تركيا تستضيف COP31 وأستراليا تقود المفاوضات.. اتفاق استثنائي في تاريخ معارك المناخ
يشهد ملف استضافة مؤتمر المناخ COP31 تحولا دراماتيكيا بعد اتفاق غير مسبوق بين تركيا وأستراليا، ينهي خلافا ممتدا ويمنح دول المحيط الهادئ مساحة مهمة في مسار المفاوضات المناخية العالمية.
أشارت تسريبات من مدينة بيليم البرازيلية المستضيفة لمؤتمر COP30، تفيد بأن تركيا ستستضيف مؤتمر الأطراف الحادي والثلاثين العام المقبل، بينما ستقود أستراليا المفاوضات الفعلية، بموجب اتفاق أنهى خلافا غير مسبوق بين الدول المتنافسة على الاستضافة.
هذا الاتفاق غير المعتاد، الذي جرى التفاوض عليه مساء الأربعاء ومن المنتظر الإعلان عنه رسميا الخميس، يقضي بعقد المؤتمر في مدينة أنطاليا، المدينة المتوسطية العريقة ذات التاريخ الممتد لألفي عام والتي تعد العاصمة السياحية لتركيا.
وستتولى أنقرة تنظيم الحدث، في حين ستقود أستراليا المداولات الدبلوماسية الهادفة إلى كبح ارتفاع درجات الحرارة وحماية المجتمعات من انهيار المناخ المستقر، وفقا لصحيفة الغارديان.
الأهم أن هذا الاتفاق يمهد الطريق أمام دول جزر المحيط الهادئ الضعيفة التي كانت جزءا من العرض الأسترالي للقيام بدور أساسي. وقد أوضح وزير المناخ الأسترالي كريس بوين أن الاتفاق قد يتضمن فعالية في إحدى جزر المحيط الهادئ قبل موعد القمة، بهدف التعهد بتمويل صندوق مرونة المحيط الهادئ.
من منظور آخر، يمكن القول إن مساعي أستراليا الطويلة لاستضافة مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ (COP31) انتهت فعليا بالفشل. فقد خاضت كانبيرا حملة استمرت أكثر من ثلاث سنوات للحصول على حق استضافة أكبر قمة للمناخ في العالم، كانت ستجذب عشرات الآلاف إلى مدينة أديلايد في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، لكنها خسرت السباق لصالح أنطاليا الواقعة على ساحل البحر الأبيض المتوسط.
تشكل هذه النتيجة خيبة أمل للكثيرين ممن كانوا يأملون أن تساهم استضافة القمة في تسريع انتقال أستراليا من اقتصاد يعتمد على الوقود الأحفوري إلى دولة رائدة في الطاقة المتجددة، إضافة إلى منح دول المحيط الهادئ المنكوبة بالتغير المناخي منصة دولية أوسع.
أما العملية التي قادت إلى فشل العرض فقد اتسمت بالفوضى. ففي الأيام الأخيرة ثارت شكوك حول مدى رغبة رئيس الوزراء أنتوني ألبانيز وبعض الشخصيات البارزة في نجاح الملف، إذ بدا خطابه متذبذبا، ما دفع وسائل إعلام محلية ودولية إلى الحديث عن انسحاب حكومي غير معلن.
هذا التناقض بدا واضحًا مقارنةً بالرسالة التي قدمتها الوفود الأسترالية في مؤتمر الأطراف COP30 في بيليم، حيث أعلن الوزير بوين أن بلاده "جاهزة للفوز".
عدم اليقين هذا ليس جديدا؛ فبينما دافع بوين بشدة عن العرض، لم يظهر كبار المسؤولين الحكوميين حماسة مماثلة، كما اتخذت وزارة الخارجية والتجارة، المسؤولة عن مفاوضات المناخ الدولية، موقفًا باردًا بل معارضًا أحيانًا.
لا توجد كذلك مؤشرات على أن رئيس الوزراء يولي مؤتمرات المناخ اهتمامًا كبيرًا؛ فهو لم يحضر أيًا منها منذ توليه منصبه عام 2022، وكان من الممكن بذل جهود أكبر لتقوية ملف بلاده.
هذا هو الجانب السلبي، لكن ثمة منظور آخر يراه بعض المراقبين. فقد كشف بوين عن اتفاق غير مسبوق توصّل إليه مع نظيره التركي مراد كوروم، يقضي بأن تكون تركيا المضيفة والرئيسة الفعلية للمؤتمر، بينما تتولى أستراليا رئاسة المفاوضات وصياغة التوافق بين نحو 200 دولة حول ملفات الحد من أزمة المناخ.
يتضمن الاتفاق أيضًا تعزيز دور المحيط الهادئ عبر فعالية تمهيدية في إحدى دوله.
ورغم أن الاتفاق لا يزال معلقا على تفاصيل لم تُحسم، ولا توجد علاقة وثيقة بين أنقرة وكانبيرا، وقد ينهار الترتيب قبل انطلاقه، فإنه يُعدّ في نظر البعض محاولة لإنقاذ العملية متعددة الأطراف من أزمة محققة.
تُعد تركيا في نظر جهات عدة دولة قد تُربك مسار مفاوضات المناخ الأممية، إذ يعتمد النظام عادة على التوافق بين الدول، وعندما تكون هناك عروض متنافسة يُتوقع من المرشح الأقل دعمًا الانسحاب طواعية أو بالتفاهم. لكن أنقرة خالفت هذه القاعدة. ورغم أن 24 دولة من أصل 28 دولة في مجموعة أوروبا الغربية ودول أخرى أيّدت العرض الأسترالي–المحيطي، فإن تركيا أصرت على موقفها، وهو ما وصفه البعض بـ"الابتزاز" السياسي.
يعكس هذا التعنت حالة الاضطراب الجيوسياسي، ومع غياب دور الولايات المتحدة في عهد دونالد ترامب، لم تكن هناك قوة كبرى قادرة على مواجهة ضغوط الدول المنتجة للنفط التي ساندت تركيا. كما أن علاقة الرئيس رجب طيب أردوغان الوطيدة بفلاديمير بوتين أثارت مخاوف من أن تقود تركيا المؤتمر بطريقة قد تعطل المفاوضات.
ولم يرغب الألمان في استضافة مؤتمر غير مهيأ في مقر الأمم المتحدة للمناخ بمدينة بون، وهو السيناريو الذي كان سيحدث لو لم يُكسر الجمود.
وبذلك كان لا بد من إيجاد مخرج. وعلى الرغم من نقائص النظام الأممي، فإن العمل متعدد الأطراف حقق تقدمًا ملموسًا في مواجهة الاحتباس الحراري. ويُنظر إلى الاتفاق التركي–الأسترالي كحل مبتكر يبقي هذا العمل قائمًا في وقت تحتاج فيه المعركة المناخية إلى أقصى درجات التعاون.
ورغم الانتقادات الموجهة للحكومة الأسترالية بسبب دعمها الوقود الأحفوري، فإن نشطاء المناخ يرون في بوين شخصية إيجابية وفاعلة، وقد جرى تكليفه برئاسة مسارات التفاوض في أربعة مؤتمرات من أصل أربعة شارك فيها، وهو ما يؤكد أهميته.
ويشير إروين جاكسون، من مركز "كلايمت ووركس"، إلى أن دور "رئيس المفاوضات" محوري لنجاح أي مؤتمر دولي، مستشهدًا بنماذج ناجحة مثل برلين 1995، وكانكون 2010، وباريس 2015، وفاشلة مثل كوبنهاغن 2009.
لكن تبقى أسئلة بلا إجابة، منها: ما الذي يمكن لأستراليا فعله لمنع احتمال تقييد تركيا للمجتمع المدني خلال المؤتمر؟ قد لا يكون كثيرًا، لكن ذلك لا ينفي أن الاتفاق يشكل فرصة حقيقية لتحقيق تقدم لصالح المحيط الهادئ وأستراليا والعالم.
aXA6IDIxNi43My4yMTYuMTU4IA==
جزيرة ام اند امز