"العريش الخشبي" بمنزل الشاعر آراجون يفتح أبوابه للمبدعين من جديد
العريش الخشبي يعتبر جزءاً من تاريخ الفن والثقافة في القرن الماضي، يجذب إليه بجمالياته وألوانه الجمهور وعشاق الشاعر آراجون.
يبدو أن الثلوج لا تتصالح مع ذكريات الشاعر الفرنسي الشهير لوي أراجون "1897 - 1980"، فقبل عامين غرق بيته وتضرر العريش الخشبي الذي نصبه في فناء منزله لممارسة الفنون والرقص والقراءات الشعرية والندوات الثقافية وغيرها، ولكن الجمعية التي تتولى إدارة شؤون البيت تمكنت من إصلاحه.
كان آراجون يعيش في منطقة إيفلين الجنوبية ليكون بعيدًا عن صخب باريس، وتحت وطأة الثلوج كان آراجون يجد الحضن الدافئ مع شريكة عمره إلزا تريوليه، التي كتب فيها ديوانه "عيون إلزا"، وخلّد فيه قصة حبه للمرأة التي جاءت من روسيا إلى باريس عشقاً للأدب الفرنسي.
آراجون المولود في 2 أكتوبر/تشرين الأول من عام 1897، وقف بقوة منذ بدايات حياته، إلى جانب شعوب فيتنام والجزائر ومصر، واشترك في تأسيس "مجلة الآداب الفرنسية"، وتزعم المدرسة السريالية في الشعر والأدب بين عام 1920- 1930، ثم تحول بعد لقائه بزوجته إلزا تريوليه إلى الفكر الاشتراكي في عام 1932.
وأصبح آراجون رمزاً للمقاومة في كتابة الشعر في أعوام الحرب ضد الفاشية "1932-1939"، ومنذ 1945 وهو يدير الحركة الثقافية والأدبية الفرنسية، بوصفه رئيس تحرير مجلة "الآداب الفرنسية"، ومدير دار الناشرين الفرنسيين المتحدين ونائب رئيس اللجنة الوطنية للكتاب.
وتعرض آراجون للسجن 5 مرات بسبب كتابة قصيدة "الخطوط الأمامية الملتهبة"، وعمل محرراً في صحيفتي "اللومانيتيه" و"سي سوار".
لذلك يتبوأ آراجون منزلة كبيرة في نفوس عشاق شعره وأدبه ومواقفه، ولم يكن المنزل بالنسبة للشاعر الفرنسي الشهير لوي آراجون سوى فضاء يستشرف من خلاله أفق كتابة الشعر، كمكان مفتوح، يتفرغ فيه للكتابة.
يعود بناء هذا العريش الخشبي "Le bal Parquet"، والمغطى بسقف زجاجي على أرضية خشبية، بين عامي 1943 و1946، ويبلغ طوله 18 مترًا وعرضه 7 أمتار.
ومنذ أن استحوذت "جمعية إدارة بيت آراجون" على هذا العريش الخشبي في عام 2014، بدأت بتنظيم العديد من المواسم الثقافية واللقاءات الموسيقية والمسرحية والأدبية فيه، وكذلك حفلات الرقص، مصحوبة بتذوّق الأطباق الفرنسية الشهيرة كل أسبوع تقريبًا.
ويتمتع هذا العريش بجمالية خاصة؛ إذ تضفي نوافذه الزجاجية أضواءً متعدد الألوان، وتنعكس في الجدول المائي، وتتلألأ المصابيح الملونة بالسقف للإضاءة الداخلية.
وأصبح هذا العريش يعكس ألوانه الساحرة على عموم الحديقة، وتحول إلى مهرجان، يحيي فيه القرويون وعشاق أشعار آراجون أعيادهم وحفلاتهم ونشاطهم الثقافي، وقد يتم تنظيم ما يقرب من 110 رقصات شعبية في عام كامل.
كان المالك الأول لهذا العريش الخشبي فرقة مسرح "بالترنج"، ومن ضمن نشاطها القيام بجولات عبر فرنسا، وفي عام 2014 تحولت ملكيته إلى الجمعية التي تدير بيت آراجون، فبدأت بإقامة العروض والحفلات الموسيقية، وكذلك القراءات الشعرية، مما أعطى حيوية كبيرة لبيت آراجون.
وزاد من تدفق الزوار عليه إلى درجة أن هذا العريش الخشبي أدرج في قائمة الآثار التاريخية، لأنه يعمل على إحياء العروض الشعبية التقليدية، وبرمجة النشاطات الفنية المتنوعة، منها الرقص، ويحتوي على 200 مقعدٍ، ويستضيف القراءات الشعرية والحفلات الموسيقية وعروض الشباب وفن الشارع واحتفالات الربيع وغيرها.
وتحت وطأة الثلوج، انهار العريش الخشبي مما تطلب مؤخراً إعادة إصلاحه وترمميه، وخاصة في مجال أعمال النجارة، وتم تغيير الأجزاء الهيكلية المكسورة، وإصلاح الثقوب في القماش المشمع، وتشييد الجدران القوية التي تتحمل هذا العريش.
وأدى تعطل النشاطات الثقافية في بيت آراجون إلى جفاف الموارد المالية، نظراً لإلغاء عدد من الندوات والقراءات والاستقبالات، لكن التبرعات المالية تدفقت على الجمعية المشرفة للقيام بذلك.
وقامت "جمعية إدارة بيت آراجون" بإطلاق حملة تبرعات وكافأت المتبرعين بتسجيل أسمائهم على جدران العريش، ثناءً وشكرًا لهم، وكم أدخل ذلك السعادة إلى قلوب عشاق أدب آراجون وإلزا، وهم يرون أسماءهم مطبوعةً في بيت شاعر فرنسا الكبير.
كما حصلت الجمعية المذكورة على قرار من الحكومة الفرنسية بإعفاء أموال التبرعات من الضرائب بنسبة 66% للأفراد، وتجسد هذه التبرعات مدى عشق الأدب والشعر ورموزه، ما دفع الكثيرين ممن لا يعرفون مكان بيت آراغون إلى التوجه إليه، والتعرف على معالمه.
وبالإضافة إلى الجمعية التي تدير هذا البيت، يدعم عدد من الفنانين استمرارية هذا البيت، ومن أبرزهم: كلود جاسباري، المصور المفتون بالرؤى التأملية للصورة، المولود عام 1936، والذي كان مصوراً رسمياً لفرسان الأدب والفن لأكثر من 30 عامًا، أمثال كالدر وميرو وشاجال وجياكوميتي وبازين وشيلدا وغيرهم، وهو صديق لبيت آراجون، وقدم سلسلة من الصور القيمة عنه.
وتعتقد الجمعية المشرفة أن العريش الخشبي حقق الكثير من أمنيات آراغون، وجعل منزله مكاناً مفتوحاً للإبداع المعاصر من خلال احتضانه فعاليات الموسم الثقافي.
ويعتبر هذا العريش الخشبي جزءاً من تاريخ الفن والثقافة في القرن الماضي، يجذب إليه بجمالياته وألوانه الجمهور وعشاق الشاعر آراغون من جميع أرجاء العالم.