علاج السكري.. "الدماغ الثاني" يكشف أملا جديدا
مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها (CDC) تقدر أن أكثر من 30 مليون شخص في الولايات المتحدة يعانون من مرض السكري من النوع الثاني.
كشف باحثون عن أدلة جديدة حول لغز كيفية تأثير الجهاز العصبي للأمعاء، والذي يطلق عليه (الدماغ الثاني) على استقلاب الجلوكوز في باقي أجزاء الجسم، ويمكن أن تؤدي نتائجهم إلى علاجات جديدة لمرض السكري من النوع الثاني.
ويتسبب داء السكري من النوع الثاني في أن تصبح خلايا الجسم أقل حساسية لإشارات الأنسولين، وهو الهرمون المسؤول عن تنظيم مستويات الجلوكوز في الدم، وتسمى هذه الحساسية المنخفضة بمقاومة الأنسولين، وتمنع الخلايا من امتصاص الجلوكوز الإضافي الذي يدخل مجرى الدم بعد الوجبة.
وبمرور الوقت، تؤدي تركيزات عالية من الجلوكوز في الدم إلى تلف الأنسجة في جميع أنحاء الجسم، مما يتسبب في حدوث مضاعفات مثل أمراض القلب وفقدان البصر وأمراض الكلى.
وتقدر مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها (CDC) أن أكثر من 30 مليون شخص في الولايات المتحدة يعانون من مرض السكري من النوع الثاني، ويمكن للتغييرات في النظام الغذائي والتمارين الرياضية والجوانب الأخرى للحياة أن تحسن الأعراض بل وتعكس الحالة لدى بعض الأشخاص، وتتوافر الأدوية أيضا لعلاج مرض السكري من النوع الثاني، ولكنها قد تسبب آثارا جانبية مثل الغثيان والإسهال.
لذلك فإن اكتشاف علاجات عن طريق الفم ليست فعالة فحسب، بل خالية أيضًا من الآثار الجانبية، يعد من أولويات الباحثين في مرض السكري.
وتعتقد مجموعة من العلماء، كثير منهم منتسبون إلى المعهد الوطني الفرنسي للصحة والبحوث الطبية في تولوز، أنهم يقتربون من تطوير مثل هذا العلاج، ونشروا النتائج التي توصلوا إليها في العدد الأخير من مجلة (Gut).
ويعتمد هذا البحث الأخير على عمل سابق يقترح أن جزيئات الدهون أو الدهون التي تنتجها بكتيريا الأمعاء "الودية" يمكن أن تحسن استقلاب الجلوكوز في الدم.
ويُعتقد أن هذه الدهون تؤثر على محور الأمعاء والدماغ، وهو الاتصال الحيوي ثنائي الاتجاه بين الدماغ والجهاز العصبي المعوي عالي التطور، والمعروف أيضًا باسم الجهاز العصبي المعوي أو "الدماغ الثاني".
وفي مرض السكري من النوع الثاني، يبدو أن الاتصال بين الأمعاء والدماغ ينهار نتيجة لذلك، فبعد تناول الوجبة، يفشل الدماغ في إرسال إشارات إلى الكبد والعضلات والأنسجة الدهنية تخبرها بامتصاص المزيد من الجلوكوز من مجرى الدم، وهذا بدوره يؤدي إلى مقاومة الأنسولين.
وعادةً ما يرسل الاثني عشر، الجزء الأول من الأمعاء الدقيقة، إشارات إلى الدماغ، والتي تتضمن استرخاء العضلات الملساء في البطانة، ومع ذلك، في الأفراد المصابين بداء السكري من النوع الثاني، تكون هذه العضلات منقبضة بشكل دائم أو شديدة الانقباض، لذلك لا يتم إرسال الإشارة أبدًا.
ويعتقد الباحثون أن بكتيريا الأمعاء الودية هي المفتاح لعكس فرط الانقياد واستعادة التمثيل الغذائي الصحي للجلوكوز.
وتسمى العناصر الغذائية التي تغذي البكتيريا الصديقة (البريبايوتكس)، وعلى وجه الخصوص، من المعروف أن الكربوهيدرات التي تسمى (فركت أوليغوساكاريدس) (FOS) تعزز نمو البكتيريا التي تعمل على تحسين التمثيل الغذائي للجلوكوز من خلال إنتاج الدهون المختلفة.
ومع ذلك، فإن هوية هذه الدهون ظلت مجهولة حتى الآن، ولمعرفة المزيد، أطعم الباحثون الفئران بنظام غذائي خاص مكمل بالكربوهيدرات التي تسمى (فركت أوليغوساكاريدس)، ثم قارنوا محتويات القولون الخاص بهم بمحتويات الفئران التي لم تتلق هذا النظام الغذائي التكميلي.
واكتشف الفريق أن الدهون الوحيدة ذات المستويات المرتفعة بشكل ملحوظ في قولون الفئران التي تغذت على الغذاء التكميلي، كانت مادة دهنية تسمى (12-HETE)، وعندما قاموا بإطعام الفئران المصابة بداء السكري بـتلك المادة، لم تقلل الدهون من فرط احتقان الاثني عشر فحسب، بل حسنت أيضًا مستويات الجلوكوز في الدم لدى الفئران.
ولاستكشاف ما إذا كانت هذه النتائج تنطبق على البشر، قام العلماء بتحليل الخزعات من الاثني عشر للأشخاص المصابين بداء السكري من النوع الثاني الذين تلقوا علاجات مضادة لمرض السكر والمتطوعين الأصحاء الذين لم يتلقوا العلاج.
ووجدوا أن هناك 38% أقل من المادة الدهنية (12-HETE) في الاثني عشر لدى مرضى السكري، مقارنة بالمتطوعين الأصحاء، ويقر الباحثون بأن هذه النتيجة لم تكن ذات دلالة إحصائية، لكنهم يشيرون أيضًا إلى الأعداد الصغيرة من المتطوعين في دراستهم.
وأخيرًا، أظهروا أن المادة ( 12-HETE ) تقلل تقلص العضلات في الاثني عشر عن طريق تعزيز الإشارة من مستقبل عصبي يسمى مستقبلات (ميو أفيونية المفعول)، وهذا أعاد التواصل بين القناة الهضمية والدماغ.
ويبدي العلماء تفاؤلا بأن دراستهم الجديدة سوف تساهم في الوصول لعلاجات جديدة، تعزز إنتاج المادة الدهنية ( 12-HETE ) في القناة الهضمية أو تنطوي على تناولها عن طريق الفم كمكمل غذائي.