أوكرانيا.. هذا طريق إنهاء الحرب بسرعة
بدلا من مساعدة أوكرانيا لحسم الحرب لصالحها، تسبب النهج التدريجي الذي يتبعه الرئيس الأمريكي جو بايدن، في حرب استنزاف طويلة ومأساوية، وسط تزايد احتمال نصر روسيا في ضوء أداء كييف المتعثر في المعارك.
في المقابل تعهد الرئيس الأمريكي السابق بتغيير نهج واشنطن إذا عاد إلى البيت الأبيض، وأصر على أنه إذا فاز في الانتخابات الرئاسية المقررة في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل فسيتمكن من إنهاء الحرب خلال 24 ساعة. وقال نائبه جي دي فانس إن أوكرانيا يجب أن تقتصر على "استراتيجية دفاعية للحفاظ على قوتها البشرية العسكرية الثمينة، ووقف النزيف وتوفير الوقت لبدء المفاوضات".
ويبدو أن الحل الذي يفضله ترامب وفانس هو التوصل إلى تسوية تفاوضية تسمح للولايات المتحدة بتركيز اهتمامها ومواردها في ملف آخر.
والأكيد أنه لا بد أن تنتهي الحرب، وأن تنتهي بسرعة، لكن ذلك لن يتم عبر قطع المساعدات الأمريكية أو الاندفاع نحو صفقة غير متوازنة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وفقا لما ذكرته مجلة "فورين أفيرز" الأمريكية في تقرير لها .
فرصة أخيرة
وقالت المجلة إنه يتعين على الولايات المتحدة وحلفائها منح أوكرانيا فرصة جدية أخيرة لتحقيق النصر واستعادة حدودها لعام 2021 وليس حدود 2013 التي تسعى إليها كييف وهو ما يحقق في النهاية وقف النفقات الأمريكية المفتوحة والحفاظ على استقلال أوكرانيا وأمنها.
ولجعل هذا الأمر ممكنا، يجب على واشنطن وحلفائها تحسين الوضع العسكري لأوكرانيا بشكل كبير وسريع، من خلال ضخ كميات كبيرة من الأسلحة، وعدم فرض أي قيود على استخدامها.
وفي حال تمكنت القوات الأوكرانية من شن هجوم حاسم يعيد القوات الروسية إلى حدود ما قبل الحرب، فسيؤدي ذلك إلى فرصة أكثر واقعية لتحقيق السلام.
وبإمكان الرئيس الأمريكي الجديد أيا كانت هويته أن يحفز التحول في السياسات لتحقيق هذا الهدف فيُمكن أن تغتنم إدارة ترامب الثانية الفرصة من خلال الإشارة إلى قوة الولايات المتحدة وإنهاء الصراع.
وبغض النظر عن الفائز في انتخابات الرئاسة الأمريكية، فإن تعزيز المساعدات العسكرية وعدم فرض قيود عليها يوفر أفضل فرصة لتحقيق سلام طويل الأمد على حدود أوروبا، بحسب المجلة الأمريكية.
ومع اندلاع الحرب في 2022، بدأت الولايات المتحدةوحلفاؤها في إرسال مساعدات عسكرية تدريجية إلى كييف، لكنها وضعت قيودا على كيفية ومكان استخدام الأسلحة الأكثر تقدما، وسط مخاوف من أن يدفع الرد الحازم روسيا نحو المزيد من التصعيد الذي قد يؤدي إلى اتساع نطاق الصراع بما يعرض الغرب للخطر.
الحفاظ على أوكرانيا
وأثارت تهديدات بوتين النووية رعب المسؤولين الأمريكيين والأوروبيين، ما دفعهم لتقديم دعم يكفي فقط لمنع كييف من الانهيار، الأمر الذي يعني أن الهدف الواضح ليست هزيمة روسيا وإنما الحفاظ على أوكرانيا "طالما استغرق الأمر" وصولا للحظة تستنج فيها موسكو أن استمرار الحرب سيكون هزيمة ذاتية.
وبعد مرور أكثر من عامين على القتال، لم تستسلم كييف وفي الوقت نفسه لم يمنحها شركاؤها في الغرب الأدوات اللازمة للانتصار، وبالتالي فمن المرجح أن تنتهي حرب الاستنزاف طويلة الأمد بانهيار أوكرانيا التي لا تمتلك القوة البشرية الكافية لتعزيز الخطوط الأمامية.
وفي الوقت نفسه، تعاني ثلاثة أرباع الشركات الأوكرانية من نقص العمالة بسبب الهجرة والتجنيد العسكري، وفقد القطاع الزراعي مساحات خصبة كما تسبب فقدان الموانئ، مثل ماريوبول، في مشكلات تصدير.
ويشير تقرير صادر عن البنك الدولي في فبراير/شباط الماضي إلى أن إعادة بناء المساكن والبنية الأساسية والصناعة في أوكرانيا ستتطلب ما يقرب من نصف تريليون دولار وكلما مر الوقت، ازداد الوضع سوءا.
استثمارات عسكرية
وفي حين تشكل الحرب تهديدا حقيقيا لأوروبا، فإن معظم استثمارات دول القارة العسكرية الأخيرة كانت متواضعة، حيث تردد الشركاء في صرف مبالغ كبيرة من المال لدعم الاقتصاد الأوكراني.
وتأتي دول شرق أوروبا كاستثناء لتلك القاعدة، فستنفق بولندا أكثر من 4% من ناتجها المحلي الإجمالي هذا العام، وتخطط فنلندا، العضو الجديد في حلف شمال الأطلسي، لمضاعفة إنتاجها من ذخيرة المدفعية بحلول عام 2027، لكن إذا حققت روسيا المزيد من المكاسب فقد لا تقبل هذه الدول بذلك.
وبالنسبة للولايات المتحدة، فإنه ليس هناك فائدة من تمويل صراع طويل الأمد ولن تمنع استراتيجية بايدن المتمثلة في تقديم مساعدات إضافية تدمير أوكرانيا، وستبقى واشنطن غارقة في حرب دون طريق لتحقيق النصر.
كما أن هذه الاستراتيجية غير دائمة، فبعد عقود من الحروب التي لم تحظ بشعبية لم يعد بوسع القادة الأمريكيين أن يعدوا بنفقات مالية غير محددة وإمدادات من الأسلحة على أساس استراتيجية ليس لها أي احتمال للنجاح.
ويمكن أن تعتمد روسيا على اقتصاد الحرب الخاص بها دون اللجوء للتفاوض في ظل ثقتها من قدرتها على استنزاف أوكرانيا حتى الاستسلام.
ولا تستطيع كييف حاليا تحمل تكلفة التفاوض من موقعها هذا، ما يعني أن الحرب ستستمر وبالتالي سيكون أمام روسيا الوقت لخلق مشكلات لأوروبا والولايات المتحدة في أجزاء أخرى من العالم، من خلال توسيع التعاون مع كوريا الشمالية، وتكريس المزيد من القوات في أفريقيا جنوب الصحراء والبحر المتوسط، والتشويش على نظام تحديد المواقع العالمي (GPS) في أوروبا.
صدام مباشر مع الغرب؟
ولا ينبغي للغرب الشعور بالقلق من استفزازات موسكو لأن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين كان حريصا طوال حكمه على تجنب الصدام المباشر مع الغرب.
ومع ذلك، فإن هناك حدودا لما ينبغي لواشنطن وحلفائها القيام به، فمثلا يتعين عليهم عدم تحدي الجيش الروسي على الخطوط الأمامية بإرسال قواتهم إلى أوكرانيا.
وبدلاً من إطالة أمد الحرب، يجب أن يكون هدف الولايات المتحدة إنهاءها بسرعة، ومساعدة أوكرانيا على هزيمة روسيا.
وسيسمح تحقيق الاستقرار في أوروبا لواشنطن بتركيز جهودها في آسيا، فيما تتمثل الوسيلة المنطقية للوصول لهذا الهدف في إرسال الأسلحة إلى أوكرانيا، وعدم فرض أي قيود على استخدامها.
وتحتاج أوكرانيا إلى المدفعية، والمدرعات، والقوة الجوية، ولابد أن تكون قادرة على ضرب أهداف عسكرية في روسيا، مثل المطارات، ومستودعات الذخيرة والوقود، والمصانع العسكرية.
رفع القيود
ومن خلال رفع القيود على استخدام أسلحة مثل الصواريخ متوسطة المدى، ستتمكن كييف من إضعاف موسكو ومنعها من شن هجمات على البنية التحتية الأوكرانية، كما ستحقق اختراقا تكتيكيا يجعلها أقرب من وضعها قبل 2022، ما يمنحها خيارات سياسية مثل إجبار روسيا على التفاوض.
وسيلحق النصر الحاسم أضراراً كافية بالقوات الروسية ،مما يمنح أوكرانيا الوقت لإعادة بناء بنيتها التحتية والصناعية واستعادة الأراضي الخصبة للإنتاج الزراعي، وتعزيز قدرتها العسكرية.
وسيكون لدى الولايات المتحدة وحلفائها الموارد اللازمة لتنفيذ هذه الاستراتيجية بحلول الانتخابات الأمريكية في نوفمبر/تشرين الثاني أو عندما يتولى رئيس جديد منصبه.
وبحلول أوائل 2025، ستكون القدرة الإنتاجية الغربية قد زادت بما يكفي لتزويد القوات الأوكرانية بكميات كافية من قذائف المدفعية.
وإذا كانت دول الغرب لا تستطيع إرسال الجنود للحرب، فبإمكانها توفير تدريب إضافي للقوات الأوكرانية، ويتعين على كييف دعوة الأوكرانيين في سن التجنيد والذين هاجروا للعودة والانضمام إلى القتال ويمكن للدول الأوروبية تدريبهم قبل العودة.
عامل حاسم
وسيكون العامل الحاسم هو سرعة وكمية المساعدات، فإذا تمكنت أوكرانيا من تحقيق انفراجة وفرض العودة إلى أوضاع ما قبل 2022 فقد يؤدي ذلك إلى هزيمة روسيا بشكل واضح حتى لو بقيت شبه جزيرة القرم تحت سيطرة روسيا، لكن سيكون بإمكان الجيش الأوكراني استهدافها لردع موسكو عن استئناف الحرب.
وفي كل الأحوال لا يمكن توقع هزيمة دراماتيكية لروسيا تؤدي إلى تغيير جذري في نظرتها الاستراتيجية، ولا يوجد أي مبرر لواشنطن لإطالة أمد الصراع وتسليم المساعدات قطرة قطرة، لكن حان الوقت لكي يتخذ الرئيس الأمريكي القادم إجراءً حاسماً.