شخص يتذكر كل شيء.. متلازمة الذاكرة الفائقة الخارقة

تخيل أن تتذكر تفاصيل كل يوم في حياتك، منذ الطفولة حتى اللحظة الراهنة، وكأنها شريط سينمائي لا يتوقف.

هذا ليس خيالا علميا، بل واقع يعيشه أشخاص نادرون يعانون مما يُعرف بـ"متلازمة الذاكرة الفائقة الخارقة" أو "الذاكرة الذاتية الفائقة".

• الوجوه مألوفة لكنك لا تثق بها .. متلازمة تحول الأحبة إلى غرباء

وتم وصف هذه الحالة لأول مرة بشكل علمي عام 2006، عندما نشر فريق من الباحثين في جامعة كاليفورنيا، بقيادة العالمة إليزابيث باركر، دراسة شهيرة عن امرأة تُعرف باسم جيل برايس، كانت جيل قادرة على تذكر كل يوم من حياتها منذ سن الثانية عشرة بتفاصيل دقيقة ومذهلة، وقد أدى هذا الاكتشاف إلى فتح باب دراسة حالة الذاكرة الفائقة، التي كانت حتى ذلك الحين مجهولة تماما.

ما الذي يميز أصحاب الذاكرة الخارقة؟

أصحاب هذه المتلازمة لا يمتلكون مجرد ذاكرة جيدة، بل يتميزون بقدرة خارقة على استرجاع الأحداث اليومية بدقة ملفتة، بما في ذلك التواريخ، المحادثات، وحتى مشاعرهم الخاصة في لحظات معينة.

وأظهرت الدراسات أن هذه الذاكرة ترتبط تحديدا بالأحداث الشخصية، وليس بالضرورة بالقدرة العامة على الحفظ أو التعلم السريع.

وكشف بحث أجرته جامعة كاليفورنيا عام 2012، ونُشر في دورية "نيروبيولوجي أوف ليرنينج آند ميموري"، أن الأشخاص المصابين بمتلازمة الذاكرة الفائقة الخارقة لديهم اختلافات في بعض مناطق الدماغ، أبرزها في القشرة الجبهية واللوزة الدماغية، وهي مناطق مرتبطة بالذاكرة والعاطفة.

وأظهرت فحوصات التصوير بالرنين المغناطيسي زيادة في حجم الروابط العصبية بين هذه المناطق، مما قد يفسر قدرتهم الفريدة على الاحتفاظ بالتفاصيل الدقيقة لفترات طويلة جدا.

ولاحظت دراسة أخرى نشرتها دورية "ميموري" عام 2016 ، أن بعض المصابين بهذه المتلازمة يعانون من ميل إلى الوسواس القهري الخفيف، حيث يتكرر استرجاع الذكريات لديهم بشكل قهري وغير إرادي أحيانا.

هل هي نعمة أم نقمة؟

ورغم أن القدرة على تذكر كل شيء قد تبدو موهبة نادرة، إلا أن كثيرا من المصابين بتلك المتلازمة وصفوا تجاربهم بأنها مرهقة نفسيا، فذكرياتهم المؤلمة تبقى حية بشكل مستمر، ولا تتلاشى مع الزمن كما يحدث مع معظم الناس.

وبالتالي، فإن الذاكرة الخارقة قد تجعلهم أكثر عرضة للقلق أو الاكتئاب نتيجة استرجاعهم الدائم للأحداث السلبية.

وحتى الآن، تم توثيق أقل من 100 حالة مؤكدة حول العالم، مما يجعل هذه المتلازمة واحدة من أندر الحالات العصبية المعروفة.

ويدرس العلماء اليوم كيف يمكن لفهم متلازمة الذاكرة الفائقة أن يساعد على تطوير علاجات لاضطرابات الذاكرة مثل الزهايمر، أو حتى تحسين تقنيات التعلم والتعليم باستخدام آليات الدماغ الطبيعية.