سكان المقابر.. أحياء يحتمون بأرواح الأموات في كمبوديا
130 أسرة تعيش في هذا الحيّ داخل أكواخ بائسة مسقوفة بالصفيح مشيّدة وسط القبور، حتى إن البعض منها استقر فوق الأضرحة الملونة والمزخرفة.
شهدت كمبوديا، التي تدهورت أحوالها في ظلّ حكم نظام الخمير الحمر في سبعينيات القرن العشرين، نموّا اقتصاديا شديدا في السنوات الأخيرة، فاق 7% خلال 2018، تتجلّى ثماره خصوصا في بنوم بنه، لكن البلد يبقى من الأكثر فقرا والأشد تفاوتا على الصعيد الاجتماعي في منطقة جنوب شرق آسيا.
في أحد أحياء بنوم بنه الشعبية، تحضّر مانيت العشاء لعائلتها في الهواء الطلق، وهذا أمر ليس غريبا بالنسبة لربة المنزل هذه، غير أن مطبخها البائس هذا يقع وسط مقبرة قديمة.
استقرّت هذه الأربعينية منذ 16 عاما في حيّ سمور سان، الذي يعني اسمه حرفيا "المقبرة"، بلغة الخمير، إثر زيجة مدبّرة.
وتروي: "أصبت بصدمة عندما وصلت إلى هنا، ولم أكن أتوقع بتاتا العيش في مكان كهذا"، وتضيف فيما يعتلي أحد أولادها الأربعة مقبرة: "أما الآن فقد اعتدت على الوضع".
وفي العاصمة بنوم بنه، حيث ترتفع أسعار العقارات ارتفاعا كبيرا، تجاور الأبراج الفخمة المشيّدة بدعم من الجارة الصينية المقتدرة أحياء بؤس على شاكلة سمور سان.
وتعيش في هذا الحيّ 130 أسرة، إضافة إلى عائلة ما نيت، في أكواخ بائسة مسقوفة بالصفيح مشيّدة وسط القبور، حتى إن البعض منها رسا فوق الأضرحة الملونة والمزخرفة.
وتقطن غالبية السكان، وهم من عمال ورش البناء أو صغار التجار، في المقبرة منذ التسعينيات. البعض منهم أتى من منطقة على ضفاف نهر باساك الذي يعبر في العاصمة والبعض الآخر طرد من منزله في الجوار لإقامة سوق كبيرة.
والعيش في حيّ الصفيح هذا وسط المقبرة هو في نظرهم أفضل وسيلة للبقاء في وسط المدينة، وعدم الاضطرار للسكن في ضاحية نائية بعيدة عن السوق الكبيرة.
ويقول آم سوخا، الذي يقطن في الموقع: "العيش هنا آمن في نظري ونظر الجميع".
البقاء في وسط المدينة
وليست المقابر من المشاهد السائدة في ثقافة كمبوديا عموما، إذ يُنثر رماد المقربين أو يحفظ في جرّة.
ولم يُدفن في سمور سان سوى فيتناميين، ولا ينظر أحفادهم بعين الرضى إلى استيطان المقبرة.
ويقول الفيتناميون: "إن الفوضى تعمّ المكان بسبب كثرة الناس فيه، فينبشون رفات أسلافهم ويدفنونهم في مواقع أخرى"، بحسب بين مون، وهي سيّدة تسكن المقبرة تبلغ من العمر 63 عاما.
وعندما انتقلت هذه الستينية للعيش هنا قبل 20 عاما، بعدما تعذّر عليها البقاء لفترة أطول عند أقربائها، كانت المقبرة تضمّ 300 قبر، بحسب ما تذكر هذه العجوز البوذية التي اعتادت العيش هنا، أما اليوم، فلم يبق سوى 100 قبر تقريبا.
ويؤكّد آم سوخا، الذي كان يفترش الطريق سابقا، أن الأشباح لا تخيفه، رغم المعتقدات الراسخة في مجتمعات جنوب شرق آسيا في هذا الخصوص.
ويقول سوخا، 62 عاما، الذي لا يخفي أنه يأكل في بعض الأحيان التقديمات التي تتركها عائلات المتوفين: "نحن نطرد الأشباح، وهي بمثابة جيراننا ولا تتسبب لنا بالأذية".
aXA6IDMuMTMzLjEyNC4yMyA= جزيرة ام اند امز