"الشعب الليبي يستحق مستقبلاً خالياً من التدخل الأجنبي، ومن الصراع والفساد، ومن الاضطرابات"، هي كلمات للنائب تيد دوتيش، رئيس لجنة الشرق الأوسط في مجلس النواب، عقب موافقة مجلس النواب الأمريكي على قانون يمكّن الرئيس الأمريكي من دعم الاستقرار في ليبيا.
استقرار ليبيا أصبح ضرورة ملحة إقليمياً وعالمياً، فليبيا تتربع على مساحة وموقع جغرافي في وسط شمال أفريقيا، وتعد بوابة أفريقيا، لكونها تحاط بست دول أفريقية، وعمقها ضارب في الصحراء الكبرى، بوابة أفريقيا، وتعد رأس حربة في تجمع دول الساحل والصحراء، وتمتلك ساحلاً فسيحاً وطويلاً قبالة السواحل الجنوبية لأوروبا.
وجميع هذه النقاط جعلت من ليبيا حجر زاوية مهماً في استقرار المنطقة، فلا يمكن مثلاً السيطرة على الهجرة غير القانونية، من دون أن تكون ليبيا طرفاً رئيسياً في العملية، ولا يمكن التحصن من تسلل الإرهابيين إلى الجنوب الأوروبي إلا بضمان الاستقرار في ليبيا، التي لا تبعد عن سواحل أوروبا كثيراً ويمكن الوصول إليها عبر قوارب صغيرة.
هذه البلاد، التي كانت تعاني ولا تزال حالة عدم الاستقرار لمسببات كثيرة وعديدة، منها داخلي وأغلبها خارجي، منذ سقوط الدولة الليبية في فبراير/شباط 2011، وليس فقط سقوط نظام القذافي، أصبحت مرتعاً للجماعات الإرهابية العابرة للحدود، التي لها أجندات مختلفة، وبعضها بنادق مستأجرة اتخذت من الأراضي الليبية موطأ قدم لها، بل ومكنتها جماعات الإسلام السياسي من إقامة معسكرات تدريب وتمويل بالسلاح والمال لتصدير الإرهاب في مناطق عدة من العالم.
عدم استقرار ليبيا يعدُّ مشكلاً إقليمياً وعالمياً وليس فقط محلياً، فليبيا التي أسقط حلف الأطلسي "الناتو" الدولة فيها بحجة إسقاط نظام القذافي قبل عشر سنوات، تركها الأطلسي غارقة في الفوضى، من دون أن يشارك في جمع السلاح بعد أن فتح أبواب المخازن، وترك ترسانة أسلحة اشتراها القذافي بعشرات المليارات غنيمة لمن أطلق عليهم في حينها "الثوار"، وهو مصطلح فضفاض لا يمكن التحقق من شخصية حامله، ولا حتى جنسيته، حتى إنَّ تنظيم "داعش" استغل هذا أيضاً.
"تحقيق الاستقرار في ليبيا" من بين الجهود الدولية، فقد وافق مجلس النواب الأمريكي على مشروع قانون ينص على منح الرئيس الأمريكي إمكانية معاقبة الجهات الأجنبية، التي تدعم الفصائل والجماعات الإرهابية في ليبيا، قانون وافق عليه 386 نائباً ورفضه 35 فقط.
فالولايات المتحدة تراجعت عن القيادة في الملف الليبي بعد قيادة ضربات حلف الأطلسي، التي أسقطت الدولة الليبية في انطلاقة "الربيع العربي"، وتركت الدور الأبرز للمتنافسين الأوروبيين، بريطانيا وفرنسا وإيطاليا، والتي لم تتفق على سياسة موحدة في ليبيا طيلة عشر سنوات، ما أدى للتشظي والانقسام في الداخل الليبي، وأضعف الحرب على الإرهاب بسبب صراع التحالفات التي كانت تلعبه الدول الأوروبية الثلاث التي اختلفت مصالحها في ليبيا، ولم تفلح ألمانيا، "المحايد" في الأزمة الليبية، في إيجاد أرضية تقارب بين الفرقاء، بل تمكنت تركيا وروسيا من نقل صراعهما في سوريا إلى ليبيا أيضاً.
تركيا وجدت في دعم الإسلام السياسي وجماعة "الإخوان" أقصر الطرق لحماية "مصالحها" في ليبيا، ومكنتها حكومة "الوفاق" غير الدستورية من "اتفاقية" غير قانونية لم تعتمد من البرلمان الليبي من إيجاد موطئ قدم عسكري لها، مكنها من جلب مقاتلين أجانب وقوات ومعدات عسكرية بحجة "الاتفاقية".
التوافق الدولي بين المتدخلين في الشأن الليبي سوف يدعم استقرار ليبيا، الذي أصبح الآن أولوية أمريكية، وأصبح هناك قانون أقره الكونغرس بأغلبية في هذا الشأن، وبالتالي أصبحنا أمام خطوات جادة ستتعقب المعارضين والمعرقلين لعملية الاستقرار في ليبيا، التي تبدأ من سحب وإخراج المقاتلين الأجانب مهما كانت تسمياتهم، سواء مرتزقة أو قوات أجنبية، لتحقيق الاستحقاق الانتخابي في 24 ديسمبر/كانون الأول المقبل.
نقلا عن الشرق الأوسط
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة