تتذرع إيران بإنشاء هذا الطريق لتوفير السياحة الدينية وربط المراقد الشيعية، وهي حجة لا أكثر، تختفي وراءها أغراض أخرى أبعد من ذلك
هل أصبح الطريق البري سالكاً من إيران إلى بيروت مروراً بالعراق وسوريا؟
كان هذا الطريق حلماً يداعب إيران، وأنه الآن أصبح قيد الإنجاز، فقد كان حارس البوابة الشرقية -الاسم الذي أطلق على الرئيس العراقي الراحل صدام حسين- عائقاً أمام مشروع هذا الطريق إلا التغييرات المتسارعة غيّرت الجغرافيا.
يبلغ طول هذا الطريق البري 1700 كم، وبعرض يتجاوز 200 متر، حيث ينطلق من العاصمة الإيرانية طهران مروراً بالجبال الإيرانية، ثم يدخل سهول العراق حتى مدينة بغداد العراقية، وصولاً إلى بادية الشام، ثم مدينة دمشق السورية، ومن ثم إلى بيروت، وينقسم إلى خمسة أقسام، قسم بعرض 50 متراً للشاحنات وقسم آخر بعرض 50 متراً للسيارات الخاصة والعامة، ويضاف لهما قسم آخر مخصص للسيارات العسكرية وشرطة المرور، حسب ما وصفته وسائل الإعلام العالمية.
إن بلدان الخليج تجد نفسها متضررة من مشروع الطريق البري وكذلك تركيا، فهل تتغير استراتيجياتها يا تُرى ضمن المعطيات الجديدة؟ بعد أن تدرك جميع أطراف المعادلة أن الهدف السري منه هو تقوية النفوذ الإيراني في البلدان الثلاثة: العراق، سوريا ولبنان، وهو ما يعيد رسم ملامح السياسة والاقتصاد
والسؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح: من المستفيد الأكبر من هذا الطريق البري؟ هل الدول التي تمر بها أم إيران؟
تتذرع إيران بإنشاء هذا الطريق لتوفير السياحة الدينية وربط المراقد الشيعية، وهي حجة لا أكثر تختفي وراءها أغراض أخرى أبعد من ذلك، فله غايات سرية أخرى منها تسهيل عملية نقل مليشياتها، ومواردها الخام إلى موانئ سوريا ولبنان، وهي ذاتها التي جاءت لسوريا من إيران والعراق للقتال، وبلغ عددها أكثر من 35 مليشيا، ونحو مئة ألف مقاتل.
مما لا شك فيه، إن هذا الطريق جزء من محاولة كسر الحصار عليها من أجل إيجاد منفذ لتصدير البترول والغاز إلى العراق وسوريا ولبنان، ومن ثم إلى اليونان وإيطاليا من لبنان عبر المتوسط، وكانت إيران تحلم بأن يتم نقل الغاز الإيراني إلي أوروبا عبر أراضيها من خلال الخط العابر للأناضول ثم خط العابر للأدرياتيكي، مروراً بألبانيا واليونان وصولاً إلى إيطاليا، ومن هناك تتداخل المصالح والاستراتيجيات.
تسعى إيران إلى جمع استراتيجتها ذات الأبعاد الدينية والمذهبية والنفعية في آن واحد، لكنه لا يمكن أن يستدام ما لم يتم تقوية نفوذها في العراق وسوريا، ومن هنا يأتي إلحاح إيران على إلحاق الدولتين الأخيرتين لنفوذها، أما الهدف الجوهري الآخر فهو من أجل استخدام الأوراق اللبنانية والسورية والفلسطينية واليمنية والعراقية كأدوات ضغط إقليمية في مواجهة أعدائها في حال التصعيد، وكذلك بث الذعر والخوف في المنطقة بصواريخها الباليستية المتوسطة المدى، هذه الأبعاد تجتمع فيما هو ديني واستراتيجي ونفعي في آن واحد، لذلك تسعى لزيادة مبادلاتها التجارية مع البلدان التي تخدم طريقها البري الاستراتيجي في العراق وسوريا، وقد وصلت إلى أرقام مهمة، وهي تدرك تماماً أن الحرب في سوريا أعاقت دون تصدير غازها عبر المتوسط إلى أوروبا، لذلك يكون تدخلها مباشراً ودون تأخير لا دخل لادعاءاتها المذهبية حتى.
كان من الممكن أن يكون الطريق البري مجدياً ونافعاً للجميع لو كانت لإيران النية الصادقة في مدّ جسورها في منفعة هذه البلدان والمنطقة، دون أن يكون لها نوازع أخرى خفية ضمن أجندتها السرية ذات الأغراض العدوانية؛ لأنها تريد في الجوهر مدّ نفوذها والتكيف مع حال الفوضى، والاستفادة من الأوضاع الشاذة لتنفيذ مشاريع استراتيجية وحيوية تخدم نفوذها فقط، دون التفكير في مصالح البلدان الأخرى، ودون الاستناد إلى التبادل التجاري الحر بين البلدان، والقائمة على أسس وقوانين دولية معترف بها، وهنا تكمن الخطورة، والدليل على أنانيتها وأغراضها ونيتها المسبقة أنها لا تهتم للبنية التحتية المهدمة في هذه البلدان، ولا تعمل شيئاً من أجلها؛ لأن ما يهمها هو الحفاظ على نفوذها السياسي بالدرجة الأولى، وليس الخط البري سوى جسر لتوطيد نفوذها السياسي والاقتصادي والمذهبي، ولا تعتبر هذه البلدان -العراق سوريا لبنان اليمن- رئتها الحيوية، والدليل على ذلك أن الحرس الثوري هو الذي يقف وراء مشروع الطريق البري.
كما أن هذا المشروع يأتي من أجل تأجيج الصراع مع المملكة العربية السعودية، بموقعها المهم في المنطقة، بجغرافيتها الواسعة، وكونها تمثل العمق الاستراتيجي لأمن الخليج، وإن أي استحواذ إيراني على المشرق العربي وتطويعه اقتصادياً وتجارياً سيعني حصاراً خانقاً على معظم دول الخليج العربي، كما أن هذا الخط البري الذي ينطوي على مخاطر كبيرة في موضوع تغيير الوقائع الديموغرافية في البلدان التي يمر بها لن يكون المشروع في مأمن لو حصلت تغييرات فيها، لذلك تقيم معها إيران صلات قوية، ولا يمكن للطائفية أن تكون العامل الحاسم، فإن هناك العامل الوطني المغيّب حالياً ولكنه لا بد أن يظهر يوماً.. آنذاك تتغير المعادلات.
وهكذا فإن بلدان الخليج تجد نفسها متضررة من مشروع الطريق البري وكذلك تركيا، فهل تتغير استراتيجياتها يا تُرى ضمن المعطيات الجديدة؟ بعد أن تدرك جميع أطراف المعادلة أن الهدف السري منه هو تقوية النفوذ الإيراني في البلدان الثلاثة: العراق، سوريا ولبنان، وهو ما يعيد رسم ملامح السياسة والاقتصاد، وتكريس التحول الديموغرافي، (من ضمنه تغيير قانون الجنسية في العراق لمنحه إلى الإيرانيين بسهولة)، وهو ما يصّب في تأجيج الصراعات في المنطقة، ويحول دون استقرارها، فهل هذا الطريق البري بذرة فاسدة في واقع عربي خليجي يتطلع إلى مزيد من التطور والاستقرار؟ هذا من ناحية، أما من الناحية أخرى.. هناك ردود التحالف الأمريكي الغربي، لا ندري كيف سيكون إزاء المعادلة الجديدة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة