الملك عبدالعزيز بن سعود التقى الرئيس الأمريكي روزفلت على ظهر الطراد البحري (كوينسي) في البحيرات المرة بقناة السويس في فبراير 1945.
في فبراير عام 1945 غادر الملك عبدالعزيز بن سعود ميناء جدة للقاء الرئيس الأمريكي روزفلت، على ظهر الطراد البحري (كوينسي) في البحيرات المرة في قناة السويس. وكان روزفلت قد انتهى للتو من مؤتمر يالطا، الذي جمع بين قادة الحلفاء المنتصرين في الحرب العالمية الثانية. وتم فيه تقسيم ألمانيا، وكذلك برلين، ومهد لنظام عالمي جديد، وإنشاء منظمة دولية عامة (الأمم المتحدة) لصون السلم والأمن الدوليين.
اجتمع روزفلت، قبل لقائه الملك عبدالعزيز، مع الملك فاروق، الذي ركز في حديثه مع روزفلت على «شكواه من الطريقة التي يعامله بها السفير البريطاني في مصر اللورد (مايلز لامبسون)»
هي حقاً، مشكلة صدَّرتها أوروبا إلى الوطن العربي، أوروبا التي فشل إيمانها بالديمقراطية وحقوق الإنسان، ومارست ما عرف في القرن التاسع عشر حتى الحرب العالمية الثانية باسم «المسألة اليهودية».. لم تقبل أو لم تستطع أوروبا دمج الجماعات اليهودية في مجتمعاتها.
وطبقاً لملفات السويس، التي كتبها محمد حسنين هيكل، فإن ملك مصر جاء طالباً من روزفلت «تخليصه من الإذلال البريطاني»، ولم تطرح في الاجتماع مسألة «مساعدة يهود أوروبا على الهجرة إلى فلسطين».
إلا أن هذه المسألة كانت محور لقاء (روزفلت) مع الملك عبدالعزيز.
كانت هذه المرة الأولى التي يغادر فيها الملك السعودي أرض بلاده، وقد رافقه وفد كبير يتجاوز الأربعين فرداً، واستقل الوفد بارجة حربية أمريكية (مورفي)، من جدة إلى قناة السويس.
وتتحدث مذكرات أمريكية وشهود عيان عن تفاصيل هذه الرحلة، وتسهب في وصف المشهد.. بدءاً من القهوة العربية وإعدادها، وملابس أعضاء الوفد وخناجرهم وسيوفهم.. وعدد «الخرفان» التي جلبها الوفد طعاماً له، ومحاولة بعض الأعضاء التحدث بالعربية، مع بحارة أمريكيين ببشرة سوداء (من أصل إفريقي).
بعد استماع الملك لحديث روزفلت عن تطورات الحرب، واستعراض الثقة بأن الألمان وحلفاءهم قد خسروا الحرب، أعرب (روزفلت) عن طلبه من الملك المساعدة لإسكان يهود أوروبا «الذين ذاقوا الرعب والعذاب على يد النازيين» في فلسطين.
تتطابق المصادر العربية الأمريكية في إيراد ما دار في هذا اللقاء، وتقول المصادر: إن الرئيس الأمريكي شرح للملك العربي الاضطهاد الذي تعرض له اليهود، وأن اليهود يأتون إلى فلسطين لاجئين فقراء هاربين من الموت، وامتدح العرب، واصفاً إياهم بأنهم شعب مضياف وكريم وشهم، يعطف على الضعيف اللاجئ.. وختم (روزفلت) حديثه بمناشدة الملك العربي تسهيل إقامة اليهود بين عرب فلسطين.
وجاء دور الملك عبدالعزيز في الكلام، فسأل محدثه: من اضطهدهم أيها الرئيس؟ فأجابه الأمريكي: الأوروبيون عامة، والألمان خاصة، وإن الذين أتوا إلى فلسطين، ويأتون إليها، إنما هم من استطاعوا أن ينجوا بأنفسهم من القتل، وهم يتطلعون إلى حياة أكثر أمناً وسلاماً في فلسطين، ولهم رغبة عاطفية في العيش في فلسطين.
أجابه الملك: بما أن الألمان هم الذين اضطهدوهم أليس من العدالة أيها الرئيس أن تعطوهم أرضاً في ألمانيا وقد خضعت لاحتلالكم؟
وأضاف: لم يُلحق العرب أي شر بيهود أوروبا، إنهم الألمان الذين سرقوا أموالهم وأرواحهم.
كان الملك عبدالعزيز يعبر عن وجهة نظر عربية وإسلامية، وعن حس العدالة البسيط الكامن في كل إنسان.
هي حقاً، مشكلة صدَّرتها أوروبا إلى الوطن العربي، أوروبا التي فشل إيمانها بالديمقراطية وحقوق الإنسان، ومارست ما عرف في القرن التاسع عشر حتى الحرب العالمية الثانية، باسم «المسألة اليهودية».
لم تقبل أو لم تستطع أوروبا دمج الجماعات اليهودية في مجتمعاتها.
وتذكر بعض المصادر أن الملك العربي ابن سعود، قد ذكر في حديثه مع الرئيس الأمريكي ما معناه: «إن من تقاليد العرب، توزيع الضحايا الناجين من المعركة على العشائر المنتصرة، وفقاً لعدد كل عشيرة، وبمقدار ما أسهمت به من ماء وطعام للمحاربين، وإن في معسكر الحلفاء نحو خمسين بلداً، وإن أفقرها وأصغرها فلسطين، التي عُهد إليها بأكثر مما تطيق من اللاجئين الأوروبيين».
صمت (روزفلت) أمام هذه المرافعة العقلانية، ووعد كتابة: بالامتناع عن القيام بأي عمل قد يكون معادياً للعرب، وأن أمريكا لن تتخذ أي قرار نهائي حاسم بشأن فلسطين من دون التشاور مع جميع الأطراف المعنية.
مات روزفلت بعد شهرين، وجاء ترومان الذي كان سباقاً للاعتراف بالكيان «الإسرائيلي»، إثر صدور قرار التقسيم.
في زيارة لي كسائح إلى البيت الأبيض قبل ثلاثة عقود، قرأت عبارة مكتوبة فوق المدخنة الكبيرة (المدفأة) في قاعة الطعام الرئيسية، تقول: «أدعو السماء أن تمنح بركتها لهذا البيت، ولجميع الذين سيعيشون فيه، والشخص الذي يحكم تحت سقف هذا البيت، لن يكون إلا سوى شريف وحكيم»
نقلاً عن "الخليج"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة