هيكلة «إرث 80 عاماً».. كيف يؤثر صعود «بريكس» على مؤسسات الأمم المتحدة؟

80 عاماً مضت على تأسيس الأمم المتحدة، وما زال العالم يأمل في نظام متعدد الأقطاب، أكثر شمولاً وإنصافاً.
عثرات عديدة وتوترات جيوسياسية وجيواقتصادية لا تزال تتجدد، ما يجعل العالم في حاجة ملحة لإنهاء الهيمنة الأحادية، وإدخال إصلاحات جريئة وناجعة في هيكلية ومهام مؤسسات متعددة الأطراف، من بينها؛ صندوق النقد والبنك الدوليين، وربما أيضاً لمنظمات أو تكتلات اقتصادية ناشئة، مثل مجموعة "بريكس"؛ والتي من بين أهدافها، توفير المزيد من الفرص للأسواق الناشئة والدول النامية للاستفادة من العولمة الاقتصادية الشاملة والمفيدة عالمياً.
في وقت يصارع العالم فيه انقسامات وتوترات وحمائية تجارية متصاعدة وقيود تكنولوجية، أصبحت التعددية مطلباً دولياً، بل ويفرض نفسه على طاولة المناقشات للدورة الـ80 من أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة، والتي تُفتتح يوم الثلاثاء الموافق 23 سبتمبر/أيلول، وتستمر حتى يوم السبت الموافق 27 سبتمبر/أيلول، وتُختتم يوم الإثنين الموافق 29 سبتمبر/أيلول 2025.
"بريكس".. تكتل فاعل داعم للتعددية
لقد فتح توسع تجمع بريكس ليضم دولاً نامية مساحة جديدة للتنسيق الدبلوماسي في وقت خيمت فيه الانقسامات على مجموعات اقتصادية مثل الدول السبع الصناعية الكبرى ومجموعة العشرين وهي تجمعات تعاني أيضاً من تبعات نهج "أمريكا أولاً" الذي يتبعه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
كما أضاف ثقلاً دبلوماسياً للمجموعة التي تطمح إلى التحدث باسم الدول النامية في جميع أنحاء الجنوب العالمي، مما يعزز الدعوات لإصلاح مؤسسات عالمية مثل مجلس الأمن وصندوق النقد الدولي.
ويتوافق وزراء مالية مجموعة بريكس على مقترحات تستهدف إصلاح صندوق النقد الدولي، بما يعكس مصالح الاقتصادات الناشئة على نحو أفضل، حيث دعوا في قمة ريو دي جانيرو في يوليو/تموز 2025 إلى إصلاح الصندوق عبر توزيع جديد لحقوق التصويت وإنهاء تقليد الإدارة الأوروبية على رأس الصندوق.
كما اتفقوا على دعم الاقتراح المشترك في اجتماع مراجعة صندوق النقد الدولي الذي سيعقد في ديسمبر/ كانون الأول، والذي سيناقش التغييرات في نظام الحصص الذي يحدد المساهمات وحقوق التصويت.
وكتب الوزراء في بيانهم بعد اجتماعاتهم في ريو دي جانيرو "يجب أن تعكس إعادة تنظيم الحصص المراكز النسبية للأعضاء في الاقتصاد العالمي مع حماية حصص الأعضاء الأكثر فقرا"، وأضافوا أن الصيغة الجديدة ينبغي أن تزيد من حصص الدول النامية.
وتُمثل دول بريكس الآن 48.5% من سكان العالم مع ناتج محلّي إجمالي مشترك قدره 28.5 تريليون دولار و25% من الصادرات العالمية. وفي التجارة الدولية، تُمثل دول بريكس 24% من إجمالي التبادلات العالمية.
وصعدت حصة مجموعة "بريكس" من الناتج المحلي الإجمالي العالمي بنسبة 0.64 نقطة مئوية في 2024 ووصلت إلى ذروتها منذ تأسيس المجموعة عند 36.8%؛ وفقاً لدراسة أجرتها وكالة "نوفوستي" استنادا إلى بيانات صندوق النقد الدولي. وفي الوقت نفسه، انخفضت حصة مجموعة السبع G7 في الاقتصاد العالمي إلى 28.86%. وفي عام 2024، توقع صندوق النقد الدولي أن تسجل جميع دول "بريكس" نمواً اقتصادياً إيجابياً، بمعدلات تتراوح بين 1.1% إلى 6.1%.
وتستحوذ مجموعة "بريكس" على ما يقرب من 72% من احتياطيات العالم من المعادن الأرضية النادرة، و43.6% من إنتاج النفط العالمي، و36% من إنتاج الغاز الطبيعي حول العالم، و78.2% من الإنتاج العالمي للفحم.
ومن المتوقّع أن تتوسّع المجموعة أكثر فأكثر، بعد أن أعربت 40 دولةً على الأقلّ عن اهتمامها بالانضمام إلى التكتّل بدءاً من العام 2024.
- رئيس البرازيل يدعو للتكامل التجاري بين دول «بريكس»
- تجارة «بريكس» بالعملات المحلية.. طموح تنافسي لنظام متعدد الأقطاب
خسائر ضخمة يتكبدها الاقتصاد العالمي
الاقتصاد العالمي قد يواجه خسائر تبلغ 14.5 تريليون دولار على مدى 5 سنوات بسبب صراع جيوسياسي يضر بسلاسل التوريد وسوق التأمين، بحسب بيانات صدرت عن هيئة "سوق التأمين لويدز أوف لندن" في أكتوبر/تشرين الأول 2024.
فمع وجود أكثر من 80% من واردات وصادرات العالم (نحو 11 مليار طن من البضائع) في البحر في أي وقت من الأوقات، فإن إغلاق طرق تجارة رئيسية بسبب أي صراع جيوسياسي هو أحد أكبر التهديدات للموارد اللازمة لأي اقتصاد مرن.
فيما أظهرت تقديرات «بلومبرغ إيكونوميكس»؛ أن الحروب التجارية التي أشعلتها الإدارة الأمريكية، والتي شملت فرض رسوم جمركية غير مسبوقة، ستكلف الاقتصاد العالمي خسائر ضخمة تقدر بـ2 تريليون دولار بحلول نهاية عام 2027.
وتعكس هذه الخسائر حجم الصدمة التي أحدثتها السياسات التجارية الأمريكية على الأسواق العالمية، إذ وصلت الرسوم الجمركية إلى أعلى مستوياتها منذ ثلاثينيات القرن الماضي.
العالم يقترب من نظام جديد
تبرز الدعوات لإصلاح الهيكل المالي الدولي في ضوء الاحتياجات التمويلية المتزايدة للدول النامية، مدفوعةً بتحديات المناخ المتزايدة؛ والصراع والعنف؛ وتزايد أعداد النازحين داخليًا؛ واختلالات الاقتصاد الكلي، بما في ذلك خدمة الديون المعوقة وضيق المديونية. وقد تركزت المناقشات حول إصلاحات الهيكل المالي الدولي بشكل خاص على المؤسسات المالية الدولية، بما في ذلك مؤسستا بريتون وودز -صندوق النقد الدولي (IMF) ومجموعة البنك الدولي (WBG)- بالإضافة إلى بنوك التنمية متعددة الأطراف (MDBs) الأخرى.
هناك مقترحات لتوسيع القوة المالية والقدرة الإقراضية لهذه المؤسسات من خلال مزيج من الهندسة المالية، التي تهدف إلى تحسين الميزانيات العمومية لبنوك التنمية متعددة الأطراف، وزيادة الالتزامات الرأسمالية من الدول المتقدمة.
ومع ذلك، في ظل المشهد السياسي العالمي الحالي، تواجه هذه الجهود عقبات هائلة. قد تُحوّل المنافسة الجيوسياسية الموارد بعيدًا عن التعاون الدولي، إذ تُعطي الاقتصادات المتقدمة الأولوية للإنفاق العسكري والاستثمارات في البنية التحتية، والتصنيع، والبحث والتطوير والابتكار في التقنيات الطبية الحيوية والرقمية والخضراء.
وقد تُضعف التنافسات بين القوى العظمى المؤسسات متعددة الأطراف وآليات الحوكمة من خلال الحد من الرغبة في التنازل والتفاوض.
على أرض الواقع، من غير المرجح أن تزداد موارد المؤسسات المالية الدولية بشكل ملحوظ على المديين القصير والمتوسط، حتى مع استمرار نمو الاحتياجات المالية للدول النامية. لذا، يجب على الدول النامية حشد موارد بديلة تتجاوز المساعدات الإنمائية الرسمية التقليدية، بما في ذلك رأس المال الخاص الدولي والمدخرات المحلية.
إصلاحات حتمية
يُعدّ النظام المالي العالمي المتكامل دافعًا أساسيًا للنمو الاقتصادي. وتُفاقم التوترات الجيوسياسية المتصاعدة بين الدول حالة "التشرذم وعدم اليقين"، وتُشكّل خطرًا على الرخاء العالمي والتقدم البشري.
المنتدى الاقتصادي العالمي اقترح في تقرير مشترك مع شركة أوليفر وايمان، نُشر في يناير/كانون الثاني 2025، مبادئ توجيهية تعمل على تعزيز التكامل المالي العالمي مع احترام السياسات المحلية للدول وأولويات الأمن الوطني.
يُصنَّف تزايد عدم اليقين الجيوسياسي، الناجم جزئيًا عن النزاعات بين الدول وتزايد المنافسة الجيواقتصادية، باستمرار كخطر رئيسي في استطلاعات رأي صانعي السياسات وقادة القطاع الخاص، مثل تقرير المخاطر العالمية السنوي الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي. ويُبرز كلٌّ من جائحة كوفيد-19 والحرب الروسية الأوكرانية كحدثين عمّقا تشرذم النظام المالي العالمي. ويضاف لهما خلال عام 2025 الجاري سياسات الحمائية التجارية الأمريكية وما تبعها من رسوم جمركية تبادلية.
استجابةً لهذه الأحداث، يواجه صانعو السياسات خياراتٍ صعبةً في تطبيق إصلاحاتٍ تنظيميةٍ ومؤسسيةٍ تهدف إلى حماية النظام المالي والشركات المحلية والأمن القومي، ولكنها قد تُفاقم أيضًا من التشرذم.
يمكن أن تؤدي حالة عدم اليقين المتزايد إلى تقليص الاستثمار العابر للحدود والسيولة العالمية، ويؤدي إلى عواقب غير مقصودة قد تتفاقم عبر النظام المالي العالمي. وإذا استمرت المنافسة الجيوسياسية في التصاعد، فقد تنشأ تكتلات اقتصادية ذات أنظمة دفع ولوائح وسلاسل توريد ومنظومات تكنولوجية منفصلة إلى حد كبير.
على المستوى العالمي، قد يُقلل التشرذم المالي من الإنتاجية الاقتصادية العالمية ويُسهم في ارتفاع التضخم. وتشير دراسة جديدة أجرتها شركة الاستشارات الاقتصادية "نيرا" (NERA) إلى أن خسائر الناتج الاقتصادي السنوية الناجمة عن التشرذم قد تتراوح بين 0.5% و5% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، وذلك حسب درجة التشرذم.
ومن المرجح أن تكون الآثار السلبية للتشرذم غير متكافئة عالميًا؛ فقد تتحمل البلدان أو المناطق ذات أسواق رأس المال الأقل تطورًا العبء الأكبر. وهذا بدوره قد يدفع اقتصادات الأسواق الناشئة والاقتصادات النامية الأصغر حجمًا إلى البحث عن تمويل خارج الإطار الدولي التقليدي، مما يُفاقم التشرذم.
إن حماية النظام المالي المترابط ستعود بالنفع على جميع المشاركين فيه. فالنظام المالي المتكامل يوفر شبكة أمان عالمية لتعزيز القدرة على مواجهة الأزمات المالية، ويمكنه تحسين مواءمة المشهد التنظيمي سريع التغير لتعزيز الثقة بين أصحاب المصلحة، ويمكنه دمج تقنيات جديدة لضمان مستقبل النظام.
يُعدّ القطاع المالي عنصرًا أساسيًا في تخفيف التوترات الجيوسياسية من خلال ربط الجهات الفاعلة عبر التكتلات الاقتصادية الجيوسياسية الناشئة. ويمكن لهذه الوساطة أن تُسهم في مواجهة التحديات المشتركة، مثل التحول في مجال الطاقة، والتي تتطلب عملًا جماعيًا لتعزيز الاستقرار المالي واستمرار النمو الاقتصادي العالمي.
الحوكمة والتمويل وشبكة الأمان العالمية
تُعيق التوترات الجيوسياسية الحالية التعاون العالمي، مما يُعقّد جهود إصلاح الهيكل المالي الدولي. ورغم هذه التحديات، يُمكن إعطاء الأولوية للإصلاحات التالية:
- مراجعة حصص صندوق النقد الدولي: تتضمن صيغة مُحدثة لتخصيص الحصص تعكس الواقع الاقتصادي والاجتماعي والديموغرافي الحالي. من شأن ذلك أن يُعيد مواءمة الحصص الفعلية والمحسوبة، ويُلغي الرسوم الإضافية.
- الإقراض المبني على الاحتياجات: ينبغي لصندوق النقد الدولي أن يلغي ارتباط الحصول على التمويل بحصة البلد ويتبنى نهجاً قائماً على الاحتياجات يأخذ في الاعتبار قدرة السداد.
- آليات دعم التمويل: مواصلة الجهود لتمويل صندوق الحد من الفقر والنمو وصندوق المرونة والاستدامة من خلال إعادة توجيه حقوق السحب الخاصة.
- أدوات رأس المال الهجينة: توسيع نطاق استخدام بنوك التنمية المتعددة الأطراف لأدوات رأس المال الهجينة مثل السندات الدائمة والديون المرؤوسة لتوسيع الميزانيات العمومية الحالية وزيادة الإقراض.
- التزامات حقوق السحب الخاصة: حثّ أعضاء مجموعة العشرين على الوفاء بالتزامهم بالتبرع بمبلغ 100 مليار دولار من حقوق السحب الخاصة، واستكشاف آليات لاستخدام حقوق السحب الخاصة كرأس مال هجين لبنوك التنمية متعددة الأطراف، مع الحفاظ على وضعها كأصول احتياطية. وتسريع هذه العملية بالنسبة لبنك التنمية للبلدان الأمريكية وبنك التنمية الأفريقي.
- أطر الشروط المرنة: إصلاح أطر الشروط في صندوق النقد الدولي والبنك الدولي للسماح بالمرونة أثناء الأزمات، مع التركيز على العائدات الاقتصادية القابلة للقياس والإصلاحات الهيكلية المدعومة بإجماع محلي قوي.
- تعزيزات شبكة الأمان المالي العالمية: من خلال إدراج بند في ميثاق صندوق النقد الدولي يسمح بإنشاء حقوق سحب خاصة بشكل منهجي خلال الأزمات المالية العالمية الحادة. ويمكن للتخصيصات المؤقتة أن تعالج نقص السيولة النظامي الكبير.
aXA6IDIxNi43My4yMTYuMTg5IA==
جزيرة ام اند امز