الرجل الهادئ في «ماغا».. كيف يعيد فوت رسم ملامح السلطة بأمريكا؟

في قلب مشروع سياسي قد يعيد رسم ملامح السلطة في الولايات المتحدة، يقف راسل فوت، مدير مكتب الميزانية في البيت الأبيض.
ووفقا لصحيفة «نيويورك تايمز»، فقد بات الرجل الذي كرّس سنواته لرسم خطط تهدف إلى توسيع صلاحيات الرئيس وتقليص حجم البيروقراطية الفيدرالية، اليوم أقرب من أي وقت مضى إلى تحويل رؤيته إلى واقع قد يقوّض مبدأ التوازن بين السلطات الذي يقوم عليه النظام الأمريكي.
خلاف مع ماسك
كان فوت يضع اللمسات الأخيرة على مقترح ميزانية إدارة ترامب لعام 2026، عندما فوجئ بإلغاء فريق إيلون ماسك – المكلّف بتقليص النفقات –بنودًا أساسية من دون الرجوع إليه.
وقد عبّر عن استيائه لفريقه قائلاً إنه يشعر بالتهميش وسط الفوضى التي أحدثتها دائرة "الكفاءة الحكومية" التي أسندت إلى ماسك. ورغم نفي متحدثته أنه أطلق أي تعليق غاضب، إلا أن الحادثة كشفت التوتر بين الطرفين.
ورغم ضخّ ماسك أكثر من 250 مليون دولار لدعم حملة ترامب الانتخابية، ما منحه نفوذًا واسعًا داخل الإدارة، إلا أن فوت امتلك كان يمتلك ما لم يكن لدى الملياردير: رؤية متكاملة وخطط تفصيلية طويلة الأمد.
ومع تراجع دور ماسك تدريجيًا، بدأت أفكار فوت تشق طريقها إلى التنفيذ، مستعيدة سلطات توارت منذ حقبة نيكسون.
استغلال اللحظة
اليوم، ومع اقتراب أزمة تمويل قد تشل الحكومة الفيدرالية، يرى فوت في اللحظة فرصة لفرض أجندته، التي تتمثل في تقليص الوكالات الحكومية، وفصل الموظفين، وربط كل أوجه الإنفاق بسلطة مكتبه. وهو لا يخفي استعداده لاستخدام التهديد بالفصل الجماعي كورقة ضغط على الكونغرس.
إنجازات مثيرة للجدل
خلال الأشهر الماضية، نجح فوت في إلغاء 9 مليارات دولار من المساعدات الخارجية وتمويل البث العام، ما أدى إلى إنهاء "مؤسسة البث العام". كما أبرم صفقة مع الجمهوريين في مجلس النواب أسفرت عن خفض الإنفاق على برامج مثل "ميديكيد" وقسائم الطعام.
ولم يتوقف عند ذلك، إذ قاد حملة شاملة لإلغاء مئات اللوائح التنظيمية الخاصة بالبيئة والصحة والسلامة، مؤكداً أن جهوده أسفرت عن 245 مبادرة لإلغاء القيود في عام واحد. كما مدّ سلطته إلى وكالات يفترض أنها مستقلة، مثل الاحتياطي الفيدرالي، وفرض عليها تمرير أي لوائح جديدة عبر مكتبه أولاً.
صدام مع الكونغرس
في صميم خطط فوت تكمن محاولة لإعادة تفسير الدستور عبر انتزاع سلطة تعطيل الإنفاق من يد الكونغرس. ففي خطوته التالية، يسعى لاستخدام ما يُعرف بـ"الرفض الجيبي" (Pocket Rescission) لإلغاء 4.9 مليار دولار إضافية من المساعدات الخارجية من دون الرجوع إلى المشرعين.
هذه الآلية، التي لم تختبر قضائيًا من قبل، تتيح للرئيس وقف التمويل ما لم يتحرك الكونغرس لإلغائه قبل 30 سبتمبر/ أيلول.
أثارت الخطوة اعتراضات واسعة حتى من داخل الحزب الجمهوري، إذ وصفتها السيناتور سوزان كولينز بأنها "غير قانونية". لكن فوت يراهن على أن المحكمة العليا ستؤيد موقفه، ما يفتح الباب أمام سابقة تاريخية تنقل سلطة الإنفاق إلى يد الرئيس.
الرجل الهادئ في "ماغا"
رغم طبيعته الهادئة، ينظر أنصار حركة "اجعلوا أمريكا عظيمة مجددًا" إلى فوت باعتباره المهندس الحقيقي الذي يحول الحماسة الشعبوية إلى خطة عملية. وقد وصفه ناشطون بأنه "النجم الساطع" داخل المشروع.
في المقابل، يحذر خبراء القانون من خطورته، مؤكدين أن تقويض سلطة الكونغرس في التحكم بالميزانية يعني منح الرئيس سلطات مطلقة تهدد الحرية في الولايات المتحدة.
جذور فكرية ومسيرة سياسية
وُلد فوت في أسرة متواضعة بولاية كونيتيكت؛ والده كهربائي وعضو نقابي، ووالدته معلمة. يقول إنه نشأ وهو يشاهد والديه مثقلَين بالضرائب، ما زرع فيه نفورًا من البيروقراطية الحكومية. بعد تخرجه في كلية إنجيلية، عمل مساعدًا للسيناتور الجمهوري فيل غرام، أحد أبرز دعاة التقشف المالي.
مع صعود حركة "حزب الشاي"، لمع اسمه كمهندس سياسات التقشف داخل مجلس النواب. ورغم تفكيره لفترة في ترك السياسة والعمل كقس، إلا أنه انضم إلى إدارة ترامب عام 2017.
وهناك برز كأحد أشد المدافعين عن سلطة الرئيس في تعطيل الإنفاق الذي يقره الكونغرس. ولعب دورًا أساسيًا في تجميد مساعدات أوكرانيا العسكرية عام 2019، كما دعم استخدام صلاحيات الطوارئ لتمويل بناء الجدار الحدودي مع المكسيك.
وبعد خسارة ترامب انتخابات 2020، أسس فوت "مركز تجديد أمريكا"، وهو مركز أبحاث صمم ليكون منصة لإحياء سياسات ترامب. وفي 2022، نشر "ميزانية الظل" تضمنت اقتطاعات ضخمة من برامج الرعاية الصحية والتعليم والمساعدات الخارجية، مما عزز صورته كأحد أبرز المنظرين لتقليص دور الدولة.
كما شارك بفاعلية في "مشروع 2025"، الوثيقة التي أعدتها مؤسسة "هيريتدج" لرسم ملامح حكم ترامب في حال عودته.
عودته إلى البيت الأبيض
مع فوز ترامب بولاية ثانية، عاد فوت إلى البيت الأبيض أكثر نفوذًا. ويقود اليوم فريقًا يزيد على 500 موظف من مكتبه المجاور للبيت الأبيض، حيث يزين جدار مكتبه بصورة الرئيس كالفن كوليدج، رمز الحكومة الصغيرة.
ورغم أنه ليس من الدائرة الضيقة المقربة من ترامب، إلا أن الأخير يرى فيه الرجل الذي يعرف كيف يحوّل الميزانية إلى أداة لتفكيك "الدولة العميقة".
الآن، يتطلع فوت إلى معركته الكبرى: إلغاء "قانون الرقابة على حجز الأموال" لعام 1974، الذي وُضع للحد من تجاوزات السلطة بعد فضيحة نيكسون. وإذا نجح في إسقاطه عبر قضية "الرفض الجيبي"، سيصبح للرئيس حق فعلي في وقف أي إنفاق حتى وإن أقره الكونغرس.
يرى المقربون منه أن المعركة ستصل لا محالة إلى المحكمة العليا، حيث يعتقدون أن كفة الرئيس سترجح. ويصفه أحد زملائه السابقين يصفه قائلاً: "ما يقوم به متطرف، لكنه مدروس بعناية… لقد خطط لذلك لسنوات طويلة."
أما فوت نفسه فيلخص طموحه بجملة واضحة: "سنحصل في النهاية على بيروقراطية أصغر بكثير نتيجة لذلك."
aXA6IDIxNi43My4yMTYuMzUg
جزيرة ام اند امز