قيادة دولة الإمارات لم تفكر خلال العقد الأخير -حيث شهد غياب الدور العربي بشكل كامل- إلا في أن تكون داعمة للاستقرار في الدول العربية
تتلخص عملية توقيع كل من الحكومة اليمنية الشرعية المعترف بها دولياً والمجلس الانتقالي الجنوبي، اليوم في السعودية، على "اتفاقية الرياض"، بحضور ولي العهد السعودي صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان، في أنها تمهد لإنهاء النزاع السياسي بين الطرفين الأساسيين في مواجهة الخطر الحقيقي الذي يهدد السلم الأهلي الداخل في اليمن المتمثل في مليشيا الحوثي المدعومة من إيران، وبالتالي تسهيل عملية تشكيل حكومة مشتركة تكون مقرها عدن بينهما، ما يعني الانتباه إلى ما يحقق السعادة للشعب اليمني.
أما عن قرار مشاركة دولة الإمارات في مراسم توقيع الاتفاقية ممثلة في صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، لهو دليل عملي لأمرين اثنين؛ الأول: تأكيد تلك الشراكة الاستراتيجية بينها وبين المملكة العربية السعودية والتي عززها تعاونهما في عمليات التحالف العربي الذي تشكل من أجل استعادة السلطة الشرعية للحكومة اليمنية من الحوثيين بعدما طلبت حكومة الرئيس عبدربه منصور هادي التدخل لمساعدتها.
الأمر الآخر وهو الأهم في هذا التوقيت: التعبير العملي عن رغبة دولة الإمارات في مشاركة شقيقتها الخليجية الكبرى السعودية في مساعدة الشعب اليمني للخروج من أزمته بشكل سليم وهادئ باعتبار أن هذا هو أحد ثوابت الدبلوماسية الإماراتية منذ قيام الدولة الاتحادية والتي تعني أن استقرار أي دولة عربية واتحاد شعبها من مصلحة العرب عموماً ومنها شعب دولة الإمارات، لأن زاوية رؤية القيادة الإماراتية للأزمات التي تواجه العرب عادة ما تذهب بعيداً في تحليل تأثيرها على العمل العربي بالكامل.
لا شك أن النتائج على الأرض اليمنية ستكون مختلفة إذا ما التزم الطرفان بما تحمله "اتفاقية الرياض" من بنود، ليس لأنها مدعومة من أقوى حلفاء الشرعية ويراهن عليها المجتمع الدولي ولكن لأنها ستكون طاقة مضافة للطرفين موجهة ضد مَن يحاول تخريب اللحمة الوطنية اليمنية
لم تفكر قيادة دولة الإمارات بصفة أساسية خلال العقد الأخير -حيث شهد غياب الدور العربي بشكل كامل- إلا في أن تكون داعمة للاستقرار في الدول العربية، فغير أنها عملت على استعادة الدولة المصرية من أطماع "الإخوان المسلمين" الذين اتخذوها منطلقاً لتدمير الدول العربية من خلال بث الفوضى فيها، فإنها استطاعت، بمشاركة شقيقتها الكبرى السعودية، إجهاض المخطط الإيراني بالتمدد في الدولة اليمنية من خلال تشكيل التحالف العربي حتى أجبرتا نظام الملالي على التوقف عن إمداد الحوثيين -وكيلهم في اليمن- بالأسلحة.
وصل الأمر بجهد الدولتين؛ الإمارات والسعودية، في مساعدة الدولة والشعب اليمني إلى إقناع المجتمع الدولي بخطر "اختطاف" الشرعية في اليمن، وأهمية استعادتها -الشرعية- منهم وإلا كان الأمر أشبه بنظام عصابات، لهذا ينبغي أن يدرك الكل أن مشاركة الإمارات في هذا التوقيع ليست صدفة بقدر ما هي تفكير استراتيجي للقيادات العربية والدولية الواعية بما تفعله الإمارات في تحقيق الأمن والاستقرار الدوليين.
إن الإرث السياسي الإماراتي له معاييره في دعم استقرار المجتمعات والحفاظ على السلم الأهلي، بل صنعت منها نموذجا يقتدى بدءاً من لبنان في السبعينيات ومروراً بالصومال وباكستان وحتى البوسنة والهرسك وصولاً إلى أفغانستان، ومع كل ذلك يبقى الأمر له بُعد آخر عندما يكون الواجب إنسانيا والدولة شقيقة؛ حيث يكون الأمر خطاً أحمر لا يجب المساس به، ولأن اليمن في الوجدان الخليجي، خاصة الإماراتي، له خصوصية حساسة منذ أيام مؤسس الدولة المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان الذي عمل على إعادة بناء سد مأرب التاريخي، وعليه يكون خبر التوقيع على الاتفاقية مفرحاً ويبعث على السرور في الإماراتيين حكومة وشعباً والذي يعتقد غير ذلك فإنه يعاني من خلل في فهم معايير دولة الإمارات وشخصيتها السياسية في أن يكون اليمن لليمنيين فقط، بل لا يريد خيراً لا لليمن ولا للشعب اليمني.
أفعال دولة الإمارات تتكلم عن نفسها فيما يخص دورها الإنساني ويلمسها الرأي العام العالمي ويرونها بأعينهم أكثر مما يسمعون عنها، فهدف الإمارات هو توحيد الجغرافيا والشعب اليمني من خلال استعادة الشرعية وتحقيق التسوية السياسية واعتبار كل المكونات السياسية والمجتمعية جزءا من الكيان اليمني دون أن يكونوا أذرعا سياسية في اليمن وخنجرا في الخاصرة العربية.
لا شك أن النتائج على الأرض اليمنية ستكون مختلفة إذا ما التزم الطرفان بما تحمله "اتفاقية الرياض" من بنود، ليس لأنها مدعومة من أقوى حلفاء الشرعية ويراهن عليها المجتمع الدولي، ولكن لأنها ستكون طاقة مضافة للطرفين موجهة ضد من يحاول تخريب اللحمة الوطنية اليمنية سواء التنظيمات الإرهابية؛ القاعدة والإخوان المسلمين، أو ذراع إيران الذي تمثلها مليشيات الحوثيين.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة