المصادر المتجددة الرابح الوحيد من التراجع التاريخي للطلب على الطاقة
الوكالة الدولية للطاقة تقول إنه من المحتمل تراجع الطلب على الطاقة بنسبة 6% خلال عام 2020.
مع أكبر انهيار للطلب على الطاقة في العالم على مدى التاريخ، بسبب إجراءات الإغلاق في أغلب دول العالم لاحتواء جائحة فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19)، يبدو أن المصادر المتجددة للطاقة ستنجح في زيادة إنتاجها خلال هذه الأزمة.
ومع تراجع استهلاك الناس في العالم للنفط والغاز والفحم سيستمر توليد الكهرباء من الرياح والشمس، وهو ما سيؤدي إلى تراجع غير مسبوق بنسبة 8% في انبعاثات ثاني أكسيد الكربون خلال العام الحالي، بحسب تقرير صادر عن وكالة الطاقة الدولية.
- بعد انهيار النفط الأمريكي.. عقود الغاز تقفز 10%
- انهيار النفط يحرق الأسهم الأمريكية في جلسة الإثنين الأسود
فاتح بيرول المدير التنفيذي لوكالة الطاقة الدولية، يقول إن "صناعة الطاقة ستخرج من هذه الأزمة مختلفة تماماً عما كانت عليه قبل الأزمة".
ونظراً لأنه من غير المتوقع ظهور عقار فعال لعلاج المرض، أو لقاح مضاد للفيروس قبل نهاية العام الحالي على أقرب تقدير، فإن تقليل التواصل بين الناس يظل الأسلوب الوحيد الأكثر فعالية للحد من احتمالات العدوى. هذه الإجراءات لها تداعيات خطيرة على النمو الاقتصادي والطلب على الطاقة، بحسب وكالة بلومبرج للأنباء.
ماذا ترى وكالة الطاقة الدولية؟
وبحسب تقديرات وكالة الطاقة الدولية، فإن كل شهر يمر مع استمرار إجراءات الإغلاق الاقتصادي التي تم تطبيقها خلال الفترة الأخيرة، يعني تراجع الطلب السنوي على الطاقة بنسبة 5ر1%.
الوكالة الدولية للطاقة، التي تقدم خدماتها الاستشارية بشأن سياسات الطاقة، تقول إنه من المحتمل تراجع الطلب على الطاقة بنسبة 6% خلال عام 2020، وهو ما يعادل سبعة أمثال معدل التراجع في الطلب على الطاقة الذي تم تسجيله أثناء الأزمة المالية العالمية التي تفجرت عام 2008.
وحسب بلومبرج، فإن إجمالي التراجع المتوقع للطلب على الطاقة خلال العام الحالي يعادل كامل استهلاك الهند منها. في الوقت نفسه فإن تراجع الطلب على الطاقة في الدول الأغنى سيكون أكبر حيث سيتراجع في الولايات المتحدة بنسبة 9% وفي الاتحاد الأوروبي بنسبة 11% خلال العام الحالي.
وفي حين سيتراجع الطلب على كل مصادر الطاقة من نفط وفحم وغاز طبيعي وحتى الطاقة النووية، فإنه من المحتمل أن تظل مصادر الطاقة المتجددة النقطة المضيئة الوحيدة. وفي حين ستتراجع الانبعاثات الغازية بشدة، تتوقع وكالة الطاقة الدولية عودة قوية لهذه الانبعاثات إذا لم تتبنى الحكومات سياسات لتشجيع الطاقة النظيفة.
توقعات وآمال
وتتوقع وكالة الطاقة الدولية تراجع الطلب العالمي على النفط بمقدار 9 ملايين برميل يومياً بما يعادل نحو 9% مقارنة بالعام الماضي، ليصل إلى أقل مستوياته منذ 2012.
وبحسب تقرير الوكالة، فإن أبريل/نيسان الماضي شهد تراجع استهلاك الوقود بمقدار الثلث تقريباً ليصل إلى أقل مستوى له منذ 1995. وكانت حركة النقل قد تراجعت بنسبة 50% تقريباً على مستوى العالم بنهاية آذار/مارس الماضي، في حين تراجعت حركة الطيران في بعض الدول الأوروبية بأكثر من 90%.
وبحسب البيانات الاقتصادية، فإن نصيب الوقود الكربوني من مزيج إنتاج الكهرباء تراجع في الهند والصين وأوروبا وفي مناطق من الولايات المتحدة. هذه الأقاليم الأربعة تضم أسواقاً كبيرة ومتنوعة للكهرباء، وأصبح الفحم الضحية الأكبر لتراجع استخدام الوقود الكربوني في المناطق الأربع.
وأصبح استخدام الفحم لإنتاج الكهرباء في العديد من الدول الأوروبية غير مربح من الناحية الاقتصادية وغير مقبول من الناحية الاجتماعية، خاصة مع توافر الغاز الطبيعي الرخيص وانتشار مصادر الطاقة المتجددة، إلى جانب نشاط الجماعات البيئية المعارضة للفحم. وقد أدت جائحة كورونا فقط إلى تسريع وتيرة التخلي عن الفحم.
استهلاك الغاز الطبيعي يتراجع
كما تراجع استهلاك الغاز الطبيعي في أوروبا خلال الربع الأول من العام الحالي حتى قبل تفشي جائحة كورونا، بسبب الطقس المعتدل نسبياً خلال فصل الشتاء في نصف الكرة الشمالي. وجاءت إجراءات الإغلاق لتزيد وتيرة التراجع، حيث من المتوقع انخفاض الطلب العالمي على الغاز بنسبة 5% خلال العام الحالي، وهو أول تراجع من نوعه منذ 2009، ويمثل صدمة شديدة لصناعة الغاز التي اعتادت على النمو المطرد.
ورغم تراجع الطلب على الطاقة بشكل عام، أصبحت المصادر المتجددة في الكثير من دول العالم لها الأولوية في إمداد شبكات الكهرباء. وهذا يعني أن منتجي الكهرباء من الشمس أو الرياح أو المحطات المائية يمكنهم بيع كل إنتاجهم حتى رغم اضطرار منتجي الكهرباء من محطات الوقود الكربوني إلى وقف تشغيل محطاتهم تماماً بسبب زيادة المعروض على الطلب. كما استفادت محطات الطاقة الشمسية وطاقة الرياح في بعض مناطق العالم، من الظروف المناخية المواتية؛ حيث كانت الرياح أقوى وفترات سطوع الشمس أطول.
وخلال العام الماضي تفوقت مصادر الطاقة الأقل تلويثاً للبيئة والطاقة النووية على الفحم في إنتاج الكهرباء لأول مرة في التاريخ. ومع الدفعة التي تلقتها مصادر الطاقة المتجددة خلال العام الحالي، وتوقع استمرار نموها، فإن المصادر الأقل تلويثاً للبيئة باتت مسؤولة عن توليد 40% من الكهرباء في العالم.
ومع ذلك فإن الأمور ليست كلها على ما يرام بالنسبة لقطاع الطاقة المتجددة. فكما هو الحال مع أغلب قطاعات الاقتصاد العالمي، أدت جائحة فيروس كورونا المستجد إلى اضطراب سلاسل إمدادات مستلزمات تشغيل محطات طاقة الرياح والطاقة الشمسية. وبسبب الفيروس توقف تشغيل حوالي 11% من توربينات طاقة الرياح في العالم، بحسب نشرة بلومبرج لتمويل الطاقة الجديدة.
كما تعطلت أعمال تشييد محطات الرياح الجديدة بسبب القيود المفروضة على العمال وتأخر الحصول على الموافقات الرسمية، وهو ما يمكن أن يؤدي إلى تباطؤ دخول مشروعات الطاقة المتجددة الجديدة مرحلة التشغيل خلال العام الحالي.