عام 2025.. جيش السودان يشهر سلاح «الإغاثة» ويغلق المعابر
بينما كان ملايين السودانيين يئنون بمخيمات النزوح وسط أوضاع إنسانية متردية، أشهر الجيش سلاح المساعدات الإنسانية لأغراض الدعاية السياسية.
وعلى الرغم من كل النداءات الدولية والإقليمية الداعية لإنهاء الأزمة الإنسانية في السودان، إلا أن المعابر التي يسيطر عليها الجيش السوداني ظلت حائط صد عنيدًا أمام تدفق المساعدات الإغاثية للمحتاجين. وهو الأمر الذي ظل يصفه المراقبون والخبراء باعتباره استخدام الملف كـ"سلاح" بهدف إطالة أمد الحرب.
وعود كاذبة
وفي مارس/آذار العام الماضي، كانت وزارة الخارجية السودانية في بورتسودان قد أصدرت بيانًا رسميًا حدّدت فيه مسارات إدخال المساعدات الإنسانية من دول الجوار، معلنة عن موافقة قيادة الجيش السوداني على خارطة هذه المسارات.
آنذاك قالت الخارجية السودانية إنها أخطرت الأمم المتحدة بموافقة الحكومة في "بورتسودان" على استخدام معبر "الطينة" من تشاد إلى الفاشر – عاصمة ولاية شمال دارفور غربي السودان – لدخول المساعدات الإنسانية المحددة، بعد الاتفاق على الجوانب الفنية بين الحكومتين السودانية والتشادية ووفقًا لقرار مجلس الأمن رقم 1591.
وأضافت أنها وافقت على استخدام معبر الطينة رغم أن "حدود السودان مع تشاد باتت خط الإمداد الأول لقوات الدعم السريع بالسلاح والمؤن والمرتزقة" – حسب بيان وزارة الخارجية السودانية حينها.

وكذلك رصدت "العين الإخبارية" بيانًا صادرًا من مجلس السيادة السوداني في أبريل/نيسان الماضي، حيث أكد البيان موافقة "حكومة السودان" على طلب الأمم المتحدة بإقامة قواعد إمداد لوجستية حول الفاشر لتسهيل العمل الإنساني في مناطق "مليط وطويلة" بولاية شمال دارفور.
ووقتها لم تكن الفاشر تقع تحت سيطرة قوات الدعم السريع، إلا أن الواقع الإنساني للنازحين من الفاشر إلى "طويلة" ظل يحكي عن مأساة إنسانية تجري تحت أنظار ومسامع الجيش السوداني وحلفائه، مثلما درجت المنسقية العامة لمخيمات النازحين واللاجئين في السودان على توثيقه باستمرار.
واعتبر مراقبون تحدّثوا لـ"العين الإخبارية" أن قيادة الجيش السوداني تعمّدت "خداع" المسؤولين الدوليين بتقديم وعود وتعهدات يكذبها الواقع الماثل على الأرض.
ما هي المعابر التي يسيطر عليها الجيش؟
وتظهر خارطة المعابر السودانية التي يمكن أن تدخل عبرها المساعدات الإنسانية، بحسب الجهة التي تتحكم بها، سيطرة الجيش على معبري "أرقين" و"أشكيت" شمالًا في الحدود مع مصر، وكذلك معبر "الرنك" النهري في الحدود مع دولة جنوب السودان، بالإضافة إلى المعبر الرئيسي في البحر الأحمر حيث الميناء البحري، ومطار بورتسودان، وكذلك مطار "كسلا" في الشرق.
وتسيطر القوات المشتركة المتحالفة مع الجيش السوداني على معبر "الطينة" في الحدود مع دولة تشاد، بينما يقع معبر "أدري" في الحدود التشادية تحت سيطرة قوات الدعم السريع، إلا أن قيادة الجيش السوداني ظلت ترفض فتح معبر "أدري" بحجة استخدامه في توصيل الإمداد والمعدات العسكرية لقوات الدعم السريع، في الوقت الذي ظلت قيادة الجيش السوداني تتمسك فيه بتوصيل المساعدات عبر معبر "الطينة" في شمال دارفور.
وكانت منسقة الطوارئ الإقليمية لبرنامج الأغذية العالمي في السودان، بيتي كا، قد حذرت في تصريحات سابقة من ما وصفته بـ"نفاد الوقت"، مشيرة إلى أن حكومة الجيش السوداني تمانع فتح معبر "أدري" رغم علمها بأن معبر "الطينة" في موسم الأمطار يصبح معيقًا لحركة تسيير القوافل الإنسانية.
حصيلة ضعيفة
الخبير الدولي للعمل الإنساني في السودان، صلاح الأمين، أشار خلال حديث سابق لـ"العين الإخبارية" إلى أن قضية إيصال المساعدات الإنسانية في السودان تواجه تعقيدات بالغة بسبب "خلط" ما بين الأمني والسياسي والإنساني لدى أطراف الصراع.
ولفت إلى أهمية أن تكون هناك عملية إنسانية شاملة وبمركز واحد وتنسيق عالٍ مع كل الأطراف وبتدخلات دولية وإقليمية.
وحول الكيفية التي ينبغي أن يتم عبرها إيصال المساعدات، قال الأمين: "الأضمن أن يتم توصيل المساعدات من خلال التشبيك بين المجتمعات المحلية على الأرض: غرف طوارئ، تكايا، مبادرات محلية، على أن تقوم الجهة المسيطرة باستخراج أذونات التحرك والتأمين والتنسيق فقط"، واصفًا وصول المساعدات بأنه "ضعيف جدًا".
وأشار إلى أن ما تم تغطيته هو 6% فقط من المستهدف، بسبب أن المنظمات الدولية تحبذ العمل في وضع يساعدها على إيصال المساعدات.
تسويف ومماطلة
المحلل السياسي والكاتب الصحفي المختص بقضايا المجتمع المدني، كمبال عبدالواحد، أشار في تصريح لـ"العين الإخبارية" إلى أن "فشل" العاملين في المجال الإنساني في الحصول على التصاريح اللازمة لمرور المساعدات الإنسانية يعود إلى أن الجيش السوداني ظل يمارس "التسويف والمماطلة" في إصدار التصاريح، تحت ذريعة أن "شحنات" الإغاثة قد تكون مجرد "تمويه" لعبور الأسلحة.
وقال إن المنظمات العاملة في المجال الإنساني نوهت في كثير من المناسبات إلى أنها تواجه صعوبات "بالغة" وعراقيل كبيرة أسهمت في تدهور العملية الإنسانية بشكل واضح، موضحا أن منظمات الإغاثة ظلت تطالب بضرورة فتح المعابر وتأمينها وتوفير ممرات إنسانية آمنة، إلى جانب تعزيز الدعم الدولي لتلبية الاحتياجات المتزايدة للنازحين داخل وخارج دارفور، وسط تجاهل كبير من قبل سلطة "الأمر الواقع" في بورتسودان – بحسب حديثه.
واقع مأساوي
وقبل أن تتمكن قوات الدعم السريع من بسط سيطرتها على الفاشر في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، شهدت مناطق النزوح في شمال دارفور أوضاعًا إنسانية بالغة التعقيد، بسبب استخدام الجيش السوداني وحلفائه لسلاح "الإغاثة" ضد المدنيين في مناطق النزوح حول الفاشر.
وكان الناطق باسم المنسقية العامة لمخيمات النازحين واللاجئين في السودان، آدم رجّال، قد رسم صورة قاتمة للأوضاع الإنسانية في مناطق النزوح، قائلا في تصريحات سابقة لـ"العين الإخبارية" إن "تدفق النازحين استمر بشكل جماعي من مخيمي زمزم وأبو شوك نحو منطقة طويلة بشمال دارفور، حيث استضافت منطقة طويلة أكثر من مليون ونصف نازح، وأن هذا النزوح لم يتوقف عند حدود طويلة، بل امتد إلى جبل مرة، فنقا، دربات، روكرو، قولو، نيرتيتي، ومناطق أخرى في ولايات دارفور".
وأضاف أن "الوضع الإنساني بمخيمات النازحين في دارفور بلغ مرحلة بالغة الخطورة، حيث يفقد الناس حياتهم يوميًا بسبب الجوع والعطش والمرض، ويأتي ذلك نتيجة للأوضاع المعقدة التي تمر بها البلاد، والظروف القاسية التي يعيش فيها النازحون في مخيمات أشبه بالمعتقلات، يعانون من مآسٍ منسية وآلام ممتدة في ظل انهيار شبه كامل للخدمات الأساسية".
وأشار إلى أن استخبارات الجيش السوداني والقوات المشتركة ظلت تقوم باعتقال النشطاء والقيادات في بعض المخيمات، وتمنع النازحين من مغادرة المخيمات، مثلما حدث في مخيم "أبوشوك" شمالي الفاشر.
aXA6IDIxNi43My4yMTYuMTAzIA== جزيرة ام اند امز