فرنسا و«ماثيو» و«هانتر».. «الأرض المنسية» تعود للواجهة
في قلب جنوب المحيط الهادئ حيث تتقاطع المصالح الجيوسياسية مع رهانات النفوذ البحري، تعود جزيرتا ماثيو وهانتر لواجهة الجدل مع فرنسا.
وبينما تصاعدت في الأيام الأخيرة اتهامات تتحدث عن "تنازل فرنسي محتمل" عن الجزيرتين، خرجت باريس بلهجة حاسمة لتضع حدًا للشائعات، مؤكدة أن سيادتها على هذين الموقعين الاستراتيجيين غير قابلة للمساومة.
وقبل يومين، نفت فرنسا رسميًا أي نية للتخلي عن سيادتها على ماثيو وهانتر، وهما جزيرتان غير مأهولتين تقعان في جنوب المحيط الهادئ على بعد نحو 500 كيلومتر شرق نوميا، عاصمة كاليدونيا الجديدة، بحسب صحيفة "لوفيغارو" الفرنسية.
وجاء هذا النفي على لسان وزارة الخارجية الفرنسية، ردًا على تقارير وتصريحات سياسية وصفت بأنها “مضللة”.
وشددت الوزارة، في بيان على أن "بعض التعبيرات المتداولة مؤخرًا تتضمن معلومات خاطئة توحي بأن فرنسا بصدد مراجعة أو التخلي عن سيادتها على الجزيرتين”، مؤكدة أن هذا الأمر "غير مطروح على الإطلاق".
جدل
تفجر الجدل على خلفية تصريحات لزعيمة أقصي اليمين مارين لوبان،و التي أعادت نشر مقال صحفي وعلقت عليه بلهجة حادة قائلة إن “السيادة الوطنية لا تفاوض ولا تسلَم”.
واتهمت لوبان السلطة التنفيذية بمحاولة "تفكيك أراضي ما وراء البحار” بعيدًا عن أعين الفرنسيين، في تصعيد سياسي أعاد ملف الجزيرتين إلى الواجهة، رغم كونه نزاعًا قديمًا يعود إلى استقلال فانواتو عام 1980.
وتؤكد وزارة الخارجية الفرنسية أن مسألة ماثيو وهانتر تندرج ضمن "نزاع قانوني تاريخي" لا يزال يعقد ترسيم الحدود البحرية بين فانواتو وكاليدونيا الجديدة.
وهذا الغموض القانوني ينعكس سلبًا على أنشطة الصيد والبحث العلمي في المنطقة، ويبقي ملف المناطق الاقتصادية الخالصة مفتوحًا على احتمالات متعددة.
وتمنح السيادة الفرنسية على الجزيرتين باريس، عبر كاليدونيا الجديدة، نطاقًا بحريًا أوسع، غنيًا بالثروات السمكية وذا قيمة استراتيجية عالية.
في المقابل، تطالب فانواتو بالجزيرتين استنادًا إلى ما تصفه بروابط تاريخية وثقافية قديمة، معتبرة أن سكان جزرها الجنوبية أقاموا علاقات تقليدية معهما منذ قرون.
أهمية استراتيجية
وصل الملف كذلك إلى مجلس الشيوخ الفرنسي، حيث حذر السيناتور كريستوف-أندري فراسا من تداعيات أي مساس بالسيادة الفرنسية، مشيرًا إلى أن فقدان الجزيرتين قد يحرم فرنسا من نحو 350 ألف كيلومتر مربع من المساحات البحرية.
واعتبر أن ذلك من شأنه إضعاف مكانة باريس كقوة فاعلة في منطقة الإندوباسيفيك، في وقت تتزايد فيه المنافسة الدولية، ولا سيما بين الصين والولايات المتحدة.
وتكتسب هذه التحذيرات وزنًا إضافيًا في ظل الاضطرابات التي شهدتها كاليدونيا الجديدة خلال عام 2024، والتي أثارت تساؤلات حول قدرة فرنسا على تثبيت نفوذها في هذه المنطقة الحساسة.
محادثات مستمرة
على المستوى الدبلوماسي، أوضحت الخارجية الفرنسية أن موضوع ترسيم الحدود البحرية وسيادة الجزيرتين طرح خلال لقاءات رسمية، أبرزها اجتماع في باريس بين الرئيس إيمانويل ماكرون ورئيس وزراء فانواتو، ثم في مباحثات لاحقة مع وزير الخارجية جان-نويل بارو.
وأكدت باريس أن هذه النقاشات لم تتضمن في أي مرحلة فكرة التنازل أو نقل السيادة، بل اقتصرت على تبادل وجهات النظر، بما في ذلك استماع الجانب الفرنسي إلى الأبعاد الثقافية والرمزية التي تطرحها فانواتو.
ومن المقرر أن تستأنف هذه المباحثات في باريس مطلع عام 2026، وسط تأكيد فرنسي متجدد على أن السيادة الوطنية “خط أحمر” لا يخضع للمقايضة، مهما بلغت حساسية الملفات أو تعقيد التوازنات الإقليمية.
وبين شائعات سياسية وحسابات جيوستراتيجية دقيقة، تحاول باريس تثبيت موقف واضح، وهو أن جزيرتي ماثيو وهانتر جزء من السيادة الفرنسية، وأن أي نقاش مستقبلي لن يخرج عن إطار الحوار الدبلوماسي دون المساس بالثوابت الوطنية.
كما أنه في منطقة تتصاعد فيها المنافسة الدولية، يبدو أن هاتين القطعتين الصخريتين الصغيرتين تحملان وزنًا أكبر بكثير من مساحتهما على الخريطة.