دلو المنافع الذي صقلته باريس دفاعا عن الطاقة النووية، بالشراكة مع 15 دولة أوروبية، أعاد وضع الحقيقة في نصابها بعد الكثير من الصخب.
الطاقة النووية الخضراء ليس بأقل من غيرها. بل أنها أكثر نفعا، وأقل تكلفة، والمخاوف بشأنها مبالغ فيها إلى حد التطرف. وفي الواقع، فإنه لن يمكن تحقيق غايات الحياد الكربوني، بالتخلي عن مصدر حيوي، نظيف، من مصادر الطاقة.
وسواء أمكن لصناعة الهيدروجين أن تثبت جدواها الاقتصادية، بعد ما لا يقل عن تريليوني دولار من الاستثمارات الجديدة، فإن بناء مفاعلات نووية يظل أوفر بعشرات المرات، لإنتاج الكمية نفسها من الطاقة.
كل الذين شاركوا في مؤتمر باريس (وهم: بلجيكا وبلغاريا وكرواتيا وتشيكيا وإستونيا وفنلندا وفرنسا والمجر وهولندا وبولندا ورومانيا وسلوفينيا والسويد وسلوفاكيا وإيطاليا وبريطانيا) اجتمعوا على القول إن مصادر الطاقة النووية، لا تزال تملك الكثير مما يمكن تقديمه لأجل تنمية الاقتصاد والمحافظة على استقراره، من دون المزيد من عوامل التلوث.
هذه الدول تستعين بالعشرات من المحطات النووية، بما يوفر لها مجتمعة نحو 100 غيغاوات من الطاقة. ولا يمكن تصور أنها ستحقق استقرارا اقتصاديا من دون هذا المصدر، وذلك على الرغم من كل ما يثار بشأنه من سجالات. وعلى هذا الأساس، فإنها تخطط لإضافة 50 غيغاوات أخرى حتى العام 2050.
السجال في أوروبا، لا يتعلق بفوائد هذا المصدر للطاقة. كما أنه لم يعد يتعلق بالأمن لأن الجيل الثالث من المفاعلات النووية، تجاوز هذه العقدة. وفي حين أن الجيل الرابع من المفاعلات تجاوز حتى عقدة النفايات، فإن الجدل الراهن يتركز حول الوقت، بالقول إن "المفاعلات المضغوطة" و"المفاعلات المعيارية" الصغيرة، سوف تحتاج ما قد لا يقل عن 15 عاما قبل أن تصبح ذات جدوى اقتصادية.
"الخضر" في أوروبا يحاربون المفاعلات النووية، لمجرد أنها كانت سببا لحادثين كبيرين (تشيرنوبل-أوكرانيا في إبريل 1986، وفوكوشيما- اليابان في مارس 2011). وعدا عن أن هذين المفاعلين كانا من الجيلين الأول والثاني، فالمفارقة الكبرى هي أن الحادثين فيهما نجما عن أخطاء إدارية لا تتعلق بالمفاعل نفسه. في الأول، لأن العمال لم يتبعوا بروتوكولات السلامة المألوفة. وفي الثاني، لأن إدارة المفاعل لم تفطن إلى أن موجة التسونامي التي وقعت في ذلك الوقت، عطلت إمدادات الكهرباء المولدة من 3 مفاعلات نووية في محطة دايتشي مما أدى إلى انفجارها.
وهناك اليوم أكثر من 440 مفاعلا نوويا يعمل في العالم تنتج نحو 370 غيغاوات من الطاقة الكهربائية. وتشير إحصاءات العام 2020 إلى أن الولايات المتحدة تحتل المرتبة الأولى بحصة إنتاج بلغت 30.9 بالمئة من إجمالي الطاقة النووية المنتجة عالميا، تليها الصين بحصة بلغت 13.5 بالمئة، وتخطط لبناء 150 مفاعلا نوويا جديدا بحلول عام 2035. كما تنتج فرنسا نحو 13 بالمئة، تليها روسيا بـ7.9 بالمئة، وكوريا الجنوبية 6 بالمئة، ثم كندا 3.6 بالمئة، ودول عديدة أخرى بنسب أقل.
إنتاج فرنسا من الطاقة النووية يغطي 70 بالمئة من احتياجاتها للكهرباء. وهي واحدة من أعلى النسب في العالم. وجلّ ما يمكن استخلاصه من هذا الواقع، قد يكمن في السؤال التالي: كيف سيكون اقتصاد هذه البلدان من دون هذا المصدر؟
هناك تجربة واحدة فريدة في العالم، تتخطى كل الحواجز والسجالات، هي التي تبنيها دولة الإمارات، لأنها تأخذ بجميع الخيارات. فهناك حصة للطاقة النووية، وأخرى لإنتاج الهيدروجين من مصادر متنوعة، وثالثة للطاقة الشمسية، ورابعة للغاز، فضلا عن الطاقة المستخرجة من النفط.
تنويع مصادر إنتاج الطاقة هو الجواب العملي الوحيد، ليس فقط لأن كل مصدر منها يؤدي غايته من المنافع فحسب، ولكن لأنه يوفر مواكبة متزامنة مع ما يتغير في سوق الطاقة واستخداماتها والتكنولوجيات المرتبطة بها أيضا.
الذين يعادون مصدرا من هذه المصادر لدوافع "خضراء" متطرفة، لا يفعلون سوى أنهم يعرقلون الغاية نحو تحقيق الحياد الكربوني. هذا الحياد لن يتحقق ما لم يتحقق التوازن بين متطلبات الاقتصاد من جهة، وبين مصادر الطاقة من جهة أخرى. وكلما تعددت هذه المصادر، أصبح الاستقرار راسخا أكثر، ويتيح فرصا لرفاهية الاختيار في المستقبل.
الموارد الإضافية التي تتحقق من تنويع الخيارات، سوف تفتح، هي نفسها، طرقا أوسع للاستثمار في ما يثبت أنه أيسر وأنفع وأكثر أمنا.
الذين يقطعون حبلا لبئر ماء، لأن لديهم ثلاثة حبال أخرى، يخفضون حصتهم من الماء بمقدار الربع.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة