧ أحزمة زلزالية معروفة على مستوي العالم ولحسن الحظ مصر بعيدة كل البعد عن هذه الحزم – إلا أن مصر قريبة من بعض المناطق النشطة زلزالياً مثل خليج السويس والبحر الأحمر وخليج العقبة مما يتسبب في حدوث زلازل متوسطة القوي داخل محافظات مصر. وبفضل مرونة المجتمع المصري في تلقي الصدمات، تستطيع مصر تفادي أي كارثة لا قدر الله كما تعمل الدولة المصرية على تقليل الخسائر الناتجة عن تغير المناخ قدر الإمكان من خلال دراسة الوضع الحالي ووضع استراتيجية فعالة لتخطي الازمات في المستقبل.
aXA6IDMuMTQ5LjI0LjE0NSA= جزيرة ام اند امز