فعلياً كان هناك صراع بين العرب حول سوريا، لقد كان صامتاً لكنه كان صراعاً كبيراً ومثيراً، فمن أكثر الملفات العربية تعقيداً "دبلوماسياً" على المستوى الإقليمي هو الملف السوري، أما الحرب بالوكالة فقد كانت واضحة وكانت سبباً لإطالة هذه الحرب.
الإجماع العربي الأخير على استعادة سوريا مقعدها في جامعة الدول العربية الذي خسرته منذ نوفمبر 2011 يعتبر قراراً مهماً جداً بعد اثنتي عشرة سنة من حرب كان الخاسر الأكبر فيه هي سوريا الوطن والشعب، لكن الأهم هو معرفة خطة النظام السوري للمرحلة المقبلة، فالكرة أصبحت في ملعب الأسد والنظام السوري.
دولة الإمارات استشعرت ضرورة هذه العودة مبكراً وتحركت عملياً منذ 2018 عندما قررت إعادة فتح سفارتها في دمشق، وفي مارس الماضي كانت كلمة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة واضحة أثناء استقباله بشار الأسد في أبوظبي فقد قال: "حان الوقت أن تعود سوريا إلى محيطها العربي"، ولم يكن هذا موقف الإمارات الأول الداعم لعودة سوريا، فالإمارات استمرت في رؤيتها الاستراتيجية للأزمة السورية والتي كانت ترى أنها يجب أن تنتهي ويتم العمل على البحث عن حل لهذه الأزمة الكبرى بدل البقاء في منطقة اللاحل أو انتظار حدوث معجزة، لذا كان استقبال الشيخ محمد بن زايد في مارس 2022 لبشار الأسد في أبوظبي مهماً وجزءاً من إجراء عملي لتحريك الملف، فقد كانت هذه أول زيارة يقوم بها الأسد لدولة عربية منذ الحرب في سوريا، فكانت رسالة مهمة للمنطقة وللعالم.
مع اقتراب العرب من سوريا كان من المتوقع ألّا تقبل الولايات المتحدة الأمريكية -وبطبيعة الحال معها الدول الأوروبية- عودة سوريا إلى الحضن العربي، فالإدارة الأمريكية التي اختارت اتخاذ موقف المتفرج على ما كان يحدث في سوريا منذ بداية الأزمة في عهد الرئيس أوباما واختارت الانشغال بملفات أخرى طوال العقد الماضي لم يعد موقفها من عودة سوريا للجامعة العربية مؤثراً رغم الصخب الغربي الرافض للصلح العربي، فمن الواضح أن أمريكا تتحرك أو تتوقف وفق مصالحها فقط، دون مراعاة لمصالح سوريا أو مصالح المنطقة، على الرغم من أنها تكرر الحديث عن "مصالح الشعب السوري"، وعلى الرغم من أن الدول الأوروبية تتحدث عن "حقوق الإنسان" في سوريا!
مع كامل تفهم العرب للموقف الأمريكي والأوروبي إلا أن دول المنطقة أصبحت أمام مسؤوليات لا يمكن تجاهلها نتيجة الوضع في سوريا، فالنتائج الداخلية لهذه الأزمة كبيرة جداً سواء على الصعيد الإنساني أو الاقتصادي أو السياسي، فقد اصبحت سوريا بلد شبه مدمر واغلب الشعب السوري يعاني من الفقر، كما انه عانى كثيراً طوال السنوات الاثنتي عشرة الماضية فضحايا الحرب من الشعب السوري من قتلى وجرحى ولاجئين ومهاجرين بالملايين، جراح كل أولئك لم تلتئم، والكثير منهم لا يزال يحمّل النظام السوري المسؤولية كاملة، وهم غير قادرين على القبول بمسامحة النظام، وبالتالي هم أكثر الغاضبين من قرار العرب بعودة سوريا إلى الحضن العربي ومشاركتها في القمة العربية المقبلة في جدة، فهؤلاء يعتقدون أنه كان يجب محاسبة النظام بدل التطبيع معه واستقباله وكأن شيئاً لم يكن! وبالتالي فإنهم يعيشون حالة الصدمة وخيبة الأمل ويشعرون بأن العرب خذلوهم بهذه الخطوة! وفي مقابل هؤلاء هناك سوريون داخل سوريا وخارجها يريدون أن تنتهي هذه الحرب بأي شكل وفي أسرع وقت، ثم ليبدأ العمل من أجل إصلاح ما تم تدميره -سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وصولا الى إعادة الإعمار- خلال سنوات الحرب، فبدون توقف الحرب سيبقى الحال على ما هو عليه وسيدور الجميع في حلقة مغلقة بلا نهاية.
أما عربياً فقد تباينت تلك المواقف من النظام حتى اللحظات الأخيرة من اجتماع وزراء الخارجية العرب في الجامعة العربية، فتَحَفُظ بعض الدول على عدم استعادة سوريا مقعدها كان واضحاً، أما إقليمياً فما استثمرته القوى الإقليمية مثل إيران وتركيا يجعل ليس من السهل قبول فكرة إنهاء الحرب واحتواء العرب لسوريا بهذه البساطة، فالكل يطلب جزءاً من الغنيمة والثمن والكل يدعي أنه قدّم ويجب أن يأخذ.
والسؤال المهم بعد الانتهاء في ظل الصخب العالمي بعودة سوريا إلى الحضن العربي ليس هل انتصر الأسد أم لم ينتصر؟ وإنما كيف ستكون هذه العودة؟ فلا يمكن اعتبار الأسد أو نظامه منتصرين في بلد يعيش 80 بالمئة مما تبقى من سكانه تحت خط الفقر! وبلا خدمات أولية ولا بنية تحتية! وقائمة من الملفات الشائكة وعشرات الآلاف من المسجونين وملايين المهجرين في الداخل والخارج، فكيف يمكن أن يطمئن النظام السوري شعبه بأن الأمور ستكون على ما يرام وستعود كما كانت بعد أن عاش في الخوف والحرب كل تلك السنوات وعانى من الإرهاب والموت والتشريد؟!
الجميع ينتظر أن يستمع إلى الرئيس بشار الأسد أو من ينوب عنه من النظام السوري خلال القمة المقبلة التي تستضيفها المملكة العربية السعودية في 19 مايو المقبل في جدة، وعلى رأس أولئك هم الشعب السوري، فكيف سيطمئن بشار شعبه وكيف يستعيد ثقته؟ هذا سؤال الإنسان البسيط الذي يريد أن يعود إلى وطنه ويعيش في أمن وسلام وكرامة، وهذه واحدة من أهم التحديات التي يجب أن يتعامل معها النظام بشكل شفاف وسريع، أما التحديات الخارجية فبلا شك أنها صعبة والتفاوض حولها سيتطلب الكثير من الجهد والوقت إلا أن تجاوز التحدي الداخلي هو الأولوية في المرحلة الحالية.
بعد أن عجز المجتمع الدولي وعجزت القوى العظمى عن وضع حد لهذه الأزمة وبعد أن فشلت المعارضة في إيجاد الحلول جاء التحرك العربي.. اختار العرب المحبون لسوريا هذا التحرك بعد انتظار سنوات كي تنهي الأطراف المعنية هذه الحرب، إلا أن كل الجهود باءت بالفشل.
أما الموقف العربي الشعبي من عودة سوريا للجامعة العربية فينطلق من الرغبة الصادقة في إنهاء الحرب ومعاناة الشعب السوري العربي الشقيق.. إلا أنه يحترم القرار النهائي للشعب السوري فهو صاحب القضية وصاحب المصلحة الأولى.
الجزء المهم سياسيا في الأزمة السورية بعد قبول العرب عودتها إلى الجامعة العربية، هو دخول العرب على خط حل الأزمة وأن يكونوا جزءاً من الحل بعد أن بقيت أزمة سوريا طوال العقد الماضي بيد قوى اقليمية وخارجية من إيران وتركيا وروسيا والغرب، في غياب تام للعرب.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة