انتخابات إسرائيل تكشف انقسام بين المتدينين والعلمانيين
تنامي قوة الأحزاب الدينية يخيف العلمانيين الإسرائيليين من دفعهم التدريجي باتجاه تطبيق الشريعة اليهودية.
في الساعات الأولى من فجر الأربعاء كانت القاعتان المخصصتان لاحتفالات النصر لحزبي "الليكود" بزعامة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو و"أزرق أبيض" برئاسة بيني جانتس فارغة تقريبا إلا من عدة مئات من المناصرين.
كانت نتائج العينات التلفزيونية للانتخابات الإسرائيلية، الثلاثاء، تشير إلى عدم نجاح "الليكود" أو "أزرق أبيض" بتحقيق الأغلبية المطلوبة للنصر، ولذلك فلم يسارعا إلى الاحتفال.
ولكن الوضع لم يكن كذلك في القاعة المخصصة لاحتفال حزب “شاس" الديني اليهودي؛ إذ اصطف آلاف من أنصار الحزب بملابسهم الدينية وهم يتراقصون ويهتفون فرحا بعد الأرقام من 1 إلى 9.
و9 هو عدد المقاعد التي حصل عليها الحزب في الانتخابات بارتفاع مقعد واحد عن النتائج التي حققها في الانتخابات التي جرت في أبريل/نيسان الماضي.
وحاول زعيم حزب "شاس" ووزير الداخلية أرييه درعي مرارا وتكرارا وقف الاحتفال لكي يتمكن من الحديث ولكن عبثا؛ فالاحتفال تواصل لساعات.
وتمثل الأحزاب الدينية اليهودية نحو عشر المجتمع الإسرائيلي ولكن نفوزهم آخذ بالازدياد.
ووسط عدم وجود أحزاب قادرة على تشكيل حكومات، تلجأ الأحزاب الكبيرة في معظم الأحيان إلى عقد تحالفات مع الأحزاب الصغيرة، بينها الدينية، من أجل تشكيل ائتلافات حكومية.
وثمة أسباب عديدة دفعت للأزمة السياسية في إسرائيل بينها ملفات الفساد الموجهة إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ولكن كان يمكن تفادي هذه الأزمة التي قادت إلى عمليتين انتخابيتين هذا العام لو لم يكن هناك انقسام بين المتدينين والعلمانيين في إسرائيل.
فنتنياهو أخفق في شهر مايو/أيار الماضي في تشكيل حكومة بعد خلاف بين الأحزاب الدينية وحزب "إسرائيل بيتنا" اليميني برئاسة وزير الدفاع السابق أفيجدور ليبرمان.
وفيما أراد ليبرمان التزاما من نتنياهو بالمصادقة على قانون "التجنيد" الذي يلزم المتدينين بالخدمة العسكرية، وهو المطلب الذي رفضه الحزبان الدينيان "شاس" و"يهودوت هتوراه"، فاضطر نتنياهو للدفع نحو انتخابات جديدة.
وتقول الأحزاب الدينية إن واجب الشبان المتدينين هو دراسة التوراة وليس الخدمة في الجيش.
ولولا استمرار هذا الخلاف لتمكن نتنياهو من تشكيل حكومة بعد الانتخابات التي جرت الثلاثاء؛ إذ إن كتلة اليمين والمتدينين مع حزب “إسرائيل بيتنا" تحصل على 63 مقعدا وهو أعلى من الحد الأدنى المطلوب لتشكيل حكومة.
ولكن بدون "شاس" و"يهودوت هتوراه" لا يمكن لنتنياهو تشكيل حكومة حتى لو انضم ليبرمان إليه.
وقال ليبرمان، الجمعة: "إن الأحزاب الأرثوذكسية المتطرفة ليست عدوا، لكنها خصم سياسي. نحن نتبع مناهج مختلفة".
وأضاف: "فيما يتعلق بقضايا الدين والدولة، وصلنا إلى مفترق طرق يتطلب اتخاذ قرار بين النهجين. ليس حلا وسطا، ولكن قرار".
ليبرمان الذي حصل على 5 مقاعد في الانتخابات التي جرت في أبريل/نيسان حصل على 8 مقاعد في الانتخابات التي جرت الثلاثاء.
ويعزو الكثير من المراقبين ذلك إلى وقوفه الحازم أمام زيادة نفوذ المتدينين وطرحه شعار "نريد دولة يهودية ولكن ليس تطبيق الشريعة اليهودية".
وفي دعايته الانتخابية طرح ليبرمان العديد من القضايا، التي يعتقد كثيرون أنها كانت السبب في عزوف الكثير من اليمينيين العلمانيين عن التصويت للأحزاب اليمينية بما فيها "الليكود"، ومن بينها رفض المتدينين الخدمة العسكرية الإلزامية ورفض الزواج المدني ومحاولتهم إغلاق المحال التجارية يوم السبت.
فمع تنامي قوة الأحزاب اليمينية الدينية في الكنيست ووجودها في الحكومات الإسرائيلية فإن تأثيرها على صنع القرار ازداد وسط مخاوف في أوساط اليمين والوسط واليسار العلمانيين الإسرائيليين على سواء من أنها تدفع أكثر فأكثر نحو فرض الشريعة اليهودية على المجتمع اليهودي.
وليست هذه مجرد تقديرات؛ إذ أظهر استطلاع أجراه "معهد سميث لاستطلاعات الرأي" أن 64% من الإسرائيليين اليهود يؤيدون استبعاد الأحزاب الدينية من أي حكومة قادمة مقابل 36% قالوا إنهم يرفضون ذلك.
ويتضح من الاستطلاع أن استبعاد الأحزاب الدينية من أي حكومة يحظى بدعم واسع في أوساط الأحزاب اليمينية الإسرائيلية المتشددة.
فقد أشار إلى أن 51% من مؤيدي "الليكود" يدعمون ذلك وكذلك 94% من مؤيدي حزب "إسرائيل بيتنا" اليميني.
وكان ليبرمان قد دعا إلى إقامة حكومة وحدة ليبرالية موسعة تستبعد الأحزاب الدينية.
وفي محاولة منه لتبديد مخاوف المجتمع الإسرائيلي من تنامي تأثير الأحزاب الدينية، كتب زعيم حزب "شاس" أرييه درعي: "لقد مررنا بحملة انتخابية ليست سهلة، وحان الوقت لوضع خطاب الكراهية والمقاطعة وراءنا وأن نتذكر أننا إخوة".