شيء مثير للغاية ما يجري على صعيد القارة الأوروبية، وبنوع خاص في هذه الأوقات التي يستعد فيها الجميع
لمواجهة حاسمة وحازمة، عبر ما بات يعرف بالهجوم الأوكراني المضاد على روسيا، ومحاولة استخلاص ما تم الاستيلاء عليه من الأراضي الأوكرانية، عطفا على إعادة شبه جزيرة القرم من أيدي الروس.
هل يسعى الأوربيون لمواجهة مع الروس، قد لا تصد ولا ترد، ويمكنها أن تقود الجميع إلى مواجهة نووية؟.
الذين تابعوا تطورات المشهد الأوروبي – الأوكراني، الأيام القليلة المنصرمة، رسخت لديهم قناعة مفادها أن هناك زخما كبيرا لكييف، ومحاولة لتعزيز أوضاعها العسكرية، قبل نهاية زمن الربيع الحالي، والذي ينتهي خلال أسابيع قليلة طقسيا .
من تحت قبة مجلس العموم البريطاني، أعلن وزير الدفاع البريطاني بن والاس، عن اتخاذ المملكة المتحدة قرارا يقضي بتزويد أوكرانيا بصواريخ "ستورم شادو"، والتي يتراوح مداها من 250 إلى 500 كيلومتر، ما يعني أن هناك احتمالية لتغيير قواعد اللعبة عسكريا على الأرض.
المثير أن الوزير أكد أن الصواريخ في طريقها لأوكرانيا، وربما تكون قد وصلت بالفعل .
يقطع والاس بأن الخطوة محسوبة ومناسبة للتصعيد الروسي، ويبرر الإقدام عليها بمواصلة روسيا ما أسماه السير في طريق مظلم باستهداف المدنيين والبنية التحتية في أوكرانيا.
ويعن للمراقب للمشهد أن يتساءل، كيف ولماذا أقدمت بريطانيا على هذه الخطوة، في حين أن أقصى ما ذهبت إليه الولايات المتحدة، هو تزويد كييف بصواريخ، "هيمارس" الأمريكية، والتي لا يزيد مداها عن 80 كيلومترا؟.
الصواريخ البريطانية، ستورم شادو، ورغم انتقاص الروس من قدراتها دعائيا، قادرة على إلحاق إصابات بالغة بالمدن والأعيان الروسية، ومواقع ومواضع الأمن القومي للبلاد في الداخل، سيما أنه يتم إطلاقها من الطائرات، وبالتالي فإن المدى البعيد يعني أنه سيكون بإمكان الطيارين الأوكرانيين البقاء بعيدا عن خطوط جبهات القتال، ما يعطيهم قدرة نوعية على انتقاء أهدافهم، وكذا إصابتها بدقة كبيرة وخطيرة .
هل هذا كل شيء عن الموقف الأوروبي من الأزمة الروسية الأوكرانية، والتي تكاد أن تحول العالم إلى كتلة نيران مشتعلة؟.
بالقطع لا، ذلك أنه نهار السبت الماضي، وفي تصريحات لقناة فرانس 24"، كان المسؤول عن السياسات الخارجية للاتحاد الأوروبي، يحض الدول الأعضاء على الإسراع في تسليم أوكرانيا التجهيزات العسكرية وتزويدها أسلحة بعيدة المدى لمواجهة الضربات الروسية .
بوريل وفي لهجة عدائية لروسيا، لا تخطئها العين، يقر بأن الأوكرانيين يحتاجون في الوقت الحاضر، إلى أمور محددة، سيما أن الروس يستهدفونهم من مسافات بعيدة، ويضيف "لهذا يجب أن تتوافر لهم القدرة على بلوغ المسافة ذاتها، والمدى ذاته ".
وإلى أبعد من ذلك، وبما يشير إلى أن الأوروبيين يتوقعون معركة واسعة النطاق، يضيف بوريل: "على الأوروبيين تزويد الأوكرانيين بالأسلحة والذخائر، وعليهم أيضا إعادة تكوين مخزوناتهم من هذه التجهيزات ".
حجة بوريل التي يبرر بها دوافعه لعسكرة المشهد الأوروبي مع روسيا، هو الدفاع عن بلد مستقل مثل أوكرانيا، في مواجهة الحرب التي يشنها الروس عليهم .
هل لدى لندن واستخباراتها الخارجية، لا سيما العسكرية، رؤية لمستقبل الصراع، وعلى هذا الأساس تبني استراتيجيتها على مفهوم " الدفاع خير وسيلة للهجوم "؟.
هناك شيء مثير للتفكير في تصريحات والاس ، حيث يؤكد أن قدرات صواريخ "ستورم شادو"، لا تقاس بإمكانيات الكثير من الصواريخ الروسية المجنحة بنوع خاص، ومن هنا يمكن لأي محلل سياسي أن يوقن بأن لندن لديها أهداف ما ورائية.. هل هي الحرب النفسية ضد القيصر ومحاولة إيهام الروس بأنهم محاطون من جميع الجهات؟.
قبل الجواب، ربما يتوجب علينا التوقف مع ردات الفعل الروسية، على التوجه البريطاني، والذي يأتي بدوره بعد تزويد أوكرانيا بدبابات تشالنجر .
في ردها تذهب وزارة الخارجية الروسية إلى اعتبار قرار لندن خطوة عدائية.. هذه هي الصيغة الدبلوماسية التي لابد أن تقال .
غير أن هناك ما هو أبعد من ذلك، سيما أن استراتيجية الأمن القومي الروسي ، تقضي بأنه حال جرى تهديد مباشر للداخل الروسي، وإذا تم استهداف المواطنين الروس داخل مدنهم، فإن كافة الأسلحة الروسية ستكون حاضرة للدفاع عن الكيان الروسي السلافي .
الذين تابعوا تصريحات الرئيس الروسي السابق، ديمتري مديفديف قبل نحو أسبوعين، ربما لفت انتباههم إشارته إلى المواجهة النووية المحتملة في كل الأحوال.
الخارجية الروسية بدورها، فتحت مجالا واسعا للتكهن بردات فعل الدولة الروسية، وذلك حين أشارت إلى أن موسكو تحتفظ بالحق في اتخاذ تدابير لتحييد التهديدات التي قد يسببها استخدام القوات الأوكرانية لهذه الصواريخ.. هل بات الرد الروسي واضحا بما فيه الكفاية؟.
الخلاصة المؤكدة، هي أن صب الزيت على النار أمر خطير.. الحرب لا تفيد.. الكل خاسر.. وقف إطلاق النار والمفاوضات والعودة إلى صيغة اتفاقية مينسك هو الحل .
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة