دفة الدبلوماسية الأمريكية.. بين صراع «النفوذ الصامت» و«المنصب المُقيّد»

لم يكن ماركو روبيو يعلم أن توليه منصب وزير الخارجية في إدارة دونالد ترامب الثانية سيضعه في اختبار يومي.
روبيو لم يكن أمام رئيس لا يؤمن بالثوابت، بل أمام منافس غير تقليدي يتسلل من الظل ليعيد رسم خريطة النفوذ.
ذلك المنافس هو ستيف ويتكوف، رجل العقارات المقرب من ترامب، الذي امتلك ما لا يملكه روبيو: ثقة الرئيس المطلقة، وهو ما جعله يحكم السياسة الخارجية من خارج الوزارة، متنقلًا بين موسكو وتل أبيب وبكين، وكأنه «وزير خارجية موازٍ» بلا قيود ولا مساءلة.
في هذا الصراع الخفي، لم يكن التحدي فقط في كواليس البيت الأبيض، بل في وزارة الخارجية نفسها، حيث وجد روبيو نفسه وزيرًا بلا أدوات، يواجه استقالات الدبلوماسيين، وتجميد الميزانيات، وتلاشي نفوذه مع كل ملف يستحوذ عليه ويتكوف.
وفي مشهد يعيد تعريف السلطة داخل إدارة ترامب، يبقى السؤال: هل يستطيع روبيو قلب المعادلة، أم أن منصبه سيظل مجرد عنوان فارغ في مشهد سياسي تحكمه الولاءات الشخصية لا المؤسسات؟
حاول روبيو تأكيد وجوده عبر جولات دبلوماسية مكثفة شملت أمريكا الوسطى لمناقشة أزمة الهجرة، والشرق الأوسط وأوروبا للحديث عن غزة وأوكرانيا، فضلًا عن اجتماعات مع قادة مجموعة السبع.
لكنّ صورًا التُقطت له وهو «متراخٍ على أريكة» في البيت الأبيض خلال توبيخ ترامب للرئيس الأوكراني زيلينسكي، أو خلافه العلني مع إيلون ماسك، أثارت تساؤلات حول مدى تأثيره الحقيقي.
ويعترف حلفاؤه بأنه «محبط»، خاصة بعد أن أصبحت مهامه الرسمية تفتقر للصلاحيات التقليدية لوزراء الخارجية السابقين، في وقت يُفضّل ترامب الاعتماد على شخصيات خارج الإطار البيروقراطي مثل ويتكوف.
في المقابل برز ويتكوف خلال الشهور الأولى من الإدارة كـ«وزير خارجية ظل»، فقاد مفاوضات حساسة مثل إطلاق سراح رهائن أمريكيين، ووقف إطلاق النار في غزة (وإن كان مؤقتًا)، وإعادة المواطن مارك فوغل من روسيا بعد وساطة مباشرة مع الكرملين.
كما تولى دور الوسيط في محادثات إنهاء الحرب الأوكرانية، حيث التقى فلاديمير بوتين شخصيًا لتعزيز مبادرة وقف إطلاق النار الأمريكية.
ويذكر مصدر مطلع أن ويتكوف يسافر حول العالم بلقب «مبعوث»، لكنه عمليًا يؤدي دور وزير الخارجية لأن لديه شيئا واحدا لا يمتلكه أي شخص آخر؛ إنه يتمتع بـ«ثقة ترامب الكاملة».
فهل يستقيل روبيو؟
تشيع تكهنات في واشنطن عن احتمالية استقالة روبيو أو إقالته، خصوصًا مع سجل ترامب في تقصير عمر مسؤوليه (مثل ريكس تيلرسون الذي استمر 13 شهرًا).
ويُقال إن روبيو نفسه يرى أن بقاءه 18 شهرًا إلى عامين قد يكفي لتعزيز سيرته الذاتية استعدادًا لترشحه المحتمل للرئاسة في 2028. لكنّ تحوُّله إلى «وزير صوري» أمام صعود ويتكوف يُنذر بتحديات قد تُعجل برحيله.
في الوقت ذاته، يواجه روبيو أزمة داخلية غير مسبوقة في وزارة الخارجية، حيث استقال عشرات الدبلوماسيين احتجاجًا على سياسات الإدارة، وتوقف التوظيف بسبب تجميد الميزانيات، بل وأُلغي تعيين دفعة كاملة من الدبلوماسيين الجدد.
ورغم نجاحه في تجنب عمليات طرد جماعية فإن انتقادات توجه له لعدم مقاومته سياسات مثيرة للجدل، مثل: التخلي عن أوكرانيا، التي وصفها مسؤول بالوزارة بـ«غير الأخلاقية».
وأمام تعليق معظم برامج المساعدات الأمريكية (باستثناء المنقذة للحياة)، وجد روبيو نفسه غارقًا في معالجة طلبات الإعفاء، حيث أمضى ليالي كاملة حتى الثالثة صباحًا في محاولة حل الأزمة. لكنّ جهوده لم تمنع تعطيل برامج إنسانية حيوية، وهو ما يزيد من الضغوط عليه داخليًا وخارجيًا.
من يمسك بالخيوط الحقيقية؟
بينما يُصور البيت الأبيض العلاقة بين روبيو وويتكوف على أنها «تكاملية»، يرى مراقبون أن التنافس على القرب من ترامب هو السمة الأبرز.
فرغم الاحتفاء الرسمي بروبيو كـ«أفضل وزير خارجية» وفقًا لترامب، تظل حقيقة نفوذه موضع شك. والسؤال الذي يلوح: هل يستطيع روبيو تحويل المنصب إلى منصة لطموحاته المستقبلية، أم أن ظل ويتكوف سيطغى على إرثه الدبلوماسي؟
aXA6IDE4LjExOS45OC4xMDAg جزيرة ام اند امز