منها "الزيت المقدس".. "العين الإخبارية" تكشف أسرار التحنيط الفرعوني (حوار)
لآلاف السنين قام المصريون بتحنيط موتاهم، والآن استخدم فريق بحثي دولي الكيمياء ومجموعة غير عادية من الأواني لمعرفة كيف فعلوا ذلك.
وتستند دراستهم، التي نُشرت يوم الأربعاء في دورية "نيتشر" ، إلى اكتشاف أثري نادر، وهو ورشة تحنيط مع مجموعة من الفخار يبلغ عمرها حوالي 2500 عام، ولا تزال العديد من الأواني الموجودة في الموقع مكتوبة بتعليمات مثل "هذا يوضع على رأسه".
ومن خلال مطابقة الكتابة على السطح الخارجي للأوعية مع الآثار الكيميائية بداخلها، كشف الباحثون عن تفاصيل جديدة حول "الوصفات" التي ساعدت في الحفاظ على الجثث لآلاف السنين.
فما طبيعة مشاركة المركز القومي للبحوث في هذه الدراسة؟ وكيف توصل الباحثون لاكتشاف مواد التحنيط الجديدة؟ وما قيمة هذا الاكتشاف؟ وما أبرز المفاجآت التي كشفت عنها الدراسة؟ هذه الأسئلة وغيرها يجيب عنها الدكتور محمد إبراهيم المشرف على معمل "الكروماتوغرافيا" بشبكة المعامل المركزية، والباحث المشارك بهذه الدراسة.
بداية: ما معنى "الكروماتوغرافيا"؟
الكروماتوغرافيا هي طريقة للتحليل الكيميائي، تعني فصل وتنقية المواد الكيميائية المختلطة، ولذلك فإن المعمل المختص بها في المركز القومي للبحوث هو المكان المناسب لتحليل أواني التحنيط التي عثر عليها بورشة التحنيط.
كما يظهر من الورقة البحثية، فإن الباحثين الرئيسيين بالدراسة من جامعة توبنغن بألمانيا، فلماذا لجأوا لمعامل المركز القومي للبحوث؟
هناك اتفاقية تعاون بين جامعة توبنغن الألمانية والمركز القومي للبحوث، وبمقتضى هذه الاتفاقية استعانت البعثة الأثرية من جامعة توبنغن بمعامل المركز القومي للبحوث، لإجراء التحليل الكيميائي لأواني التحنيط.
البعض قد يتخيل أنه لإجراء تحليل كيميائي لأواني التحنيط سيتعين عليك كسر قطعة منها، حتى يمكن تحليلها؟
يضحك قائلا: بالطبع لا تمر الأمور كذلك، فعملية التحليل تتم دون التأثير تماما على الأثر، لكنها تحتاج لمهارة في الحصول على العينات، يجيدها ماكسيم راجيوت من جامعة توبنغن.
إذن "ماكسيم" حصل على العينات، ثم قمتم في معمل "الكروماتوغرافيا" بتحليلها؟
بالضبط، فباستخدام أداة دقيقة جدا، يتم كشط الطبقة الأولى من المواد التي تكون ملتصقة بجدار الإناء، لأن هذه الطبقة تفاعلت مع الهواء، وأصبحت متأكسدة، وبالتالي لن تعطي أي معلومات دقيقة، وبعد ذلك تستخدم نفس الأداة الدقيقة للحصول على عينات من الطبقة الثانية ليتم تحليلها، فنكتشف من خلالها طبيعة المواد التي كانت توجد في الإناء.
ولكن بهذه الكيفية ستكون العينات ضئيلة جدا.. فكيف يمكن أن تعطيكم معلومات؟
هذه ميزة "جهاز التحليل الكروماتوغرافي الغازي" بالمركز القومي للبحوث، فهو يستطيع استشعار أي عينة مهما كانت بسيطة، ومن خلال مكتبة العينات بداخله، والتي تحتوي على آلاف المركبات، يمكن للجهاز أن يخبرك باسم المركب الموجود بالعينة.
من المؤكد أنكم اكتشفتم مفاجآت جديدة في عملية التحنيط؟
بالطبع، وهذا هو السبب الذي دفع دورية "نيتشر" لنشر الدراسة، فمعايير النشر في نيتشر صعبة للغاية.
وما أبرز هذه المفاجآت؟
أبرز المفاجآت أن إحدى الأواني كانت تحمل بالهيروغلوفية عبارة "الزيت المقدس"، وعرفنا من خلال التحليل أن هذا الزيت المستخدم في التحنيط مصدره دهون حيوانية وليس نباتية، لأن لكل نوع من الدهون بصمة كيميائية، كان "جهاز التحليل الكروماتوغرافي الغازي" قادرا على تحديدها، كما عرفنا أيضا أن المصري القديم استخدام "البوتامين" وهي مادة تستخدم حاليا في الأسفلت، وعرفنا أيضا الزيوت العطرية المستخدمة في عملية التحنيط، لتوفير حماية للجثمان من الميكروبات، ومنها "زيت الأرز"، كما عرفنا أيضا بعض الراتنجات الصمغية المستخدمة في التحنيط، مثل "اللبان الدكر"، وكانت المفاجأة الأكبر أن بعض مواد التحنيط كانت مستوردة من الخارج.
مثل ماذا؟
استخدم المصري القديم مثلا بعض المواد التي جاءت من أماكن بعيدة جدا، مثل الدمر والإيليمي، وهما نوعان من الراتينج يأتيان من الغابات الاستوائية المطيرة في جنوب شرق آسيا، وهذا يعني أن المصريين بذلوا جهودا كبيرة لجعل مومياواتهم مثالية بقدر الإمكان.
وهل مواد التحنيط كانت واحدة لكل أعضاء الجسم؟
من الجيد أنك طرحت هذا السؤال، لأن من أبرز ما توقفنا أمامه خلال الدراسة هو أن كل جزء من الجسم كانت له خلطة التحنيط الخاصة به، فمثلا الزيوت النباتية كانت تستخدم لحماية الكبد، وكانت تستخدم المواد الصلبة مثل شمع العسل على المعدة والجلد لمنع المياه وإغلاق المسام.
أشعر وكأن الدراسة أعادتكم آلاف السنين، وكأنكم كنتم تشاهدون المصري القديم وهو يقوم بعملية التحنيط؟
بالضبط، وهذا ما قالته جوان فليتشر عالمة الآثار بجامعة يورك، والتي علقت على الدراسة قائلة "إنها تشبه آلة الزمن حقا"، كما أظهرت الدراسة أيضا أن المحنطين لديهم معرفة عميقة بشأن المواد التي يمكن أن تساعد في الحفاظ على موتاهم.
وما خططكم للمستقبل؟
الدراسة أجريت على عدد 31 من الأواني، بينما المكتشف 121 إناء، فلا يزال أمامنا عمل كبير، ومفاجآت أخرى سيتم الإعلان عنها في المستقبل.
aXA6IDE4LjIyMC4xMTIuMjEwIA== جزيرة ام اند امز