لم يتمكن مرشحو الانتخابات الرئاسية التركية من تجاوز 50% من أصوات الناخبين، لتصبح تركيا لأول مرة في تاريخها الحديث، على موعد مع جولة الإعادة بين رجب طيب أردوغان وكمال كليجدار أوغلو.
وستحدد هذه الانتخابات مستقبل علاقات تركيا الخارجية، وإدارتها للأزمة الاقتصادية، وإن كانت ستصبح أكثر علمانية وديمقراطية.
وتراجعت الليرة التركية لأدنى مستوى لها منذ أشهر، إذ وصلت إلى 19.70 مقابل الدولار، وقد تستمر في التراجع مع ضبابية المشهد السياسي، حيث إنها فقدت 5% من قيمتها منذ بداية العام، ونحو 95% منذ عقد ونصف.
وستجرى جولة الإعادة بعد أقل من أسبوعين، وهي فترة زمنية قصيرة، ستسبب ضغطا كبيرا على إدارة الانتخابات، وأعباء مالية إضافية بسبب ضيق الوقت، ما قد يقلل نسبة الناخبين الأتراك، إذ سيكون عليهم التوجه للاقتراع مرتين، خصوصا لو علمنا، أن نسبة المشاركة على الصعيدين الرئاسي والبرلماني في الجولة الأولى بلغت 93.6%.
والجديد في الجولة الثانية، أنه يتعين على الفائز الحصول على أغلبية الأصوات، وليس كما حصل في الجولة الأولى، بنظام الأغلبية المطلقة 50+1، وسيكون للمرشحين المنسحبين دور كبير، حيث ممكن دعوة مؤيديهم لتأييد أحد المرشحين.
ومع انسحاب مرشح حزب البلد محرم إنجه من الجولة الأولى، سيلعب مرشح تحالف الأجداد سنان أوغان دور "صانع الملوك"، ولهذا أطلق تصريحات تكتيكية يناور بها فريقي أردوغان وكليجدار أوغلو، لعل وعسى يحقق وعودا ومكتسبات، يقرر من خلالها مسار كتلته التي تتراوح بين 2% و 5%.
وكشفت النتائج عدم تمكن أردوغان من تجاوز عتبة 50%، وهو الذي لم يهزم في أكثر من 10 استحقاقات انتخابية، ورغم تقدمه الطفيف على منافسه، إلا أن تاريخه الانتخابي يؤكد انخفاض شعبية الحزب الحاكم، لأسباب عدة، لا سيما تدهور الأوضاع الاقتصادية والمعيشية، وتداعيات زلزال فبراير/شباط، وقد شرحت في مقالي "وضعية الانتخابات التركية" بتاريخ 4/5/2023، أن "التاريخ يكرر نفسه من جديد، فقد فاز الرئيس أردوغان بالسلطة في انتخابات 2002، بسبب سوء الحالة الاقتصادية وتداعيات زلزال مدينة أزمير، الذي أودى بحياة 17 ألف شخص، فاختار الشعب التركي حينها حكومة جديدة".
كما لعبت ديموغرافيا الأعمار دورا مؤثرا، فالشباب التركي يبحث عن التغيير، ويتوق لمزيد من الحريات الإعلامية، خصوصا بعد لجوء الحزب الحاكم إلى أساليب متشددة، مع المناهضين لحكم أردوغان.
واستطاعت المعارضة نقل الانتخابات إلى جولة إعادة، ولعل اتفاقها على مرشح واحد، عزز من دعم مرشحها كليجدار أوغلو، الذي يعد بترميم مؤسسات الدولة، وهيكلة الرئاسة بوجود نواب للرئيس، من قادة تكتل "تحالف الأمة"، بمن فيهم رؤساء بلديتي أنقرة وإسطنبول، والعودة إلى الحكم البرلماني والسياسات الاقتصادية التقليدية.
وبتقديري، نجحت المعارضة في استثمار الأزمة الاقتصادية، ووجود الملايين من اللاجئين السوريين، والتعهد بإعادتهم إلى أوطانهم سالمين.
تركيا أمام مفترق طرق، فإما التغيير وإما الاستمرار الحكم الأردوغاني.. متنافسان بأسلوبين مختلفين، فأردوغان يتمتع بشخصية براغماتية، مستعدة للقتال في النهار والتفاوض في المساء، مع تغيير سياساته الداخلية والخارجية بحسب متغيرات الأحداث، بينما يميل كليجدار أوغلو للهدوء في توجهاته، والحكم عبر التشاور، في دولة يبلغ عدد سكانها 85 مليون نسمة، ولديها قضايا معقدة للتعامل معها.
وكان فوز المعارضة في المدن الكبرى، أنقرة وإسطنبول وأزمير وديار بكر متوقعا، بينما كان فوز أردوغان بمحافظات الزلزال مفاجئا!.
ولو أن شعبية أردوغان انخفضت بشكل واضح، إلا أنه لا يزال يملك قاعدة صلبة، وهو الأقرب للفوز طالما يملك السيطرة على وسائل الإعلام المختلفة، ومفاصل الدولة خلال فترة الأسبوعين القادمين، وعلى أي حال تبقى الاحتمالات الأكثر ترجيحا، هي فوز أردوغان بالرئاسة والأغلبية في البرلمان، أو خسارته الرئاسة مع الحفاظ على أغلبية البرلمان.
من زاوية عربية، ستفضل الدول العربية المحورية التعامل مع من تعرفه، ولو أنها تختلف معه في بعض التوجهات، على حساب من لا تعرفه، وفي نهاية الأمر، وضعية تركيا الاقتصادية، هي من تحتاج العرب لتحسين اقتصادها، بغض النظر عن الرابح.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة