كم تحسر الإسبان على ما كان ربما مقدرا أن يحدث ولم يحدث لا لأنه القدر بل لأن رئيس الاتحاد الإسباني لكرة القدم روبياليس أراد ذلك.
كم تحسر الإسبان على ما كان ربما مقدّرا أن يحدث ولم يحدث، لا لأنه القدر، بل لأن رئيس الاتحاد الإسباني لكرة القدم لويس روبياليس أراد ذلك.
كم تحسر الإسبان على ما كان ربما مقدّرا أن يحدث ولم يحدث، لا لأنه القدر، بل لأن رئيس الاتحاد الإسباني لكرة القدم لويس روبياليس أراد ذلك.
من سخرية الأقدار أن روبياليس حطم منتخب بلاده قبل يومين من بدء كأس العالم في روسيا في يونيو/حزيران الماضي، حين أقال رئيس الاتحاد مدرب المنتخب جولين لوبيتيجي، كان يصدر في الوقت ذاته حكما بإعدام فريق وصل إلى بلاد القياصرة بصفته واحدا من أبرز المرشحين لإحراز اللقب، إذ لم يخسر طيلة سنتين، بعدما تسلم لوبيتيجي منصبه خلفاً لفينسنتي ديل بوسكي عام 2016.
من قرأ ولو نذرا يسيرا من تعليقات المشجعين الإسبان على موقع التواصل الاجتماعي "تويتر"، بعدما سحق منتخب بلادهم المنتخب الكرواتي، وصيف البطل في المونديال، يدرك حجم المرارة وهول الكارثة التي حلّت بالبلاد.
والمفارقة أن الشخص المكلف بقيادة سفينة كرة القدم في إسبانيا إلى بر الأمان تركها وسط عاصفة لم تترك شيئاً وراءها، لن تمحو سنوات ولا عقود الجريمة التي اقترفها روبياليس في حق إسبانيا ومنتخبها.
عودة إلى "ليلة السكاكين الطويلة"، قبل يومين من بدء المونديال، نشر ريال مدريد على موقعه الإلكتروني نبأ تعاقده مع لوبيتيجي، على أن يتسلم منصبه بعد انتهاء كأس العالم.
في اليوم التالي، أعلن روبياليس إقالة المدرب، متذرعاً بـ"قيم الاتحاد"، في إشارة ضمنية إلى "خيانة" لوبيتيجي.
وشكا روبياليس من أن نادي العاصمة الإسبانية أبلغه بالأمر قبل 5 دقائق من نشر البيان على موقعه الإلكتروني، ويحاول بذلك الإيحاء بأن ريال مدريد أخفى عنه أمر مفاوضاته مع المدرب، ولم يطلعه على ذلك سوى قبل دقائق من إعلانه رسميا.
لكن الحقيقة مختلفة تماماً، بعد نصف ساعة على بيان النادي الأبيض نشر الاتحاد الإسباني على موقعه الإلكتروني بيانا أورد فيه أنه كان مطلعا في كل الأوقات على المحادثات بين مدرب المنتخب وريال مدريد، كما كان على اتصال بالنادي.
وأفاد البيان بفسخ عقد المدرب بعد انتهاء مشاركة إسبانيا في كأس العالم، متمنياً له أفضل حظ ممكن في حقبته الجديدة، وطالب بأكبر قدر من الاحترام للحفاظ على الطابع العادي خلال استعدادات المنتخب قبل مباراته ضد البرتغال.
ولكن سبحان مغيّر الأحوال! بعد ساعات على بيانه الأول نشر الاتحاد بياناً ثانياً، حذف منه الفقرة التي تفيد بأنه كان مطلعاً في كل الأوقات على المحادثات بين لوبيتيجي وريـال مدريد، وعلى اتصال بالنادي، كما محا العبارة التي تتمنى للمدرب "أفضل حظ ممكن في حقبته الجديدة".
ثم شن روبياليس حملة عنيفة على لوبيتيجي والريال، نافياً إطلاعه على المفاوضات بينهما.
ولكن ماذا حدث بين بياني الاتحاد؟ ولماذا بدّل رئيسه روايته للأحداث؟ فتش عن الصحافة، ومصالح نواد أخرى منافسة لفريق العاصمة الإسبانية.
لم يخف روبياليس أنه ناقش إعلاميين في شأن مصير لوبيتيجي، لافتاً إلى أنهم كانوا موافقين على قراره، كما نشرت وسائل إعلام إسبانية أن رئيس الاتحاد تشاور مع أندية لا سيما برشلونة وأتلتيكو مدريد.
وماذا ينتظر روبياليس من هذين الناديين ومن وسائل إعلام غالبيتها معادية لريال مدريد سوى تحريضه على إقصاء مدرب المنتخب؟ وهل كان هؤلاء سيتخذون الموقف ذاته لو وقع لوبيتيجي مع ناد آخر؟
هذه تساؤلات بديهية لمن يعرف شيئاً ضئيلاً عما يحدث في الوسط الكروي الإسباني وعن التحامل الإعلامي على نادي العاصمة، وأسهمت الصحافة الإسبانية في تحريض روبياليس، إذ شنت حملة شعواء على لوبيتيجي وريـال مدريد مطالبة برأس المدرب.
تخيلوا لو أن لوبيتيجي أبرم عقداً مع برشلونة لا ريال مدريد، ماذا كان سيحدث؟ الأرجح لا شيء، علماً أن الأمر ذاته حدث عام 1980 مع النادي الكتالوني ولم تثر فضيحة.
قبل 3 أيام من انطلاق كأس الأمم الأوروبية تلك السنة، أعلن رسميا أن مدرب المنتخب الإسباني آنذاك المجري لاديسلاو كوبالا سيتخلى عن منصبه في نهاية البطولة لينتقل إلى برشلونة، وبدا الأمر عادياً بالنسبة إلى الاتحاد ووسائل الإعلام كما يجب أن يكون.
وهل يعتقد أحدهم بأن مدرباً للمنتخب الإسباني سواء كان لوبيتيجي أو كوبالا سيفقد ذرة من مهنيته وتفانيه في عمله إذا وقع مع نادٍ قبل بطولة كبرى؟
برر ريال مدريد إعلان تعاقده مع لوبيتيجي قبل يومين من بدء مونديال روسيا بأن الخبر سرب وقد يثير بلبلة إعلامية إذا بقي في إطار الشائعة، وآثر النادي الأبيض كشف الأمر تجنباً للمس بمسيرة المنتخب.
لكن روبياليس حول مسألة إجرائية محدودة إلى فضيحة مجلجلة هزت أركان المنتخب وجعلته عاجزاً عن المنافسة في كأس العالم لسبب بسيط جداً، إذ خسر "ربّان سفينته" قبل "معركة" أعد لها طيلة سنتين محققاً نتائج بارزة.
يشيع رئيس الاتحاد الإسباني أن ما فعله لوبيتيجي يشكل خيانة وسابقة لا تغتفر في تاريخ كرة القدم، لكنه مخطئ، إضافة إلى كوبالا شهدت اللعبة أمثلة كثيرة مشابهة ولم تحدث "الزوبعة" التي أثارها روبياليس.
قبل خوض المنتخب الإسباني مباراة في نصف نهائي كأس الأمم الأوروبية عام 2008 أعلن مدربه الراحل لويس أراجونيس تعاقده مع نادي فناربخشه التركي، وأحرزت إسبانيا اللقب آنذاك، وبدا كل شيء طبيعيا.
والأمثلة أكثر من أن تُحصى، بينها إعلان انضمام المدرب الهولندي لويس فان جال إلى مانشستر يونايتد قبل قيادته منتخب بلاده إلى نصف نهائي مونديال 2014.
ناهيك عن توقيع المدرب الإيطالي أنطونيو كونتي مع تشيلسي قبل خوضه مع منتخب بلاده كأس الأمم الأوروبية عام 2016، وكان المدرب البرازيلي لويس فيليبي سكولاري أعلن توقيعه مع النادي الإنجليزي خلال قيادته المنتخب البرتغالي أثناء الدورة ذاتها عام 2008.
انتظر الإسبان عودة الأمور إلى طبيعتها في اتحاد كرة القدم بعد عاصفة إقصاء رئيسه السابق أنخل ماريا فيّار إثر فضيحة فساد كبرى، لكن ما فعله روبياليس أفقده صدقيته بعدما تعهد بأن يكون الاتحاد للجميع وشفافاً.
المضحك أن روبياليس أعلن أن الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما أيد القرار الذي اتخذه، لكن كل ذلك لن يمحو أن رئيس الاتحاد اتخذ أسوأ قرار ممكن وجعل المنتخب الإسباني يتيماً خلال مونديال روسيا.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة